مواضيع اليوم

ذكريات من زمن النكسه

مجدي المصري

2009-09-08 12:40:42

0


الحلقه الرابعه ...
وأتذكر أيضا أنه كان يقع بالقرب من مدينتي العديد من معسكرات الجيش وعندما كانت تبدأ الغارات الليليه كنا نسمع دوي انفجارات القنابل الشديد يشق سكون الليل بل وكيف أنه في بعض الأحيان كان منزلنا يهتز ليس طربا ولكن يهتز من شده الانفجارات وكنا نتوقع سقوطه في أي لحظه ...
وأتذكر كيف أنني وبعض أطفال عائلتي كنا نتسلل الي سطح المنزل غير خائفين ولا عابئين لما يمكن أن يحدث لنا وكيف كنا نشاهد ضرب الطائرات الاسرائيليه لمعسكرات الجيش القريبه بأن تكون هناك عده طائرات في تشكيل أول تطير علي ارتفاع شاهق وتلقي بالمشاعل التي تضيئ المنطقه وتجعلها مثل الظهر وهنا تسارع المدفعيه الأرضيه في الاطلاق بكثافه ربما تطال احدي تلك الطائرات أو تطال المشاعل لتطفئها ويأتي التشكيل التالي بعدها مباشره ويلقي قنابله علي مرابض المدفعيه وعلي مواقع الجيش لنري أن الأرض قد أضاءت كما أضاءت السماء من قبل ولكن بالانفجارات لتهدأ الأمور بعدها بفتره وتبقي الحرائق مشتعله ونري سيارات المطافي والاسعاف وهي تهرع الي مكان الضرب …
وفي الصباح كان عمي يحكي لنا أن خطط التمويه تسير علي ما يرام فالطيران الاسرائيلي ضرب بالأمس "دشم" هيكليه للطائرات تم تنصيبها خصيصا للتمويه علي العدو …
وكانت الأيام تمر ثقيله متثاقله كئيبه كلها تتشابه مع بعضها وكان الناس يتحرقوا شوقا لسماع خبر جديد ولكن خبر سار ولو لمره واحده فالحياه أصبحت كلها ملل وكأبه وعار الهزيمه يسحق النفوس...
وأفراد القوات المسلحه من جنود وضباط لم يعودوا مقبولين مجتمعيا .. فقد الشعب احترامه لهم وفقدوا هم هيبتهم لدي الشعب .. عوقبوا علي ذنب لم تجنيه أيديهم .. عوقبوا من الناس بالازدراء والتحقير بينما المتسبب الحقيقي في الهزيمه يرفل في نعيم خيرات البلد …
وبين الفينه والفينه كنا نسمع أخبار سيئه عن غارات الطائرات الاسرائيليه مثل ضرب مدرسه بحر البقر الابتدائيه والتي راح ضحيتها الكثير من الاطفال الابرياء وضرب مصنع أبو زعبل والعديد من الكباري والمنشأت الهامه والمطارات العسكريه والتهديد بضرب السد العالي …
كانت الحرب النفسيه الضاريه التي تشنها اسرائيل علي الشعب المصري تسحق ما تبقي لهذا الشعب من معنويات وكانت وطئتها أشد الما من نحر الرقاب .. فقد الناس كل أمل في أي شيئ وأصبح الناس رافضون تماما تصديق أي كلام أو خطب رنانه للقياده المصريه حتي أن الاخبار التي كانت تبثها الاذاعات المصريه لا تجد مستمعين مصدقين لها وأصبح الراديو المتعدد الموجات في ذاك الوقت كنزا لمن يمتلكه لأنه يستطيع من خلاله سماع الاذاعات الاجنبيه الموجهه باللغه العربيه كاذاعه لندن والتي تبث أخبارا حقيقيه وليست مزيفه …
كذلك كانت الاذاعه الاسرائيليه الموجهه بالعربيه تبث أخبار أي هجوم اسرائيلي في حينه وتبث العديد من البرامج التي تقضي تماما علي ما تبقي من أي روح معنويه لدي الشعب …
وفرضت الحكومه ما يسمي "الدوره الزراعيه" علي الفلاح والتي من خلالها كانت تفرض عليه ما يجب أن يزرع وما لا يجب ثم وجوب تسليم محصوله الي الحكومه التي تشتريه بالسعر الذي تحدده هي وتتصرف فيه كما تشاء …
