مواضيع اليوم

ذراع لقارة عجوز تزداد أوروبية!

ممدوح الشيخ

2009-12-10 16:33:25

0



بقلم/ ممدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com


بعد جولات من التصويت على معاهدات الاتحاد الأوروبي خلال سنوات اهتزت فيها القارة العجوز وقع "نعم" أحيانا وعلى وقع لاءات مدوية أحينا أخرى يعبر المشروع الأوروبي عتبة التحول إلى قوة دولية مسلحة فيما روابطها مع الناتو لم تزل قائمة وقوية. وزير الخارجية الإيطالي أعلن أن بلاده ستقدم اقتراحا يدعو إلى إنشاء جيش أوروبي موحد لقادة الاتحاد. الجديد في هذه الدعوة أنها لم تصدر من إحدى عاصمتي المحور الفرنسي الألماني بل من روما لكن الدعم كما هو متوقع سيأتي بالأساس من باريس وبرلين.
وقد أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وجود فكرة إنشاء الجيش الأوروبي موحد عام 2007، أما باريس فطرحتها في العام 2008 مشفوعة بتأكيد أن القارة ستكون عاجزة عن التأثير على الساحة الدولية بقدر يناسب نفوذها إذا بقيت "عملاقا سياسيا" و"قزما عسكريا"، وبناء على هذه القناعة طرح الرئيس ساركوزي إنشاء هيئة لإدارة عمليات الاتحاد الأوروبي العسكرية خارج الاتحاد الأوروبي. والعواصم الثلاث، برلين وباريس وروما وقعت في ديسمبر 1999 وثيقة إنشاء قوات مشتركة تعمل في مجال عمل حلف شمال الأطلسي (الناتو).
المثير أن الدعوة تدفعها دوافع ثلاثة، رغبة في الاستقلال ولو جزئيا عن الولايات المتحدة التي تعتبر سيطرتها على قرار الناتو هيمنة على القرار الأوروبي. الدافع الثاني رغبة أوروبا في مزيد من الانخراط في دور العسكري للمجتمع الدولي وهو دور يتوسع باضطراد، فيما المساهمة الأوروبية فيه متواضعة إلى حد بعيد. الدافع الثالث جديد تماما وهو قناعة شريحة متنامية من النخب السياسية الأوروبية أن الولايات المتحدة بسبيلها للتحالف مع الصين وتهميش أوروبا، ما يعني أن الفكرة يدفعها في آن واحد: الغيرة من أمريكا والرغبة في التمرد عليها، والخوف من تخليها عن القارة العجوز.
والقارة الأوروبية فيها من يخشى تهميش القارة في حال تبلور أمريكي/ صيني يهمش "المحور الجيوساسي الأطلسي". والبعض يرى أن هذا الهاجس في كل الأحوال مفيد لأنه سيدفع أوروبا إلى أن تصبح أكثر أوروبية أن إنشاء الجيش الأوروبي الموحد كثمرة طبيعية لتوقيع معاهدة لشبونة التي يراها المتفائلون خطوة نحو دولة أوروبية موحدة" بالفعل ترث الاتحاد الأوروبي، والدولة الموحدة تستلزم جيشا موحدا.
والجار الروسي المترقب من جانبه يرى أن القوات الأوروبية الموحدة المزمع إنشاؤها ستحل محل حلف شمال الأطلسي لأن الأوروبيين لا يستطيعون تغطية نفقات "مؤسستين عسكريتين في آن واحد"، وهي في الوقت نفسه لن تشكل خطرا على الأمن القومي الروسي ولن تغير التوازنات الرئيسة القائمة بين الطرفين.
البعض – وبخاصة من دعاة أن تكون أوروبا أكثر أوروبية – يراهنون على أن تقوم القوة الموحدة الجديدة إلى قاطرة لتحول باتجاه تأكيد "القيم الأوروبية" وهو ما يعني عند معظمهم أن تتوجه أوروبا نحو المزيد من الأيديولوجيا.
والجدل بشأن القيم الأوروبية يتمحور حول فكرتين أساسيتين: رأي "أساسي" يؤكِّد وجود اختلافات ثقافية جوهرية بين أوروبا ومناطق العالم الأخرى ورأي آخر يطالب أوروبا بالمزيد من "العمل" لأجل تطبيق حقوق الإنسان العالمية في المجتمع الدولي كله، والمحصلة أن تتبنى أوروبا – عندما تصبح أكثر أوروبية – أجندة تصدير الديموقراطية!!!
وعلى غرار نمط الحياة الأميركي هناك دعوات متصاعدة للحفاظ "نمط الحياة الأوروبي" وفي هذا الإطار يأتي تحرك عديد من معارضي انضمامها للاتحاد.
وكما هو متوقع صار هناك تدافع بين رؤيتين إحداهما تدعو لانفتاح المفوضة الأوروبية على المجتمع المدني والكنائس والطوائف الدينية الأخرى وآخر يدعو لتنمية ورعاية قيم تستند إلى "المركزية الأوروبية" وهو ما يؤدي في النهاية لتضييق الأفق الذي اتسع تاريخيًا في أوروبا وخلق نوعا من التعددية.
وتاريخيا كلفت هيئة الأمم المتحدة مع بداية الحرب الباردة المجلس الأوروبي بمهمة تعريف القيم والأهداف الخاصة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عام 1948 كما كانت المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان (1950) أهم أداة لتكوين فهم أوروبي للحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية. والآن تعتبر هذه المعاهدة الأساس الذي تستند إليه "القيم الأوروبية". وحتى مرحلة النشاط الوحدوي الأوروبي خلال السنوات القليلة الماضية لم تكن هناك خاصية أوروبية تكمن في قيم مشتركة مختلفة عن القيم الموجودة في باقي بقاع العالم.
وتعد "المعضلة التركية" مؤشرا مهما على الاتجاه الذي تسير نحوه الأمور، فهناك ممانعة فرنسية ألمانية قوية مقابل مرونة إيطالية أسبانية. وتمثل تركيا للرافضين رمزا للتمترس خلف خط دفاعي قيمي اسمه "المركزية الأوربية"، فيما تعني بالنسبة لمن يؤيدون انضمامها للاتحاد قدرة على نجاح بوتقة الصهر الأوربية على التعامل مع ثقافات وتوجهات متعددة ومختلفة. ورغم أن الموقف الرسمي للاتحاد هو الاستمرار في التفاوض وتقديم لائحة مطالب بعد أخرى، فإن التحيزات الثقافية ذات الجذور التاريخية تمثل نقطة الصدام غير المعلنة بين تركيا ورافضي دخولها جنة الاتحاد الأوروبي.
وخلال السنوات القليلة الماضية استشعرت أوروبا على نحو غير مسبوق هلعا بشأن هويتها كان تجليه الأكثر وضوحا أوضاع مسلمي أوروبا وعلاقتهم بمحيطهم، وشكلت قضايا كالحجاب والنقاب وبناء المساجد – بل المآذن – صيحات تحذير وعلامات احتقان. وإذا صح أن أوروبا تتأهب لبناء ذراع عسكري موحد فإنها تكون قد قررت أن تهرب إلى الأمام بدلا من حسم الخيارات الثقافية والإجابة عن الأسئلة المتصلة بالمعنى، إلى عالم الإجراءات عبر عسكرة القارة العجوز، ولو رمزيا!




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !