تمر علينا اليوم ذكرى ثمان سنواتعلى إستشهاد شيخ الفتح علي إبراهيم فرج “أبو الحسن” وشقيقه حسام وكلاهما من أبرز قادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح .
ولد الشيخ علي إبراهيم فرج “أبو الحسن” بتاريخ 11/11/1959م، في قرية تلفيت قضاء نابلس. ترعرع ونما فـي قريته فأحبّ فلسطين من حبه لها، درس الابتدائية والإعدادية في مدرسة القرية، أما الـمرحلة الثانوية من دراسته فكانت بين مدرسة قصرة وحوارة الثانوية، لكن رغـم تفوقه لـم يقدم امتحان الثانوية العامة “التوجيهي” إلا بعد انقطاع، بسبب اعتقاله في كانون الأول عام 1977م، ولـم تسمح له قوات الاحتلال بتقديـم الثانوية العامة في مدرسة حكومية، رغم تحرره من اعتقاله الأول خلال العام الدراسي؛ فالتحق في العام القادم بمدرسة الروضة الأهلية في نابلس، لكن الـمخابرات الإسرائيلية لاحقته لتحرمه كما حرمت الكثيرين غيره من فرصة التعليم، فكان القرار، الذهاب إلى الأردن ليعوّض ما حُـرم منه، لكنه لـم يتمكن مـن تقديـم التوجيهي إلا بعد خسارة عام آخر لأسباب سياسية أمنية، فدخل الجامعة الأردنية بمعدل مرتفع عام 80/81 ليتخرج من كلية الآداب، قسم اللغة العربية عام 1983 بدرجة بكالوريوس.
وقد بدأ الشيخ علي فرج حياته السياسية بالتحاقه في حركة فتح عام 1976، ومارسَ العمل الوطني والتنظيمي بسرية مطلقة، كما قام بتجنيد عدة عناصر لحركة فتح، وقـام بمشاركات فعلية في الـتظاهرات العارمة والعنيفة عام 76/77، وكان يبث النشاط والوعي الثوري لدى الحركة الطلابية. وفي العام الضائع من عمره في عمّان، عمل في فندق بارز، مكّنه من لقاء قادة بارزين في م.ت.ف مثل خالد الحسن وخالد الفاهوم وطلال ناجي، مما جـدّد من شحناته النفسية والـمعنوية، فكان من أبرز نشطاء حركة فتح على الساحة الأردنية داخل حرم الجامعة وخارجه، كما كان عضواً في مجلس الطلبة عام 83، وتعرّف على كثير من القادة الذين سبقوه بالشهادة أمثال: خطاب “عزت أبو الرب/قباطية”، والشيخ ناصر “الطيرة”، وصدقي الراغب “أبو محمد/عصيرة الشمالية”، والعميد يونس عواد ابن قريته، إضافة إلى علاقته مع قادة الساحة الأردنية.
عُـرف الشيخ علي فرج بصلابته منذ اعتقاله الأول وهو لـم يطبق سبعة عشر عاماً، وفي العام 84 اعتقله جنود الاحتلال قبيل الغروب في 12 رمضان وهو صائـم، فاستخدموا معه كل الأساليب من عدم تقديـم وجبة الإفطار له وهو صائم، إلى تقديـم وجبات خلال نهار رمضان؛ فالضرب الـمبرح والشبح والحرمان من النوم واستخدام الكهرباء معه في مناطق حساسة، وجلوس على مقعد صغير وهو مقيد اليدين نحو الخلف، وحرمان من قضاء الحاجة، والضرب على الـمعدة والخصيتين والأذنين وغير ذلك. والنتيجة انتصار الجسم الهزيل على الجلاد لشدة إيمانه بربّه وعدالة قضيته وشعوره، وهو في ظلـمة الزنزانة، بأنه ليس وحيداً إنما شعبه معه، وكل الأحرار في العالـم معه، وفوق كل ذلك دفق الإيمان الذي يتحلى به، شكّـل خندق التمترس لجبروت عناده وصلابة إرادته، فكان قلبه مطمئناً، ونفسيته هادئة مرتاحة، بعيدة عن القلق والتوتر، لكنه إنسان يعيش إنسانيته كغيره من البشر.
علي فرج، يتميز بإنسانيته؛ فالإنسان عنده هدف وشعار، أن نسعى لخلق إنسان، بقيمه وخلقه وحبه لوطنه وانتمائه لأسرته ومدرسته ومجتمعه، وإيمانه بربّه وسعيه لإقامة مجتمع تسوده العدالة تحت لافـتـة الإسلام الذي يكرّس حب الوطن والتسامح، وينأى بالأفراد عن الأنا الضيّـقـة الـمريضة بحمى التعصب، هو هدف سامٍ عند الشيخ القائد الـمجاهد، والسبيل إلى ذلك يكون بحب الوطن والتوكل على الله، وبالتضحية والصبر والصمود والـمحافظة على الذات.