وكان هناك الاتحاد الاشتراكي وهو ما يوازي حاليا الحزب الوطني لأن الحزب الوطني أصبح هو الوريث الشرعي له وورث كل ممتلكاته ومقاره بل أن كل أعضاء الاتحاد الاشتراكي بمجرد أن تأسس الحزب الوطني خلعوا عباءه الاشتراكيه وتحولوا بقدره قادر الي أعضاء في الحزب الوطني فيما بعد …
ومن كان له قريب عضو في الاتحاد الاشتراكي كان يمشي في الارض مرحا مختالا فخورا لأن عضويه الاتحاد الاشتراكي كانت تعني الكثير والكثير ويصبح بها الامعه ….. "امعه" ...
في تلك الفتره انتشرت المخدرات "حشيش وأفيون" وانتشر تعاطيها بين الشعب بطريقه غير مسبوقه ربما هروبا من الواقع المزري الاليم حتي أن تجار وباعه المخدرات انتشروا في كل شارع وحاره وزقه وعطفه وأصبحت تجارتهم رائجه بين كافه أوساط الشعب وطبقاته …
وبدأ انتشار ما يسمي بتجاره الشنطه فالبلد مغلقه ولا يوجد استيراد من الخارج ولا توجد توكيلات تجاريه للشركات العالميه والسوق في احتياج الي الملابس والاجهزه الكهربائيه والمنزليه وأصبحت تجاره الشنطه هي المتسيده للموقف وأصبح هناك الكثير من الرجال والنساء المتخصصون في السفر للخارج للدول الاوروبيه أو لبنان واحضار حقائب مليئه بكل شيئ بعضهم كان يعمل لحساب نفسه أو لحساب بعض التجار والبعض الأخر كان يعمل لحساب مسؤولين كبار وكان تهريب المخدرات يتم عن طريقهم واكتسب شارع "الشواربي" في القاهره شهره عظيمه من البضائع التي كانت ترد اليه من تجار الشنطه وخاصه من بيروت فكان عامه الشعب يرتدي "الكاستور" و"الشيت" الحكومي وأثرياء تلك الحقبه وفناناتها يجدوا في الشواربي أغلي "الفوريرات" الأوروبيه وأحدث الموضات الباريسيه …
ورويدا رويدا ابتدأ الناس في الافاقه من صدمه الهزيمه وبدءوا يتسائلوا عن المتسبب فيها ممن حكموا البلد من بين أثداء الراقصات والفنانات المغمورات وقادوها الي الهزيمه وضيعوا البلد …
وابتدأت الأصوات والتي كانت همسا تعلوا وابتدأ الشعب في التذمر فاطلقت القياده السياسيه العنان للداخليه وخاصه "المباحث العامه" التي أصبح اسمها فيما بعد مباحث أمن الدوله وظهر علي الساحه ماكان يسمي أنذاك "زائر الفجر" والذي كان يقوم بزياره ليليه لكل من فتح فاه وتكلم أثناء النهار ليختفي بعدها ولا يستطيع أحد أن يسأل عنه وأصبحت زياره أشاوس المباحث العامه الليليه تعني غالبا شطب اسم المذكور من سجلات الحياه حتي وان بقي حيا ...
وانتشرت المعتقلات السريه والعلنيه وتم تكميم الأفواه وقطع الألسنه وأهدرت كافه حقوق الانسان حتي طلبه الجامعات الذين أخذتهم حميه الشباب وتظاهروا داخل حرم الجامعه رافضين الهزيمه ومعلنين استعدادهم للذهاب الي الجبهه والحرب تم التنكيل بهم أيما تنكيل و حتي لا تتفاقم الأمور وتصل الي حد الثوره علي النظام وأصبحت الجمله الشائعه ان تباسط أحد الناس في الكلام قليلا " الحيطان لها ودان" ليفهم علي الفور أن لسانه قد أينع وربما حان وقت قطافه فيصاب بالخرس في التو واللحظه …

يتبع ...

مجدي المصري




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات