الحلقه الثانيه ...
بعد توقف العمليات لم يخطرنا أحد بعدد الشهداء ولم يخبرنا أحد بعدد الأسري ولكن كان مدون بالسجلات العسكريه عند السؤال عن أي فرد مكتوب أمام الاسم "مفقود" لا تعرف ان كان أبوك أو أخوك أو ابنك حي أم ميت ..لم تكن الزوجه والاطفال يعرفون أن عائلهم حي يرزق أم أنهم أصبحوا في عداد الأرامل واليتامي ...
في تلك الفتره روي العائدون من الجبهه أو من كتبت لهم النجاه قصص اليمه لما عانوه وعاشوه بعد صدور قرار الانسحاب فعندما صدر قرار الانسحاب تمكنت الوحدات العسكريه القريبه من القناه من العبور بسلام الي الضفه الغربيه أما الوحدات التي كانت في عمق سيناء فقد تعرضت للهمجيه والوحشيه الاسرائيليه التي لم تكن تصدق الحدث التي تراه أمامها ولم تكن تريد أسر كل هذا العدد من الجنود المصريين الذين نفذت ذخيرتهم ومؤنهم وهلك منهم الكثير جوعا وعطشا وانما كانت تشبع نهمها للقتل...
سمعنا حكايات يشيب لها الولدان كيف كانت جنازير الدبابات الاسرائيليه تسحق عظام الجنود بدون أي رحمه عندما كانت تحاصرهم فيلقون بأنفسهم علي الأرض ويتصنعوا الموات وتمر الدبابات وكل جندي وحظه ان سحقه جنزير دبابه سحقه وان رفع رأسه تأتيه طلقه قناص أي هالك هالك ...
كيف كانت الدبابات والمجنزرات الاسرائيليه تتسابق للوصول الي شاطئ القناه غير عابئه بكم الأشلاء التي تخلفها جنازيرها وهي تسابق الجنود المصريين في الاتجاه الي شاطئ القناه...
وكيف كانت الطائرات الهليوكوبتر تتصيد الجنود حتي تنتهي ذخيرتها وتعود ثانيه بعد تحميل ذخيره جديده لتعيد الكره لأنها تعرف أن الجنود لن يذهبوا بعيدا علي أقدامهم .. وكيف أنهم بعد أن يملوا من لعبه القنص يوقفوا الجنود صفا واحدا ويطلقوا عليهم النار بدفعه رشاش واحده ... وكيف أن اليهود بعد أن يتعبوا من القتل يتركوا الجنود في عمق الصحراء ليموتوا عطشا وجوعا وكيف أن بعض الأعراب كان يساومونهم علي شربه الماء مقابل السلاح الشخصي …
حكي لنا العائدون كيف أن بعض الجنود أبوا الموت هباءا واستعملوا "السونكي" أو حتي أيديهم العاريه وهم مشرفون علي الموت جوعا وعطشا وكيف أن طلقات الرصاص الاسرائيليه غربلتهم وأيديهم تقبض علي عنق أحد الاسرائيليين...
أتذكر جيدا قصه عم "سيد" والذي كان صديقا لوالدي وكان دائما مايجلس الي والدي يحكي له .. حكايات عم سيد حفرت في الذاكره ولن تمحوها الأيام …
كانت سريه عم سيد متمركزه في أحد وديان سيناء وعندما صدرت الأوامر بالانسحاب حدث شبه تمرد من الجنود علي قائد السريه ورفضوا الانسحاب وأعلنوا استعدادهم للشهاده مقاتلين مدافعين وليس فارين ولكن قائد السريه أفهمهم أن خطوط الامداد قد تقطعت وبالتالي لن يجدوا مؤن ولا ذخيره وكذلك وسائل الاتصال بالقياده أيضا تقطعت ولا يوجد سوي اطاعه الاوامر والانسحاب ربما هناك خطه لتجميع القوات والقيام بهجوم مضاد ويروي عم سيد كيف أنهم فككوا الكتيبه علي عجل ولم يتركوا أي شيئ لليهود وبدأت رحله العوده …
عده ساعات من السير البطيئ وصولا الي الأرض المكشوفه حيث كانت قوه اسرائيليه ترصدهم وما أن وصلوا الي الارض الخلاء حتي فوجئوا بكمين منصوب لهم وبدأ الهجوم الاسرائيلي الشرس عليهم واستشهد من استشهد وقفز الباقون من الاليات التي دمرت وأعطبت غالبيتها وبدأ الاشتباك الفوري مع العدو واقتناص من استطاعوا اقتناصه من جنوده الذين فروا من استماته المواجهه …
