ذكرى المولد كل سنة أم كل يوم ؟

الاحتفاء بالمناسبات له دلالته الحضارية لدى الشعوب الواعية ، إذ تقف من خلاله على ماض حافل بالأمجاد و إحياء ذكرى حوادث و مواليد عزيزة و أعلام عظيمة تستحق التقدير و تفعيل التواصل بينها وبين كل الأجيال ، ظاهرة صحية و إن عارضتها فئات ، أخرى ، وإذ الأمة الإسلامية تعيش هذه الأيام ذكرى دينية عميقة في وجداننا ترتبط بأعظم شخصية عرفتها البشرية و في الحقيقة نتعامل معها كلّ يوم ، وبوجودها أدرك المسلمون معنى حياتهم و مماتهم و أنّ للإنسان رسالة ، بدايتها وعيه لمعنى خلافته في الأرض و علاقته بالخالق و المخلوق ، وتقوم على ربط الروح بالسماء أكثر من ربطها بالأرض ، و انتشر مفهوم المسئولية لما أزال الإسلام كثيرا من التشويش و التشويه الذي ظل قرونا قبل مجيئه و مارست عليه الجاهلية أبشع أنواع القهر و التسلط و الحمية العصبية القاتلة و أصبح يحي ذكرى الميلاد بعد أن كان يئدها ، وأدرك الإنسان بوضوح و صدق معادلة البقاء و نسبية الخلود كما أطلقها الإسلام في بعدها الحضاري ، بعد أن تساءل عن دوره البشري في هذه الحياة و أنّ جِدّه جدٌ و هزله جدٌّ و أنّ قاعدة قوله تعالى ((أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثا و أنّكم إلينا لا ترجعون)) قاعدة مطلقة لا يدركها إلا المجتمع الذي يحسن فنّ العيش و يقدر مجموع الإنسانية و يحترم قيمه و مقوماته التي نالت حظوة كبيرة في ماضيه ، بها تصالح الفرد مع مجتمعه و قبل ذلك مع ذاته التائهة ثم حصّنها بما ينبغي أن تحصن به أمّة ذاتها ، و لذلك كان العيد بالحياة الحقيقية عندما التفّ حول محمد – صلى الله عليه و سلم - الأقوياء و الضعفاء ، الأغنياء و الفقراء ، و كل الفئات التي سعت لتمجيد بشريتها الصحيحة من خلال بشرية الرسول – صلى الله عليه و سلم – المنزّهة و الممجّدة ، في ظل تصور شامل لمعنى الخير و تفعيله في كل ربوع المعمورة التي تبحث عن سبيل ليوحدها لا ليفرقها و يجعل منها منهلا لكل الشعوب التي ضلت و هي الآن تبحث عن النموذج الذي يقودها و تحتمي به و لا يمكن أن يكون في هذا الوجود بشري نموذجي غير الرسول - صلى الله عليه و سلم – نحيي ذكراه كلّ يوم و على مدار السنة دون توقف .