مواضيع اليوم

ذكرى تأسيس مؤتمر الخريجين العام

مصعب المشرّف

2010-02-12 07:55:29

0

 

ذكرى تأسيس مؤتمر الخريجين العام
يوم السبت 12 فبراير 1938م

 

مقــدمــة:

مؤتمر الخريجين (1938م – 1947م)

يختلط الأمر بالنسبة للبعض شبابا كانوا أم كهولا جهة معلوماتهم وإنطباعاتهم عن "مؤتمر الخريجين العام" ، حيث يعتقدون أنه حزب سياسي تشاطـر شظايا فيما بعد إلى عدة أحزاب بسبب الطائفية والطموحات الشخصية ...... أو أنه عقد وتأسس إبتداء لتحقيق مطالب سياسية أو قيادة وتكريس ممارسات نضالية تصادمية مع سلطات الاحتلال البريطاني . أو أنه مارس السياسة مباشرة من خلال هيئاته ولجانه الرسمية المنتخبة ....
إن كل المشار إليه أعلاه تبقى مجرد إنطباعات ومعلومات خاطئة وإن كانت معشعشة وسائدة في رؤوس وأذهان البعض وتشكل جزءا من قناعاتهم .. وهي تجافي الحقيقة جملة وتفصيلا ، من واقع ما يسرده هذا المقال من تحليل بني على حقائق ...
ولكن الذي يجب التسليم به من جهة أخرى هو أن مؤتمر الخريجين العام كان بوتقة صهرت المتعلمين والموظفين السودانيين إلى حد كبير وقاربت أفكارهم العامة في ذلك الزمان الذي كان فيه التعليم الأكاديمي من جهة والثقافة العامة من جهة أخرى صنوان متلازمان لدى الفرد المتعلم وليس كما هو عليه الآن ....
ثم أنه وبنحو آخر يمكننا القول أن مؤتمر الخريجين العام إنما كان (الدار الأولى) التي خرجت من تحت سقفها وفنائها عام 1944م كافة الأحزاب السياسية السودانية تقريبا ؛ أي عقب ثمان سنوات من تأسيسه لتشب وتنمو وتترعرع مستقلة بنفسها خارج هذه الدار؛ وأن دور مؤتمر الخريجين العام قد إنتهى وإنفض سامره وألغي نهائيا عام 1947م بعد (9) سنوات من تأسيسه.
كما تجدر الإشارة إلى أن هناك فرق شاسع بين (نادي الخريجين) الذي أسسه بعض المثقفين عام 1918م ويقع مقره جوار الجامع الكبير بسوق أمدرمان ، وبين (مؤتمر الخريجين العام) الذي نحن بصدده وتم تاسيسه عام 1938م ..... وأن الرابط الوحيد بين الإثنين هو أن إجتماعات المؤتمر ولجانه اتخذت من (نادي الخريجين) مقرا لها . وأن هناك أعضاء وقياديون مزدوجون في نادي الخريجين ومؤتمر الخريجين العام معاً.

..... إذن ؛ يصادف تاريخ 12 فبراير من كل عام ذكرى تأسيس مؤتمر الخريجين من خلال إنعقاد جمعيته التأسيسية في مثل هذا اليوم الذي كان موافقا ليوم السبت وثاني أيام عيد الأضحى المبارك . وقد حضر الاجتماع 1180 خريجا من أغلب مديريات السودان في ذلك الزمان (زمن الأفندية الجميل) . ولكن كان أغلبهم من العاصمة المثلثة .....

الزعيم الوطني "إسماعيل الأزهري" طيب الله ثراه


تم إنتخاب إسماعيل الأزهري في البداية مقررا ثم رئيسا للاجتماع التأسيسي العام للأعضاء الذي أقر دستور المؤتمر ثم تم انتخاب لجنة ستينية منبثقة عنه لتقوم بدورها بإنتخاب (15) عضو منها لعضوية اللجنة التنفيذية .
وفي أول إنعقادها أنتخبت اللجنة التنفيذية إسماعيل الأزهري رئيسا . ولكن سرعان ما سرت الغيرة وحب الرئاسة وحوار الطرشان ، ودبت الجهوية والقبلية والأسبقية والفئوية والطائفية والصوفية والتبعية إما لمصر أو لبريطانيا ، وإما أن أكون بها أو لاتكون ؛ وإلى غير ذلك من تشظي وتقافـز وتطاير للآراء والتوجهات في مختلف الإتجاهات ؛ والتي ورثناها نحن أحفادهم من بعدهم ولا نزال نعاني من تبعاتها المتمثلة في هشاشة عظام وضيق صمامات الوحدة الوطنية..
وإزاء ذلك الواقع المرير الذي أصبح سيد الموقف ؛ فقد ابتدعت اللجنة التنفيذية لهذا المؤتمر خياراً غريباً من نوعه ؛ وهو أن يرأس اللجنة عضو لمدة شهر من غير أصحاب المناصب (مثل السكرتير وأمين الصندوق ونائب الرئيس ..إلخ) . ثم تؤول الرئاسة لعضو آخر وهكذا . وهو الأمر الذي غيب ملامح هذا المؤتمر وحوله منذ البداية إلى مجرد تجمع يسيطر عليه كبار الأفندية السودانيين من خريجي كلية غوردون السودانية  والجامعات الأخرى في مصر وبيروت وبريطانيا . وأما إسماعيل الأزهري فإنه تم تثبيته في منصب سكرتير اللجنة التنفيذية وبالتالي قطع الطريق عليه وحرمانه نهائيا من رئاسة اللجنة التنفيذية.
حاول بعض الخريجين القلائل وعلى رأسهم الزعيم الوطني والسياسي المطبوع إسماعيل الأزهري تسييس المؤتمر صراحة ، وتأهيله لقيادة الشارع وحشد الجماهير وتعبئتها وفق أهداف ورؤى سياسية مطلبية في مواجهة سلطات الإحتلال البريطاني آنذاك.
ولكن المشكلة كمنت في أن الأغلبية من أعضاء المؤتمر عند تاسيسه كانوا من كبار الأفندية الذين يعملون في خدمة الحكومة . وبالتالي لا يحق لهم وفق قانون الخدمة المدنية ممارسة نشاط سياسي أو حتى ثقافي إجتماعي من شأنه الإضرار بمخدمهم (الحكومة) ...

كما أن هؤلاء الأفندية الكبار لم يكونوا على إستعداد للتخلي عن مراكزهم الوظيفية المرموقة ومداخيلها العالية وإمتيازاتها وكاريزميتها الاجتماعية الرفيعة في ذلك الوقت ... ولاشك أن هؤلاء الأفندية المنعمين الكبار كانوا يرمقون بطرف خفي آثار الخسائر التي تعرض لها كل من حاول في ذلك العصر التصدي لقوات الاحتلال البريطاني خاصة من أبناء القوات النظامية ، وما آل إليه حال مؤسسي وقادة وأعضاء جمعية اللواء الأبيض وإرتداداتها العسكرية والشعبية بعد ذلك بزمان من عسف وفصل وتفليس وتشريد وتعذيب وسجون وإعدامات تقشعر من هولها ابدان الأفندية في الخدمة المدنية..
ووفقا لما تقدم من حقائق على أرض الواقع آنذاك فقد تراضى الجميع وتعاقدوا على القبول بالحد الأدنى من الأهداف التي تنادى لها المثقفون والخريجون لعقد المؤتمر ، والتي تم إدراجها في بندين هما:

1) رعاية مصالح الخريجين السودانيين بوجه خاص.
2) خدمة المصلحة العامة للسودان بنحو عام.

وبالتالي ومن خلال مراجعة سريعة أو متأنية لنص دستور مؤتمرالخريجين العام يتضح بكل سهولة أنه لا توجد أية إشارات سواء من قريب أو بعيد لتوجهات بممارسة عمل نقابي أو سياسي.
وفي حين كان إسماعيل الأزهري ومجموعته يأملون بإتجاه أن يتحول المؤتمر إلى حزب سياسي على غرار المؤتمر الهندي ؛ أو أن يتضمن دستوره بنودا تسمح للمؤتمر أن يمارس بإسمه حق تمثيل أعضائه وأهل السودان بممارسة حقهم المشروع في إدارة وتوجيه المصالح العليا لوطنهم والمطالبة بالإستقلال ؛ فقد كان عضو اللجنة التنفيذية للمؤتمر آنذاك "الدرديري محمد عثمان" وعضو مجلس سيادة فيما بعد ... كان على رأس مجموعة أو تكتل قوي من أشد المعارضين لتسييس المؤتمر على اعتبار أن الغالبية العظمى فيه من الموظفين الحكوميين. ومن ثم  فلا يحق لهم ممارسة نشاط سياسي معادي ضد مخدمهم . بل وذهب الدرديري ومجموعته أبعد من ذلك حين اشترط ضرورة مخاطبة السكرتير الإداري لحكومة السودان بهدف الحصول على تصديق بممارسة نشاطه إبتداء . وهو الاقتراح الذي لاقى إستحسان أغلبية أعضاء اللجنة التنفيذية ، فخضع له إسماعيل الأزهري وجناحه وتم على أثره تفويض كل من الدرديري محمد عثمان و أحمد محمد صالح لصياغة خطاب طلب التصديق الذي سيتم توجيهه للسكرتير الإداري الذي كان إسمه آنذاك "السير أنقيس جيلان".
وقد جاءت صياغة طلب التصديق مشتملا على البنود التالية:

1) الرغبة في التعاون مع الحكومة (حكومة الاحتلال) لخدمة مصلحة البلاد في التقدم والرفاهية بالطرق المتاحة والميسرة.