وبدأ عم سيد وزملائه في دفن من استشهد ومداواه من جرح مع نشر مجموعه من الافراد في اتجاهات مختلفه تحسبا لعوده الاسرائيليين ثانيه ولكن هذه المره جائت طائرات مروحيه بعد حوالي الساعه وبدأت هجوم ضاري وحكي عم سيد كيف أن الشهيد محمود زميله استطاع اسقاط احدي المروحيات بأن رقد علي الارض كالميت وعندما اقتربت منه المروحيه صوب سلاحه واستطاع قنص قائد الطائره بطلقه واحده لتسقط الطائره ولكن طائره أخري شاهدته وسددت اليه واردته …
ويحكي عم سيد أن المعركه استمرت طيله اليوم استعمل خلالها الاسرائيليون الطائرات والمدفعيه بالتبادل ولم يتركوا السريه الا بعد تدميرها بالكامل والتأكد أن ولا أليه واحده تعمل وعندما حل الظلام ابتعد الاسرائيليون وتلك الليله كانت من الليالي العصيبه حيث بدأ الاحياء في النداء علي بعضهم البعض والتجمع في مكان واحد .. لم يتبقي من السريه سوي عشرين فرد أحياء شبه أموات أنهكوا من التعب ونفذت ذخيرتهم فقرروا التمسك بالحياه وعدم الموت الا شهداء …
وبدءوا البحث بين الاشلاء والجثث عن زخيره وأسلحه خفيفه صالحه ومؤن وجمعوها كلها واقتسموها بينهم وقسموا أنفسهم الي عشر مجموعات كل مجموعه فردين حتي يصعب اصطيادهم وقرروا التحرك تحت جنح الظلام والابتعاد بسرعه قدر الامكان عن موقع المعركه …
ويحكي عم سيد كيف أنه سار هو وزميله طيله الليل بالرغم من كل التعب وفي الصباح اختبئت المجموعات كلها الا مجموعه أنهكها التعب فناموا في العراء .. وعندما اشتدت حراره الشمس جائت المروحيات الاسرائيليه تبحث عمن بقي أحياء وهي تعرف أنهم لن يبتعدوا كثيرا سيرا علي الاقدام فلم يجدوا سوي المجموعه التي نامت في العراء فأردوهم أمام ناظري باقي المجموعات التي لم تستطيع عمل شيئ …
ويحكي عم سيد كيف أنهم كانوا يسيروا ليلا طيله الليل ويختبئوا طيله النهار وكيف أنه كانت تمر من أمامهم قوات العدو وتتمركز في بعض المناطق وكيف أنهم كانوا يتحاشوا الالتحام بها بتغيير خطوط السير …
ويحكي عم سيد كيف أن المجموعات كانت تتواصل مع بعضها ليلا بواسطه الصفير حتي كانت احدي الليالي وكانت هناك وحده استطلاع اسرائيليه تجوب في داوريه والتقطت احدي المجموعات واشتبكت معها وأردتها مما دفع باقي المجموعات الي مواجهه هذه الداوريه الاسرائيليه ودار اشتباك عنيف تحت جنح الظلام انتهي بالقضاء علي أفراد الداوريه واستشهاد خمس مجموعات وتبقي سته أفراد من السريه وفي الصباح جائت قوات اسرائيليه وطائرات بكثافه مشطت المنطقه عده مرات حتي عثرت علي احدي المجموعات الثلاثه وأردتها …
ويذكر عم سيد كيف كان القائد الاسرائيلي حانق حتي أنه كان يطلق رصاص رشاشه علي جثث الشهداء حتي يفرغ وهو عالم بأنهم جثث …
نفذت الذخيره ونفذت المؤن ونفذ الماء ولا يعلم عم سيد كم سار بعدها حتي أنهكه التعب تماما وسقط مغشيا عليه لا يدري شيئا حتي عثرت عليه قوه كوماندوز مصريه أثناء مهمه لها وعادوا به الي الداخل ….
الالاف من أبناءنا استشهدوا وللأسف لم يستشهدوا وهم يقاتلون وانما وهم جياع عطاش بلا ذخيره عاريه صدورهم لم تتح لهم الفرصه ليقاتلوا أو يثبتوا وجودهم وينالوا هذا الشرف …
يتبع ...
مجدي المصري
التعليقات (0)