الشيخ علي فرج عرك الـمعتقلات، وعاش السجن الانفرادي في زنازين متنوعة بتنوع السجون والـمعتقلات، فقد تنقل بين معتقلات نابلس وجنيد ونفحة والخليل وغيرها، فترك بصماته العظيمة في كل موقع حلّ به. وكان شخصية قيادية، مخلصاً لعمله وتنظيمه، يعشق وطنه كعشقه دينه، حريص على الوحدة والانسجام والتعاضد والتكامل بين جميع القوى الفصائلية، مهما اتسعت مساحة الاختلاف في البرامج، لأن الأصل عند الشهيد القائد والـمعلّـم أبو الحسن هو الاتفاق.
وقد مارسَ قناعاته السياسية والفكرية بشجاعة وجرأة، كجرأته تماماً في التعبير عن رأيه، وانسحب هذا على كل مجالات عمله ونشاطه الاجتماعي والـمهني، فبعد تحرره من السجن في منتصف العام 1999م تسلّـم دوره الوظيفي في وزارة الأوقاف التي تنسجم مضموناً مع توجهاته الإسلامية، ومع رغبته بتصحيح الأوضاع في وزارة مهمة، تماماً كما سعى لتصويب الـمسار التنظيمي لحركة فتح حتى تعود إلى ديناميكيتها في نقل الحلـم الفلسطيني إلى واقع، فهو الرجل القيادي البارز لحركة فتح في محافظة نابلس، والذي يلاقي إجماع قوى الخير عليه، رغم التباين في الـمواقف السياسية أو الفكرية أو في الرؤى لـمستقبل واعـد. وكم كان يتوق للـمشاركة في انتخابات التشريعي، حيث كان واثقاً بالفوز كثقتنا تماماً بأن يد الغدر والخيانة هي التي انتزعته ظلـماً وعدواناً من بين أطفاله وزوجته وأهله ومحبيه. والشيخ علي فرج كان يتسم بثقافة عالية، وقدرات كتابية، ومهارات الاتصال، وسعة الصدر وعمق الاستماع وقوة الحجة والـمنطق، إضافة إلى شخصية القائد والـمعلّـم والشيخ والإنسان.
وكلـما تذكرنا الـمعلـم والقائد الشيخ علي فرج نستذكر حجم الجرم وفظاعة الوسيلة الهمجية التي حرمتنا منه بينما كان في طريقه لإلقاء خطبة الجمعة في الـمسجد. إن غياب القائد الشيخ علي فرج له ما يميزه عن غيره من قادة وأشخاص عظام آخرين، حيث كان ضحية الجرم الـمزدوج وفي نفس اللحظة استشهاد أخيه القائد البطل حسام الـموظف في وزارة الداخلية، والـمعروف بشخصيته القيادية في القطاع الريفي لحركة فتح، واستشهاد أخيه الشيخ طايل القائد البارز في حركة فتح ومديـر عام الشمال في وزارة الأوقاف، الذي قتل ظلـماً وهـو يقوم بمهمة الإصلاح قبل عـامين من استشهاد أخويه، ليشكلوا معاً ثلة من الشهداء يحلّقون في سماء فلسطين مبشرين الثابتين على الحق بإحدى الحسنيين؛ فالـمجد للشهداء.
وأذكر أيها الشهيد القائد عند استشهاد أخيك المناضل الشيخ طايل فرج عندما كان في أداء رسالة وطنية على تراب نابلس الزكي بزكاوة الدم الطاهر الذي شكل لونه ورائحته الزكية، أذكر قبل أن أقدم الى تلفيت لواجب العزاء، ما دار من حديث على الجوال، با أخي، الشيخ فرج هو أخ الجميع، وافتقاده خسارة للوطن، وآمل أن يبقى الشيخ علي فرج الذي نعرفه بنبله وثوريته وقيمه التي يتمسك بها، وهذا أمل كل المناضلين، بعدم ردة الفعل والابتعاد عن الثأر والانتقام ، وهذا لا يقلل من حبنا للشهيد القائد طايل، فقال، اطمئن يا أخي فروح الإسلام تحكمنا، وفلسطين هي البوصلة في ردود فعلنا، فكم أنت عظيم أيها القائد البطل، في حياتك، وفي اعتقالك، وفي عطائك، وحتى في استشهادك.
وثق أيها القائد الشهيد، أننا نحمل وصاياك ومبادءك، ونحرص على وزارة الأوقاف التي كنت قائدا فيها كحرصك تماما على ترميمها وصحة مسارها، كما أننا مع كل فرسان فتح سنبقى الأمناء على تاريخنا المشرق، والرسالة التي حملها القادة الغيورون في هذه الثورة العملاقة، التي لن تتوقف رغم حالة التراجع والفوضى التي تخللت بعض الشواهد الزمنية.
التعليقات (0)