من أمتع ما يقرأ الأنسان هو ما كتبه بنفسه قبل عقود أو نصف قرن أذا إستطاع أن يحتفظ بكل ما كتبه في أوقات فراغه أو خلال أيام دراسته وتدرج حياته المهنية خاصة إذا كان هاويا للكتابة عما يجري في عالمه والعالم الواسع من أحداث للنشرإذا كانت هناك فرصة أو لمجرد كتابة ما يجول بخاطره على الورق للتسجيل وللنقاش مع النفس. وقد وجدت بعد تقاعدي عن العمل أني أحتفظت ببعض ما كتبت في أول حياتي الدراسية و المهنية بالصدفة وليس نتيجة تخطيط مسبق . وقد شجعني هذا على أعادة قراءة ما كتبت وأقيم أفكاري الماضية ومقارنتها بأفكاري الحاضرة التي صقلتها الأيام والتجارب السارة والتجارب الأليمة والأخطاء التي أرتكبتها والنجاح الذي حققته .
ونظرا لقرب الذكرى 39 لوفاة الرئيس عبد الناصر اورد فما يلي ما كتبت عنه بعد وفاته يوم 28 ستمبر 1970:-
لم يكن حبي لعبد الناصر لأسباب عاطفية فقط وانما كان مبنيا على أسس فكرية مبنية على تفهم لدوره ومبادئه . فعبد الناصر ولا شك كان أب القومية العربية . ولست أعني بهذا انه هو منشئ القومية العربية فالقومية العربية وجدت من قبله بقرون ظهرت قبل الاسلام وقد زادها الأسلام رسوخا وأرتبطت به , ولكن عبدالناصر هو باعث القومية العربية الحديثة بعد أن حاول الغرب بنفوذه السياسي والثقافي أن يجعل العرب شعوبا منقسمة مختلفة ومتناحرة . ولهذا فعبد الناصر حري به أن يسجل تاريخه كمؤسس للدولة العربية الحديثة التي نأمل أن تتحقق في المستقبل المنظورمن الخليج إلى المحيط . وهذا الحب الكبير الذي أحمله لعبد الناصر لا يمنعني أن أنظر إليه كرجل دولة له أخطاؤه كسياسي وله مطامحه الشخصية كفرد . وأن ما نسمع عنه بعد وفاته حتى من أقرب الناس إليه من أخطاء إرتكبها أثناء حكمه لمصر امور قد نختلف في الحكم عليها . ومن حق الشعب المصري أن يقيم دوره كحاكم . ولكننا كعرب بما فينا الشعب المصري يجب أن نعطي الرئيس عبد الناصر حقه التاريخي كرائد من رواد القومية العربية وباعثها كغيرنا من الأمم الأخرى التي تمجد زعماءها وتعطيهم حقهم لما حققوه للوطن من سمعة طيبة وعظمة بين الدول دون التركيز على أرائهم كافراد وأخطائهم كحكام . ونظرة سريعة إلى حكم الشعب البريطاني على أعظم شخصية من كبار عظمائهم وهو المستر ونستون تشرشل خير دليل على ما أقول. إن تقدير البريطانيين للمستر ونستون تشرشل كزعيم وطني وشعبي الذي قادهم إلى الأنتصار على ألمانيا لم يمنعهم من الأختلاف معه في الرأي حول سياسته الأقتصادية والاجتماعية والتصويت ضده في أول إنتخابات برلمانية بعد إنتصاراته العظيمة التي كللت التاريخ البريطاني بالمجد والفخار. ومعظم الشعوب الأوربية تخلد زعماءها لأنتصاراتهم الوطنية وتقيم لهم التماتيل في ميادين المدن والمتاحف والمكتبات باسمائهم رغم إعترافهم وإستنكارهم لما قاموا به من أعمال تتسم بالظلم والأضطهاد والأخطاء الجسام بدورهم كحكام. ولست هنا في حاجة إلى إعطاء الأدلة فالتاريخ حافل بعظماء الامم الذين حققوا لبلادهم أنتصارات كبيرة وأمجادا خالدة وفي نفس الوقت أضاقوا شعوبهم ألوانا شتى من العذاب والقهر والظلم مما دفع كثيرا من الشعوب إلى الثورة عليهم ومنهم لم تسمح الفرصة لمحاسبته أو تقييم عمله قبل وفاته . وحتى نكون أمة جديرة بتاريخها كغيرنا من الامم التي لعبت دورا حضاريا في التاريخ الانساني علينا أن نعطي زعماءنا وقادتنا حقهم في التاريخ إلا أن ذلك يجب أن لا يمنعنا من تقييم أعمالهم كحكام وكأفراد وإنتقادهم على أساس من العقل والواقع وليس على أساس العاطفة والحماس .فالله وحده ه المعصوم من الخطأ . فالبشر جميعا عرضة للخطأ والصواب والنفس البشرية مزيج من الخير والشر وعرضة للحساب في الدنيا والأخرة .
التعليقات (0)