لاريب من أن إندلاع الانتفاضات و الثورات العربية في البلدان التي أنظمتها جمهورية، من المسائل اللافتة للنظر و دفعت العديد من الاوساط السياسية و الاعلامية لبحثها و دراستها بتمعن، ويقينا أن الحالة البحرينية(المثيرة للجدل)، والتي تحف حولها الکثير من التباين في وجهات النظر و المواقف، لم تعتبر لحد الان بمثابة مقياس يمکن الرکون إليه، ذلك ان الحالة البحرينية تکاد أن تکتسب ثمة خصوصية لأسباب عدة أهمها تداخل العوامل الجيوسياسية و الطائفية و أجندة متعددة لها تواجد على الساحة السياسية هناك، وهي بهذا تعتبر حالة فريدة نوعا ما من بين الانظمة الملکية رغم أن الاطراف السياسية هناك تدرك بشکل او بآخر"حتمية"رکونها للحل الوطني و التوصل الى حل وسطي سلمي للقضية، وبخلاف ذلك، فإن الاضطرابات التي تجتاح الاردن و المغرب، تکاد أن تطغي عليها في خطها العام طابع"معيشي"، مداف به جنوح نحو التمتع بالمزيد من الحرية، ولايمکن أن نقيس او نقارن مثلا بين الحالتين الاردنية و السورية من جانب، او الحالتين الليبية و المغربية من جانب آخر، بإعتبار أن ثمة إقليمين محددين يجمع بين هذه الدول الاربعة، والحق أن هناك فرقا و بونا شاسعا بين زعماء البلدان الاربعة و أنظمتها السياسية، إذ أن سقف الحرية السياسية و الاعلامية المتاحة(برغم محدوديتها النسبية نوعاما)، في کل من المغرب و الاردن، لايمکن أبدا مقارنتها بالحالتين السورية و الليبية اللتين تخضعا لسلطة فردية و حزبية ذات طابع شمولي کامل، ومن هنا، فإن التحرك الشعبي في الاردن و المغرب لو دققنا النظر فيه و وضعناه تحت المجهر، لتيقنا من أنه يکتسب طابع قانوني و مدني يلتزم بالنظام السياسية القائم في البلدين کإطار عام جامع، أما الانتفاضة الشعبية في ليبيا و سوريا و اليمن أيضا، فإنه ذو طابع غضبي إنتقامي جارف من قمع و إستبداد منظمين مورسا بحق شعوب هذه البلدان و تعتبر الانظمة السياسيـة القائمة حالة غير قانونية و يجب إجتثاثها و تغييرها من الاساس.
ولو عدنا للوراء و تحديدا الى الانقلابات العسکرية العربية في کل من مصر و العراق و ليبيا مثلا، والتي أسبغت على کل منها صفة"الثورة"، وهي أبعد ماتکون عنها، ذلك أن الثورة أساسا تحرك جماهيري شعبي عام و عارم ينجم عنها تغييرات و تحولات جذرية، کما کان الحال في الثورات الفرنسية و البلشفية في روسيا، وکذلك الثورتين الشعبيتين التونسية و المصرية و اللتين أطاحتا برئيسي البلدين، لوجدنا ثمة إختلاف و فروق شاسعة بينها و بين الانقلابات العسکرية العربية التي إنتهت في نهاية المطاف الى مفترق الشمولية و الاستبداد بل وانها صارت ملکية بسياق يکاد أن يتشابه مع أنظمة التفويض الالهي الملکية الاوربية في القرون الوسطى، والحق أن الانظمة الملکية المصرية و العراقية و الليبية، أثبتت الوقائع و الاحداث أنها کانت أکثر ديمقراطية و حرية من التي أعبقتها، وفي کل الاحوال فإن الانظمة الملکية العربية في خطها العام، تمتلك خصوصياتها و مميزاتها العامة التي تمنحها ثمة طابع من الشرعية و القانونية بخلاف الانظمة الجمهورية العربية التي ليست لها أي طابع شرعي او قانوني بل وانها وفي حقيقة أمرها لم تکن حتى جمهورية على وجه الاطلاق!
التعليقات (0)