ذكريات عالمة فيزياء شابة ( 3 _ 5 ) . للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .
خذ عظامي سكةَ حديدٍ ، لكن قطاري منحرفٌ عن السكة . هكذا يا أمي دخلتُ عزلةَ أملاح جمهورية العوانس تاريخاً للضياع . أنا الضياع الذي يرشد الضياعَ إلى أرملته بعد خروجه من سينما التحرش الجنسي. عشتُ تحت الأرض كالجرذان الراقية، وانتظرتُ البحيرةَ لتطمئن على احتضاري لكنها كانت مشغولةً .
ذهبت الكلابُ جاءت الكلابُ ، فقل لي يا حارس حديقة الحيوانات : متى سأصحو فأجد بلادي لا تبكي ؟ . أنظر إلى مرآتي فأرى زائراتِ ضريحي . أفتح خزانةَ ملابسي فتخرج الخفافيشُ كأمواج شوربة العدس . أفتح قلبي فأرى الأرقَ ينام على وسادتي . أفتح حلمي فأرى كابوسَ الطاعون يتحرش جنسياً بالكوليرا .
عَلَّمْتَني يا وطني أن أقتل أحلامي ، أن أبصق على الرومانسية في عروقي ، أن أصير عميلةً مزدوجة تدل الأفاعي على موقع اجتماع كريات دم الريح ، وتدل الوحلَ على رؤوس الأفاعي . لم أر في دستور بلادي سوى تعاليم سرقة الأغنياء للفقراء . غموضُ اللذة المصادَرة ، ووضوحُ الألم المستورَد . سأكمل دراساتي العليا في التركيب الكيميائي لحبال المشانق ، ونظرياتِ انعكاسِ الضوء على نصال المقاصل . أنا المهزومة أيها القائد الفاتح المنتصر على وسائد غرفة نومكَ أو انتحاركَ . حياتي تعبُ الأمواج من الركض خلف أرانب الجرح .
شكراً لكَ يا أبي لأنكَ وَأَدْتَني فصرتُ طبلاً للقبيلة . أنا قبيلة الأحزان المنتحرة، هي أعضائي أخسرها تفاحةً تفاحةً تتزوج السمَّ وتموت في قلب الهلوسة . حكومةٌ عمياء تقود شعباً أعمى، فجهِّز أثاثَ الحفرة التي سيسقطان فيها . ثلجاً من الأسلاك الشائكة كانت معتقلاتُ هذياني . كُنْ جهاتِ ياقوت الغباء السياسي لتصير إعداماتي دستوراً لعشيقات الملوك الخونة . قضيتُ مواسم هلوسة عروقي كجرذان نيويورك قريباً من مبنى الأمم المتحدة لكنها لم تدافع عني كالعادة. حضنتُ قلقي وتزوجتُ انكساري . أحمل دموعي على ظهري عاريةً من جواز السَّفر . أنا الدمارُ الناصع ، وانكساراتُ أجنحة البط الأعرج .
التنميةُ الوطنية في الملاهي الليلية ، وتعزيزُ التعددية السياسية في السجون السياسية ، وتعزيزُ الديمقراطية في المحاكم العسكرية . (( هذا ما جناه أبي عليَّ )) . ضيَّعني أبي صغيرةً كدودة القز الغارقة في الطاعون، وحمَّلني دمَ الأمطار كبيرةً . اليوم اكتئاب ، وغداً ضباب . لا فرح اليوم ، ولا ضحك غداً . اغرسْ مدخنةَ الثلوج الحارقة في بلعومي أيها الوطنُ المقبرة ، ولا تنسَ أن تدفع رواتب حفاري القبور ليشتروا ملابس العيد لبناتهم .