2) الرغبة في موافقة الحكومة على مخاطبة لجنة المؤتمر لها من حين لآخر لتقديم الرأي والمشورة والاقتراحات لخدمة المصلحة العامة للبلاد.

3) التأكيد على أنه ليس من أغراض مؤتمر الخريجين إزعاج الحكومة وإحراجها والضغط عليها لقبول آرائهم وأنهم جميعهم (موظفون) يعملون في (خدمة) حكومة السودان ويؤكدون واجبهم الوظيفي نحو الحكومة.

4) أن الخريجين لا يدعون تمثيل البلاد ولا يرغبون في الوقوف ضد أي طائفة أو جماعة . ويؤكدون أنهم سيعملون في الضوء ولن يقوموا بأية أعمال من وراء ظهر الحكومة.

وبعد عرض الخطاب على اللجنة التنفيذية أقرته وبالتالي لم يكن أمام الأزهري بوصفه سكرتيرا سوى التوقيع عليه . وتم تسليم الخطاب بتاريخ 2 مايو 1938م إلى السكرتير الإداري لحكومة السودان.

كانت أوروبا آنذاك تغلي وتموج بأفكار النازية والفاشستية ونذر الحرب يتطاير شرارها في كل العواصم الأوروبية وعلى رأسها لندن وباريس ..... ومن ثم فلم يكن أمام وزارة المستعمرات البريطانية آنذاك سوى تعميم التعليمات لحكام المستعمرات بضرورة المهادنة والمسايسة في العلاقة مع الحركات التحررية أو التي يشتم منها هذه التوجهات الوطنية في في الدول التي تحتلها وتستنذف مواردها وبالتالي فقد كان الكرتير الإداري لحكومة الاحتلال البريطاني في السودان حريصا على هذه المهادنة والتعامل بسياسة العصا والجزرة معا بدلا من العصا وحدها.

وعليه وفي 22 مايو 1938م جاء رد حكومة الاحتلال البريطاني وفقا للآتي:

1) الترحيب بتأييد المتعلمين من أبناء السودان لسعي الحكومة تحقيق الرفاهية لسكان السودان.

2) التعاطف مع رغبة الخريجين في الإسهام المستقل لخدمة البلاد والأعمال الخيرية عن طريق تنظيم يجمعهم.

3) في حالة أن المؤتمر لا يسعى للحصول على اعتراف رسمي به كهيئة سياسية أو يدعي لنفسه تمثيلا لغير أعضائه ، وإقتصاره على الأعمال الخيرية والشؤون العامة ؛ فإن الحكومة ترحب بإستلام المكاتبات الرسمية التي تصلها منه . وستجد كافة الاهتمام والعناية بالبحث والرد عيها.

 

خاتمـــة:

والآن وبعد أن نال السودان إستقلاله ؛ وبعد مضي ما يقرب من (72) سنة من ذلك التاريخ ، فلاشك أن كثيرا من الرؤى قد اختلفت بعد أن زال التوتر والحماس الوطني لجهة الصدام مع الاحتلال البريطاني وأمنيات الإستقلال آنذاك. وبالتالي نحفظ نحن الأحفاد للزعيم إسماعيل الأزهري وطنيته ونكرانه لذاته وحماسه الشخصي المتقد نحو تحقيق الإستقلال الحديث (والذي تحقق بالفعل فيما بعد) في يناير عام 1956م للمرة الثانية بعد إستقلال يناير 1885م على يد الإمام محمد أحمد المهدي.

ومن جهة أخرى فإن بالإمكان إعادة تقييم موقف "الدرديري محمد عثمان" ومجموعته لإنصافهم ؛ بوصف أنهم جنبوا مؤتمر الخريجين العام وقتها مغبة الرفض والمجابهة مع الحكومة وفضه عنوة بالتالي ..... وحيث نستطيع القول أن هذه المهادنة الصريحة مع الإحتلال البريطاني التي بدأ بها "مؤتمر الخريجين العام" نشاطه وحياته كانت بمثابة الوسيلة البراجماتية الناجعة لإنضاج المرجل الوطني على نار هادئة سمحت فيما بعد وعند حلول الوقت المناسب وضعف بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية بتكوين الأحزاب السياسية ومنها الأشقاء و الوحدويين والإستقلاليين وغيرها التي حملت على عاتقها وبمباركة من الطوائف والصوفية عبء الكفاح الوطني السلمي والنضال السياسي الممنهج لتحقيق الاستقلال.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات