حينما تقرأ له .. فإنك تصيب منه كمن يصيب من حامل المسك ..
بينما يصيب هو منك قلبك ويخلب لبك ..
ويسمو بك إلى عالم تفرد فيه وحده بجمال اللغة وبلاغة الوصف وجزالة اللفظ وتفرد المعاني ..
إنه مصطفى صادق الرافعي ..
حسبك منه أن تحفظ اسمه ..
وأن تعرف أن رجلاً من طراز عصي على المحاكاة .. قصي على الملاحقة ..
عاش زمنا قبلنا ومضى كالبرق الخاطف.. والرعد العاصف. .
ولكنه قبل أن يمضي .. ترك لنا رواسي كالجبال بقيت لأنها مما ينفع الناس..
حتى ولو طغى عليها زبد الهوام.. وبغى عليها غث العوام ..
إنه مصطفى صادق الرافعي ..
صاحب وحي القلم .. وتحت راية القرآن .. والسحاب الأحمر .. والمساكين .. وإعجاز القرآن .. وأوراق الورد ..
قرأت له .. وحاولت هامتي أن تطاول قامته فكنت كمن مد يده ليمسك قرص القمر بأصابعة وهو يحسب أنه منه دانٍ فأيقن بوهمه ..
وقعت بين يدي ورقتان كتبت فيهما بعض تعليقات عليه حينما قرأت له "السحاب الأحمر" و" المساكين" ..
فها انا أنثرهما بعد مرور عقدين من الزمان دون تصرف مني :
أورد الرافعي : " في كتاب السحاب الأحمر"
يامن على الحب ينسانا ونذكره .. لسوف تذكرنا يوماً وننساكا
إن الظلام الذي يجلوك ياقمر .. له صباح متى تدركه أخفاكا
التعليق :
إن كان صدقاً ما قلت .. وإن كان حقاً ما نطقت ...
فما بال الرجال يسعون إلى سمها سعي الهرولة ..
ويطوفون حول قلبها سبعاً وحول جسدها سبعاً ..
ثم لاينفكون يضربون أمام صنمها بالأزلام ..
وينفقون بعدد كل سهم يخطؤهم سنة كاملة من عمرهم..
ثم ترى أغلبهم أضاعوا عمرهم دون أن يصيبهم سهمها.. ولايندمون ولا يأسفون ..
وتراها تحصد أعمارهم حصدا.. وترصد أموالهم رصدا..
فما هي تشبع ولاهم يتوبون ..
أي سر في هذا ؟
أي سر مجهول ذلك الذي يسحب الرجل من عنقه بسلسلة ممدودة ليطوف به حول اسمها فيصيبه الخبل ويطوف به حول جسدها فيزداد خبالا !!..
فما يكون منها إلا كالفراشة تحوم حول السعير توشك أن تواقعة ..
فلا يهدأ لها بال ولا يقر لها قرار حتى تقع فيه فتحترق..
وقلت له :
" إن تصوير الحب بكل هذه القدسية وتصوير الحبيبة بكل هذه الملائكية والجلال والجمال الروحاني .. يجعل الدائرة تضيق أمام أعيننا .. يارافعي..
فلسوف يطول البحث ويشقينا عن تلك التي نصل إليها على اجنحة السمو الروحاني ..فأين هي تلك التي تحمل في قلبها قبل جسدها معاني الجمال الحقيقي .. إنها قد تكون في خيالنا أقرب كثيرا مما هي على أرض دنيانا ..
يقول الرافعي :
( من المرأة حلو لذيذ يؤكل منه بلا شبع .. ومن المرأة مر كريه يشبع منه بلا أكل)
تعليق :
أما هي فإني أراها تعلو في معانيها الجميلة .. وتسمو حتى جاوزت عنان السحب ..
وإني منها الآن كالطائر مكسور الجناح كلما دعته روحه إلى الثريا ..جذبه جرحه إلى الثرى..
فيقع مخضباً بدماء اليأس والحزن ..
يرمق إليه بنظرة منكسرة كأنما أودع فيها كل ما في خزائن البشر من الألم ويطلق زفرة تتبعها آهة لو ترجمت بلغة السحاب لكانت رعدة تهتز لها الأرض هزا وتندك لها الجبال دكا ..
ويتعلق بصره بعرشها وكأنما يتمنى أن يحمله بصره فيرتفع إليها ليضع روحه أمام بساط عرشها ..