بعد موتي خذوا صمغَ الغابات بين فقرات ظهري مكياجاً لبنات الإمبراطورة العوانس . قلبي مثل الشَّلال ، كلاهما فاشلٌ عاطفياً . ماذا أفعل يا مومسات شنغهاي عندما يخلع الشتاءُ ألواحَ صدري ويلقيها في الموقدة ؟ . إن الفشل يعتنق وجوهكن . حتى في الدعارة فاشلاتٌ ! . ويظل الصدى يُرتِّب توابيتِ الأباطرة على حجر النرد .
كنتُ ظلالَ العار عاريةً من عُري الخريف . أعدُّ أصابعَ بنات آوى ، حيث لا أولاد لي ولا بنات . علَّق الضجرُ جسدَ رموشي على جسد رياح الخماسين ، فلم يعد في سجوني غير كتابات الحمَام الزاجل . يا راحلين إلى الشفق ، أنا خصلاتُ شَعْر الذكريات في السراديب المتوحشة . يا دمار ، لا تنسَ تعبئةَ قلبي بالوقود الخالي من الرصاص . وحزني قلمُ رصاصٍ يستخدمه قلمُ الحِبر ، لكن دموعي موجودة قبل اختراع أبجدية الدماء . صرتُ دميةً في يد النسيان ، والبحرُ يفرض عليَّ وصايته . قد تَحْجُرُ زرقةُ الشطآن على ممتلكاتي لأني لا أملك غير نَوْحي في هذا الليل الخشن الذي تغرق في أجساد النساء شظاياه الحادةُ . لكني سَأَحْجُرُ على نَفْسي لأُريحَ الفيضانَ من قَرَفي .
كُنْ شوكةً ذهبية في حلق سمكة قِرش كي يجزَّ صوفَ سعالي غنمٌ نائمٌ على حواجبي . زَوَّجْتُ بناتِ أفكاري لأولاد الجيران لأُخفِّف منسوبَ عنوسة البحيرات في سدود الجوع . أقتات على ذكرياتِ مكياج الأدغال . تقضم جدائلَ الراهباتِ الحيتانُ المتجمدة في البحر الأسود . لم أفتح في دموع الأرامل مصنعَ ملح لأشجع الاستثمار في بلاد الملكات السارقات ، ولم أُنشِئ في حناجر الراهبات مصفاةَ نفطٍ . إن وطني كقلبي ، كلاهما خرج ولم يعد . وَجَدْنا الجنينَ وقَتَلْنا الرَّحِمَ . قد يُروِّض هلوسةَ نحيبي الحبوبُ المنوِّمة . كان يمكنني أن أجد تفسيراً لأحزاني الشمعية لو أن رمال البحر وَجدتْ تفسيراً علمياً لانتحار الأسماك الطازجة في غرفة نوم السيول . شعب مثقف يرمي الجرائد في القمامة بعد مشاهدة صور المطربات . رَجلٌ يحتقر زوجته ويحترم الخادمةَ . كأن أنثى تقتحم كوخَ احتضارها بكامل عنفوان الحطب . يُخيَّل إلي يا كرادلة الشوك وراهباتِ الشوق إلى لمعان عيون القطط ، أن الكنيسة لن تفتح أبوابَها يوم الأحد ، وإنما ستفتح أبوابَ ذاكرة رياح الخماسين في صحراء النزيف المتواصل .
كونوا فراشةً لأن الزلازل في منحدرات قلبي تَلمع كعيون فتاةٍ عمياء . ما اسم الحزن الساكن في الطابق الثالث من عمارة جنازتي ؟ . أطفال يصعدون من تحت الأرض ويتزلجون كأميراتِ أوروبا، ولكن في جبال حفر المجاري ، والأمهاتُ تائهاتٌ في حليب الجثث الشمسية . طفلٌ يَذوب في خيوط أكفان أُمِّه . وحفارُ القبور في إجازة شهر العسل . هل رأيتَ سناجب هرمةً تجرُّ عربةَ اكتئاب الخيول المشنوقة في سقف حلقي ؟ .
