لم يحدث في تاريخ ليبيا الطويل ومنذ الفتح الأسلامي والحكم العثماني والأستعمار الأيطالي أن قسمت أالبلاد الواقعة في الشمال الأفريقي بين مصر وتونس والجزائر وأفريقيا الفرنسية جنوبا التي كانت تعرف بأسم طرابلس الغرب منذ إحتلال العرب لها . وليبيا أسم أختاره الأستعمار الأيطالي للبلاد ووضع على الخرائط الحديثة بهذا الأسم لرغبة إيطاليا في ضم ليبيا إلى إيطاليا كجزء منها وطبعا لا تريد أن تضمها بأسمها العربي طرابلس الغرب مذكرا أياها بأصلها وباعثا للتشكيك في إيطاليتها . ولهذا إختارت إيطاليا الأسم الأغريقي الروماني لها ليبيا الذي يؤكد كونها جزءا من الأمبرطورية الرومانية تاريخيا ويبرر ضمها لأيطاليا . طرابلس الغرب ليس إسما لمدينة طرابلس وإنما هو إسم الأقليم من حدود مصر شرقا وحدود تونس والجزائر غربا والمستعمرات الافريقية الفرنسية جنوبا منذ إحتلال العرب لها وطوال تاريخها الأسلامي والعثماني ، وأستعمل هذا التعريف في مذكرات الجامعة العربية خلال فترة البت في مصير المستعمرات السابقة حرصا من الجامعة العربية على تأكيد عروبة البلاد . وهذا لا ينطبق على ليبيا وحدها بل هذا ما فعله العرب بكل دول الشمال الأفريقي سموا بلاد مصربأسم مدينة مصر ( كما يطلق المصريون على القاهرة حتى اليوم ) وإقليم تونس بأسم مدينة تونس وإقليم الجزائر باسم مدينة الجزائر وإقليم المغرب لوقوعه غرب هذه الأقاليم . ولما إثير موضوع مستقبل المستعمرات الأيطالية السابقة بعد الحرب العالمية الثانية تنافست الدول الكبرى للحصول على جزء من هذ الأقليم الذي عرف بليبيا في الوثائق الأيطالية . كانت بريطانيا الدولة التي إحتلت معظم ليبيا بعد الحرب العالية الثانية ترغب في الأحتفاظ بليبيا كلها أو برقة على الأقل لتنقل إليها قواعدها العسكرية في مصر التي يطالب المصريون بالجلاء عنها وعن منطقة قناة السويس . وقبل ذلك وعدت بريطانيا الأمير إدريس السنوسي أثناء الحرب العالمية الثانية بعدم عودة برقة تحت الحكم الايطالي لمشاركة قوة دفاع برقة في الحرب مع الحلفاء ، وبعد الحرب ساعدت بريطانيا قبائل برقة وبعض ساستها من أصحاب الطموح بالتمسك بأستقلال برقة تحت علم الملك إدريس الحليف لبريطانيا منذ الحرب الليبية الأيطالية في الحرب العالية الأولى ، حتى لا يعودوا إلى الحكم الأيطالي إذا تقررإرجاع ليبيا إلى إيطاليا كما كانت تريد أمريكا تقديرا لدورالأيطليين في الثورة على الحكم الفاشيشتي وموسوليني و دعما للحزب اليمقراطي المسيحي الايطالي ضد الحزب الشيوعى الذي ظهر بعد الحرب كقوة سياسية كبرى في أيطاليا . وأمام هذا التدخل الأمريكي لم تجد بريطانيا بد من قبول فكرة تقسيم ليبيا والأشتراك مع إيطاليا في تقديم مشروع بيفن سفورزا الى الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدعو إلى تقسيم ليبيا إلى ثلات أجزاء توزع على فرنسا وأيطاليا وبريطانيا للوصاية عليها. في نفس الوقت كعادة بريطانيا ودهقنتها الدبلوماسية سعت إلى إفشال مشروع بيفن سفورزا من وراء ستاروتشجيع الشعب الليبي وخاصة في طرابلس بالتظاهر ضده ورفض عودة إيطاليا والمطالبة بالأستقلال والوحدة مع برقة وفزان . وفعلا ثم ذلك ووافقت الامم المتحدة على أستقلال ليبيا ووحدتها ورفض مشروع بيفن سفورزا . وهنا وجدت بريطانيا إنها ملتزمة أخلاقيا نحو قبائل برقة وساستها والأمير إدريس السنوسي بوعدها المحافظة على الحكم الذاتي لبرقة ضمن الدولة الليبية المستقلة الجديدة . ووجدت كالعادة بالدهاء الأنجليزي الأستعماري المعهود في نظام الفدرالية ضالتها وأقنعت بعض قبائل برقة بذلك للتمسك بها . وإستطاعت أن تقتع الملك إدريس والمستر إدريان بلت مندوب الامم الأمم المتحدة وأغلبية أعضاء مجلسه الأستشاري لتنفيذ قرار إستقلال ليبيا وإتخاذ النظام الفدرالي كنظام لحكم ليبيا المستقلة , وفعلا تم ذلك رغم معارضة الشعب الليبي في طرابلس ومعظم مدن ليبيا من شرقها وغربها للنظام الفدرالي وكذلك عارضته الدول العربية والأسلامية والأسيوية ودول المعسكر الشيوعي .
وكانت موافقة المستر أدريان بلت الهامة على هذا النظام الفدرالي وطريقة فرضه بطرق غير ديمقراطية وبدون إستفتاء شعبي موضع إنتقاد من كثير من المنظمات الدولية وحقوق الأنسان والدول العربية والشيوعية والمحايدة ، لأنه أسبغ موافقة الأمم على النظام الليبي الفدرالي . ولكن المستر إدريان بلت كان يرى أن التوفيق كان مستحيلًا بين الدعوة إلى وحدة البلاد التي يؤيدها الشعب الليبي وخاصة في طرابلس، ورغبة بعض زعماء ولاية برقة في المحافظة على شخصيتها وكيانها السياسي تحت إمارة السيد إدريس السنوسي ودعم بريطانيا لهم وفقا لوعودها لهم أثناء الحرب العالمية الثانية .
وكان المستر إدريان بلت يرى أن إختيار النظام الفيدرالي كان الحل العملي لتنفيذ قرار الأمم المتحدة باستقلال ليبيا في التاريخ الذي حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو أول يناير سنة 1952م. وكان في رأيه إن إستمرار الخلاف بين زعماء طرابلس المنقسمين على أنفسهم، وزعماء برقة بقيادة الأمير إدريس السنوسي، قد يؤدي إلى إعادة موضوع مستقبل ليبيا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك لم يكن في صالح الليبيين، لأن إعادة القضية الليبية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة سيثير موضوع مشروع بيفن سفورزا من جديد وتقسيم ليبيا إلى ثلاتة قطع ووضعها تحت الوصاية وتأجيل البت في استقلالها، ولهذا كان هدف المستر بيلت هو إستقلال ليبيا قبل أي إعتبار آخر. أما قضية وحدة البلاد فكان يرى إنه يمكن تحقيقها مستقبلًا. ولا شك أن هذا العذر كان غير مقبول في ذلك الوقت، فقد كان في إستطاعة المستر بيلت أن يفرض إختيار الشعب لجمعية وطنية تأسيسية بالأنتخاب وفقا لقرار الأمم المتحدة لوضع الدستور وعرضه على الأستفتاء الشعبي قبل تطبيقه ، بدلًا من تأليف الجمعية الوطنية التأسيسية بالتعيين والمساواة بين الأقاليم ، والموافقة على الدستور دون الرجوع إلى الشعب، مما يخالف مبادىء الأمم المتحدة وحق تقرير المصير وقرارها بشأن إستقلال ليبيا . ,
وقد لاقى تطبيق النظام الفدرالي صعوبات كثيرة منذ السنة الأولى للأستقلال فسرعا ن ما شب الخلاف بين الولايات على أختصاصاتها وسلطات الأتحاد والولايات فيما يتعلق بتعيين الولاة والنظار وحل المجالس التشريعية والأشراف على الشئون المالية والحدود وغيرها. وقد أضطر السيد محمود المنتصر أول رئيس وزراء لليبيا أن يقف ضد محاولات بعض الساسة الأقليميين والأنفصليين الذين كانوا يحاولون الأحتفاظ بحكم ذاتي للولايات ضمن النظام الأتحادي ، وبدأ يدافع عن سلطات الأتحاد ويقف ضد محاولات الولايات ورئيس الديوان الملكي لأضعاف حكومة الأتحاد وتحويل ليبيا إلى ثلات دول شبه مستقلة وأربع حكومات . فقد حاولت الولايات بمساعدة رئيس الديوان الملكي السيد إبراهيم الشلحي أنذاك تعيين الولاة والنظار وحل المجالس التشريعية بأوامر ملكية رأسا مما يعني إستقلال الولايات عن سلطات رئيس الوزراء الأتحادي، رغم أن المادة 85 من الدستو الأتحادي الليبي كانت تنص على أن توقيعات الملك في شئون الدولة يجب لنفاذها أن يوقع عليها رئيس الوزراء والوزراء المختصون. ويستثنى من ذلك المرسوم الذي يتضمن تعيين رئيس الوزراء وإعفاؤه من منصبه فيوقعه الملك وحده والمراسيم التي تعين الوزراء أو تعفيهم من مناصبهم فيوقعها الملك ورئيس الوزراء. وقد أضطر رئيس الوزراء محمود المنتصر الى اللجوء إلى المحكمة العليا فحكمت لصالح الأتحاد بان جميع التعينات الولائية يجب أن تصدر بمرسوم ملكي يوقعه رئيس الوزراء ويصادق الملك عليه بما فيها تعيين الولاة والنظار وحل المجالس التشريعية . وبهذا أخضعت الولايات لسلطات الحكومة الاتحادية عمليا ودستوريا . وكانت هذه الخطوة أولى الخطوات للسير في طريق الوحدة رغم أن الخلافا ت إستمرت حول الشئون المالية والحدود ومدى إشراف الأتحاد عليها لعدم وضوح مواد الدستور بشأنها .