ويصبح كل أمله ومنتهى ألمه أن تعرف أنها هي التي كانت تسكن خياله حينما كانت حلما ..
ثم سكنت قلبه حينما أصبحت حقيقة .. ثم سكنت ضلوعه حينما صارت مستحيلاً ..
فيا دموع الانسانية ..
ما دموع العين بشيء بجانب دموع القلب المكلوم..
قال الرافعي "في السحاب الأحمر" عن الحب :
"ولا يشبه تلك المعجزة إلا أن ترى إنساناً يقوم على ساحل البحر الملح .. فيلقي فيه رطلا من السكر.. ثم يتذوق البحر ..
فإذا هو في مذاقه وفي رأيه وفي حكمه شراب سائغ .. كأنما ألقى الرجل فيه وزن كرة الأرض من هذا الطعم اللذيذ الحلو ..
ومع ذلك فهو عاقل فيما عدا ذلك !!
تعليق :
إذاً فالحب ضرب من الجنون ..
وصورة من الواقع تثبت في خيال واهم ..
وتغييب للعقل بمادة مخدرة توضع للإنسان في كأس الأوهام ..
وصورة للمحبوب بينها وبين الحقيقة ما بين الغراب وبدر التمام من تماثل ..
وإحساس بالاتزان لمن هو يمشي على خيط رفيع معلق بين الأرض والسماء ..
يقول الرافعي في كتاب السحاب ألأحمر :
" إن لنار الآخرة سبعة أبواب .. وكأن كل باب منها ألقى جمرة على الأرض ..
فباب ألقى الوهم .. وآخر قذف الخوف .. وثالث رمى بالطمع .. والرابع بالحرص .. والخامس بالألم .. والسادس بالبغض ..
أما السابع فقد رمى بالشر الذي يجمع هذه الستة كلها .. وهو الحب .. النار في الآخرة ..
ولكن أرواحها في الناس لتسوق أرواح الناس إليها "
تعليق:
يا رعاك الله ..
وهل كان الباب السابع الذي يقذف بالشر الذي هو الحب ليلقف ما صنعوا على الأرض ؟
فهل كان الوهم إلا حباً فيما لايستطاع إدراكه أو نواله ؟
وهل كان الخوف إلا حبا غيما يخشى ضياعه بعد اكتسابه ؟
وهل كان الطمع إلا حبا فيما بين يدي الغير؟
وهل كان ألألم إلا حباً في تعذيب النفس؟
وهل كان البغض إلا حباً في حسد الناس والنقمة عليهم ؟
تعليق في المساكين :
"أيريد الرجل لسعادته إمرأة لا نفس لها ولا قلب؟
باطلاً ما يريد .. فما السعادة إلا روحاً قدسية أودعها الله قلبين ائتلفا على المودة والحب ..
فمن نفسيهما تتفجر عيون الرضا والجمال ..
فالفقر ليس أبداً سبة في الحب .. والغنى ليس أبداً سلماً إلى الحب ..
فالحب روح تكتسب خصائصها من ملكوت الله في السماء ..
يقول الرافعي :
قال الشيخ علي : فلا تسأل يابني ماهي الحياة؟ ولكن سل هؤلاء الأحياء .. أيكم الحي !!
تعليق :
نعم نعم يا رافعي ..
نحن والله لسنا أحياء إلا بمقدار أنناس تدخل وتخرج ..
لم ندرك الحياة بعد .. ولن ندركها إلا في لحظة واحدة فقط ..
هي لحظة فراقها ..
حينما تصافح أرواحنَا يدُ الموت..
تعليق :
" اهذه هي الحياة يارافعي ؟..
كاذبة هي .. ساخرة هي .. ومن يدري ..
ومن يدرك أن الفرق العظيم بين الغنى والفقر لا يزيد عن شبر واحد هو مقدار امتلاء المعدة ..
لقد أشكلت الأمر علينا..
حتى لم نعد نعرف هل الغنى هو نعمة الله مثلما ان الفقر هو حكمة الله..
أم أن لله شأنا آخر في كل منهما ..
كل الذي ندركه هو أن الإنسان العظيم بعقله الراجح حينما يتعلق بمعدته او بجسده خيط الغنى.. فإنه يحسب أنه قد أوتي أسباب الملك والحياة على علم عنده ..
وهو في ذلك جد واهم ..
فقد تكون أصابته حكمة الله من حيث ظن أنها نعمة الله ..
إنه الإنسان ..
التعليقات (0)