سأطلق الرصاصَ على قلم الرصاص ، فإن حبسني قلمُ الحِبر في دماء الأضرحة الملكية ، فلن أكون سوى ضبابٍ خفيف على مرآتي بدايةَ الشتاء . يا خيولاً ترمي في قزحية عيني فضلاتِها ، وتصنع من غضاريف عمودي الفقري مكياجاً لحقائب المتسوِّلات الراكضات في انطفاء الملكات المستحمات بالغرور والمبيداتِ الحشرية . امرأة تُحتضَر كغابة من الزرنيخ لا تاريخ لحزنها إلا الحيض . والبنزينُ كحلُ فقرات ظَهْري . أنا العدمُ الذي غَسَلوه بماء الجنون الحزين ، لم أجد في بيتنا أحداً يُعَلِّمني الفرحَ ، فصارت الغرفُ جنازاتٍ، والحيطانُ تركض ورائي من مَوْجة إلى مَوْجة .
لم يعترف بوجهي البحرُ لأن وجهي كومةُ أساطير. وجسدُ البئرِ أرشيفُ محاكم التفتيش يحتوي على أناجيل الشَّك . أمشي مصبوغةً بالطعناتِ . هذه جثتي ، احْمِلْها أو لا تَحْمِلْها ، إن السَّيْلَ سَيَحْمِلُها. لم أستفد من دستور بلادي غير الانتماء للحزن العاري . لو كنتُ متزوجةً فلن يفتخر بي زوجي أو أبنائي ، ولو تزوجتُ هذياني لافتخر بي أرقُ الرمال .
كنتُ فراشةً ملوَّنة لو أن جيراننا في قاع المحيط لم يبيعوا بناتهم لمن دفع أكثر ، لو أن كلب جارتنا لم يلتهم الفياغرا ليحفظ كرامته أمام القطط الشريدة ، لو أن صدماتي العاطفية أقل خشونةً من زنزانتي التي لم يزرني فيها غير الحبوب المنوِّمة لممثلات بوليود، لو أن غابات أصفهان لم تزرع في كوب البابونج انكسارَ نساء نكاح المتعة ، لو أن ذاكرة الحضيض لم تسمع غناءَ البلابل على منصة الإعدام ، لو أن ممثلات هوليود أقل اندفاعاً من حجارة بندقيتي ، لو أن لاعبي السلة أقل حماسةً من سيَّافي الخليفة ، لو أن مكياج الأميرة أقل حمرةً من سعال الفتيات المغتصَبات في الريف الإنجليزي ، لو أن جلود الفئران في حي سان أنطوان أقل نعومةً من حقيبة ماري أنطوانيت ، لو أن تاريخ الملكات أقل وحشيةً من وقع نعال الجنود على لحم النهر ، لو أن تنانير لاعبات التنس أطول قليلاً من كوابيس عواصم احتراقي ، لو أن اكتئابي أقل عمقاً من زجاجة الويسكي أمام موقدة الفشل العاطفي وأقل وحشيةً من الغباءِ السياسي .
كأنكَ الزيتُ وأنا الزعتر على مكاتب لصوصٍ يُسَمِّيهم غبارُ المزهريات الخشنة قِدِّيسين ، لكن الشطآنَ لم تنتبه إلى قصة حبنا في زحمة المجازر . لماذا أبحث عن الاستقرار ، ودمائي مستقرة في قيعان شوارع النفايات ؟!. يا بلاداً تحمل الدكتوراة مع مرتبة الشرف في علاج الراقصات ووأد العلماء، إن جسدي هو الشوكولاتة البيضاء في الطرقات السوداء . قولي لي يا إشارات المرور التي تمنعني من المرور : لماذا أنا فاشلة في الحب مع أن كل دروب قلبي مفتوحة على ريشِ النيازك ؟. أعضائي أحجارُ شطرنج على رقعة الضجر يحركها الغبارُ . هناك ، في سراديب الدَّير المتوحش تصير خصلاتُ شَعر الذكريات مكنسةً ملقاة في إحدى زوايا محاكم التفتيش حيث رفوف الجماجم ، وصكوكُ الغفران التي يُقدِّسها الرمدُ . لقد وقع اختياري على الرَّمل لكي أتزوجه .