وقد تحقق ما توقعه المستر بيلت لوحدة ليبيا . فمع مرور السنوات تقررت وحدة ليبيا الكاملة بدون إستفتاء شعبي أو مظاهرات وحدوية أو مبادرة من مجلس الأمة، بل تحققت بمبادرة وإقتراح وأوامرمن الملك إدريس نفسه بعد سيطرته الكاملة على السلطة وكان ذلك قرارا غير متوقع فقد عرف عن الملك تأييده للنظام الفدرالي وتمسكه به في فترة الأعداد للأستقلال . وبدأت إجراءات الوحدة في أواخر عهد حكومة السيد محمد عثمان الصيد وبداية عهد حكومة الدكتور محي الدين فكيني، وكان إعلان الوحدة خطوة تاريخية لتتويج كفاح الشعب الليبي وتصميمه على إستكمال وحدته بعد أن زالت الظروف التي حالت دون الوحدة الكاماة بأعلان إستقلال البلاد سنة 1951 .
واستقبل قرار الوحدة بالترحيب على كل المستويات الشعبية والعربية والدولية . وبعد أن أقر مجلسا الشيوخ والنواب والمجالس التشريعية بالولايات الثلات برقة وطرابلس وفزان مشروع القانون الذي قدمته حكومة الدكتور محي الدين فكيني بالغاء التظام الأتحادي بأقتراح من الملك إدريس كما بينا وقد أصدر الملك إدريس في 25 أبريل 963 مرسوما ملكيا بهذا القانون .
وقام الملك في اليوم التالي 26 أبريل 1963 بتوجيه الكلمة التالية إلى الشعب الليبي بمناسبة اعلان الوحدة الليبية .
بسم الله الرحمن الرحيم
مواطني الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في هذه اللحظات التاريخية التي تمر بها أمتنا المجيدة وفي هذه المرحلة التي يجتازها ركبنا الصاعد . يسرني غاية السرور أن اعلن للشعب الليبي الكريم إنتهاء العمل بشكل الحكم الأتحادي والبدء رسميا في نظام الوحدة الكاملة تطبيقا للتعديل الدستوري الذي وافقت عليه المجالس النيابية والتشريعية بالأجماع . وأني لأحمد الله تعالى كثير الحمد وأتوجه إليه بالشكر العظيم والثناء الجميل على ما من به سبحانه وتعالى علي من نعمة حتى شاهدت ولادة هذا الأمل الوطني الكبير. ووفقنا جميعا بتأييده وعونه ألى تحقيق هذه الأمنية الغالية .إن الوحدة التي نبدأ اليوم عهدها الميمون هدف جديد من أهدافنا الوطنية التي جاهدنا من أجلها و ضحى شعينا في سبيلها . فهي ثمرة طيبة للجهاد ووفاء لاجر الصابرين . وهي بعد ذلك خير وبركة ورمز لأجتماع الكلمة وتألف القلوب , ووعاء للمحبة والتأخي والوئام . ومبدأ يتبوأ مكان السمو في عالم الأخلاق والفضيلة . وحبل الله المتين الذي أمرنا سبحانه بالأعتصام بعروته الوثقى . قال الله تعالى وهو أصدق القائلين "وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ". وهو الدين القويم دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقال :"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ". فالحمد لله الذي جمع على المحبة قلوبنا ووحد على الوفاق بلادنا وجعلنا من أمة التوحيد التي هي خير أمة أخرجت للناس .
وإني لأنتهز فرصة إعلان الوحدة المباركة السعيدة فأوصيكم جميعا بتفوى الله ومراعاة وجهه في السر والعلن ، وأحثكم على مضاعفة الجهد وبذل المزيد من العمل حتى نوفر لبلادنا الأزدهار والرخاء والرفاهية ، ونعيش جميعا في ظل الوحدة أمة قوية في خلقها عزيزة في شخصيتها متينة في بنلئها نظيفة في سمعتها . أن الوحدة تلقي على كواهلنا مسئوليات جساما وتضع نصب أعيننا واجبات كثيرة ، فعلينا أن نكون جديرين بها ونحافظ عليها كما نحافظ على إستقلاننا ونحوطها بالرعاية والحدب . ونغذيها بمشاعر المحبة والوطنية حتى تستمر في طريق النمو والأكتمال . فالوحدة ليست غاية في ذاتها وإنما هي وسيلة ألى عمل الخير وطريق إلى أفاق الأصلاح والفلاح . وواجبنا أن نأخذ منها القاعدة الصالحة للأنطلاق نحو الأهداف العليا . ومصباح النور الذي ينير موقع خطواتنا في طرق العمل الدؤؤب والسعي المجدي والثعاون المثمر المفيد . إن كل مواطن مسئول عن حماية الوحدة وفرض هذه المسئولية . أن شعار الوحدة يجمع تحت لوائه الخفاق كل السواعد العاملة والهمم المتوتبة والكفاءات الخلاقة . وتشمل كل بقعة تستظل بسماء ا الوطن العزيز ، ويستمتع كل مواطن بخيراتها العميمة ويعيش في كنفها عيشة الطمأمينة والسعادة والأستقرار، وابلغ شكر للنعمة صيانتها . وأسمى مراتب الخلق أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان " وفقنا الله جميعا ألى ما يحبه ويرضاه . والهمنا الرشد والصواب وجعل وحتنا فاتحة عهد سعيد يفيض خيرة ويزيد نفعه وتعم بركاته . ونبدأ مرحلة تنشط فيها العزائم وتقوى الأرادات ، إنه تعالى أقرب مسئول يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، ومنه الهداية والتوفيق ,اليه الملجأ والمصير . فهو نعم المولى ونعم النصير ". والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كما القى السيد محمود المنتصر رئيس الوزراء بمناسبة الذكرى الاولى لأعلان الوحدة سنة 1964 الكلمة التالية :-
مواطني الكرام
لقد مرت بلادنا بمراحل عدة مراحل الكفاح والجهاد ومراحل البناء والتشييد ، وكان الأدريس خلالها يوجه شعبه ويقوده في السراء والضراء من نصر إلى نصر حتى حققت البلاد على يديه عظيم الأعمال وخالد المأتر.
وقد بادر حفظه الله في السنة الماضية فأعلن في خطابه التاريخي وحدة البلاد الشاملة فتحقق بذلك أمل وطني عظيم ضل يراود الشعب .منذ زمن. وقد كانت الوحدة إحدى الأهداف الوطنية التي جاهد من أجلها الأدريس العظيم . وكان تحقيقها تتويجا لنضال الشهداء وجزاء الصابرين . وكانت كلمة الأدريس الخالدة نحن في طريق الوحدة ، نبراسا نهتدي به لتحقيق هذه الأمنية العزيزة ، حتى أدرك حفظه الله بحكمته السامية أن الظروف التي أستوجبت ذلك النظام قد زالت وأن الكيان الوطني في حاجة إلى جمع الشمل . فعمل على تحقيق الوحدة وسجل بذلك مأترة خالدة ستذكرها الأجيال بالأجلال ولأكبار .
واليوم ونحن نحيي هذه الذكرى الاولى بأعلان الوحدة يجدر بنا أن نشعر بالسعادة والفخر ونحن ننظر إلى هذه المراحل التي قطعناها حتى الأن . وإذا كنا ننظر إلى الماضي لنرى ما وصلنا إليه إلا أننا في نفس الوقت نتطلع إلى المستقبل وما يتطلبه من عمل وإستعداد مستفيدين بذلك من عبرالماضي للمضي في المرحلة الجديدة للحياة .
إن هذا الأنتصار الذي تحقق يضاعف من شعورنا بالمسئولية إزاء هذه ا الوطن العزيز لتدعيم كيانه والأعتزاز بشخصيته ومقوماته .