أُمَشِّطُ شعيراتي الدموية بالمنجل، وأصعد من كابوسي أصرخ على غاباتي الراحلة : (( يافا )) ، فأجد نفسي في الإسكندرية أمام ملابس السباحة للإيطاليات . أُوصيكِ يا أدغال ملل الدجاج أن تمشيَ في جنازة كلبة زوجة ضابط المخابرات .
يا كلَّ إشارات المرور في أزقة عروقي ، يا كلَّ أعمدة الكهرباء بين فقرات ظهري ، يا كلَّ أعواد المشانق بين أعواد الثقاب على مكتبي ، لم تتزوج أظافري ضجرَ أنهارِ البيات الشتوي، وما لحمي سوى علكة بين أسنان تمساح متقاعد يعمل محللاً سياسياً في المزهريات الغريقة .
جلطةٌ دماغية في ذكريات الظربان أثناء طريقه إلى الموعد الغرامي. مِن مُسدَّسِ النحيب أطلقتُ الحِبر على قطتي لأنها تعيق مسيرةَ التنمية في المقبرة الوطنية التي يحكمها قطاعُ الطرق . شيعيةٌ تأخذ إجازة من نكاح المتعة لتتزوج خشبَ تابوتها . لستُ أختَ الحسين ، لكن أهل الكوفة سيخونوني كالمعتاد. افرشوا مذبحتي الحريرية سجادةً على سكة الحديد أتناول عليها نوافذَ الجرح عَشاءً بلا شموعٍ أو وداعٍ مع قاتلتي دودةِ القَز .
أيها المللُ الجنسي ، فَتِّشْ في أنوثة دماء القتيلات عن شيء غير الجنس . تموت الدولةُ فتصير معدتي مجلسَ قيادة ثورة اللصوص على اللصوص ، ويَكون أَنفي مقراً لمباحث أمن الدولة . كأن صقور الألمنيوم تتناول دمائي البطيئة في مطاعم الوجبات السريعة . والجرذانُ حول فضة مدخنتي تتناول دمي السريع في مطعم الوجبات البطيئة . إن كوكب الأرض يُحتضَر .
أرى في كيس الأسمنت الجسدي جثثَ نساءٍ معدنية خلف الستائر المعدنية، والجلادين يمسكون السياطَ بين رموشهم ويقرأون مواد الدستور على العَدَم . يا أُمِّي التي تعمل بعد وأدها ضابطة مخابراتٍ في دولة جرذان الخليفة . وطنٌ للأميرات العوانسِ والمخبِرين العاجزين جنسياً الناجحين في الفشل العاطفي .
للذئاب جمهوريةُ الكستناء المحروقة التي تقتل الأغنامَ وترتدي أقنعةَ الصوف اللزج كالدماء اليابسة على بلاط الزنزانة أو صالة الرقص . أسرةٌ حاكمة على جماجم الصبايا. فلم يعد في خُلجان الغسقِ إلا ذكريات السجون الضيقة .
لستُ متزوجةً لكني أستمتع بحياتي الزوجية خصوصاً على منصةِ الإعدام ورفوفِ المطبخ التابوتِ . دَيْرُ القلوب الكسيرة ، وحبالُ غسيلٍ مفروشة بأكفاني المبتلة . إنما قيامتي الخصوصية تبدأ الآن من نزيفي المزركش كثوب زوجة ضابط المباحث . سأكونُ من أمهات المستقبل ، وأبني حُلمي مشنقةً مشنقةً على هذا الكوكب الميت ، ولكن للأسف لا مستقبلٌ لي ولا حلمٌ.
http://ibrahimabuawwad.blogspot.com/
التعليقات (0)