إن الوحدة ليست شعارا تردده الشفاة ولكنها رابطة وطنية مقدسة ، وإن الواجب يحتم علينا أن نحافظ على هذه الوحدة وأن نصونها وأن نستمد من معانيها الكبيرة وعينا الوطني الذي يرتقي بنا الى مسئولياتنا الصخمة . فالمرحلة الصحيحة التي أمامنا تستدعي منا تعاونا أوثق بين الشعب والحكومة وجهود كل فرد من المواطنين لبناء الوطن وتحقيق مستوى عادل للمعيشة وحياة ترفرف عليها الطمأنينة.
مواطني الكرام
لقد ألت هذه الحكومة على نفسها منذ أن شرفها مليك البلاد بثقته الغالية على أن تعمل من أجل مصلحة البلاد وأن توجه جهودها نحو إستغلال ثروة البلاد لصالح المواطنين ، وتحقيق أمانيهم في العزة والكرامة . إن الحكومة لا تريد أن تلقي بالوعود جزافا لكنها تؤكد لكم على أن خطواتها ستكون مدروسة وعلى أسس سليمة وستجند لذلك كل الخبرات والكفاءات الليبية لتتولى هي نفسها تحقيق رفاهية البلاد وإستقرارها .
وفقنا الله جميعا لتحقيق أماني الامة .
------
وختاما أود أن أضيف إن قرار وحدة ليبيا كان من أعظم إنجازات الملك إدريس وكان رحمه الله يريد ان يتوج هذا الأنجاز بأعلان ليبيا جمهورية قبل وفاته ليتولى الليبيون إختيار حكومتهم ونظامهم السياسي بانفسهم دون رعاية من أحد . وفعلا كلف المستر أدريان بلت مندوب الأمم المتحدة السابق في مرحلة الأعداد لأستقلال ليبيا بتأليف لجنة من الخبراء الدوليين في الدستور الدستوري والدولي لأعداد مشروع دستور جمهوري لليبيا . وقد أفتتحت إجتماعات اللجنة في فندق الجراند هوتيل بروما سنة 1965 بحضور السيد محمود المنتصر رئيس الديوان الملكي في ذلك الوقت . وإنتقلت اللجنة بعد ذلك ألى جنيف حيث أتمت مشروع الدستور الجمهوري كما طلب الملك إدريس . وقد كلفني رئيس الديوان الملكي السيد محمود المنتصر بمعرفة رئيس الوزراء السيد حسين مازق انذاك بالسفر إلى جنيف وإستلام المظروف بمشروع الدستور الجمهوري شخصيا من المستر إدريان بلت وإحضاره أليه بطرابلس . وفعلا قابلت المستر إدريان بلت في مطعم على بحيرة جنيف الجميلة وتسلمت منه المظروف مختوما بالشمع الاحمر . وكانت فرصة بالنسبة لي للأجتماع بالمستر أدريان بلت والأستماع إلى أرائه وخبراته خلال فترة الأعداد لإستقلال ليبيا سنة 1951 . وقد سلمت المظروف المغلق إلى رئيس الديوان السيد محود المنتصرالذي طلب مني بأمرالملك إدريس ترجمة محتوياته المتضمنة لمشروع الدستور الجمهوري لليبيا من اللغة الأنجليزية إلى اللغة العربية ، وذلك حفاظا على سرية الموضوع ولعدم الرغبة بتكليف مترجمي الديوان والحكومة الأجانب بترجمته . وفعلا ترجمت كل الوثائق المتعلقة بمشروع الدستور الجمهوري في مكتب رئيس الديوان في بيته وكتبت بخط يدي نسخة منقحة وسلمتها الى رئيس الديوان الذي سافر بها إلى طبرق وسلمها إلى الملك إدريس . و هنا إنتهت مهمتي وسافرت إلى مقر عملي برئاسة مجلس الوزراء في البيضاء ولم أعرف ماذا تم بشأن مشروع التعديل بالتفصيل ، سوى حصول إجتماعات في طبرق للملك بحضور المستر إدريان بلت ورئيس الوزراء السيد حسين مازق ، وإنتشارإشاعات بمحاولات تغيير النظام وإستقالة الملك وإستلام رئاسة مجلس الوزراء لسيل من برقيات الأحتجاج من أرجاء البلاد . هذه شهادة أسجلها للتاريخ وأنا في أرذل العمر والله على ما أقول شهيد . رحم الله الملك إدريس وجزاه الله خيرا على ما قدمه لليبيا وشعبها.
التعليقات (0)