مواضيع اليوم

ذات يوم في الجامعة

أحمد سالم عبدالله

2010-02-25 16:53:16

0

    هذه مجرد مقتطفات وردود حول إحدى مناقشات دبلوم الدراسات العليا التي جرت في معهد العلوم الإجتماعية/الجامعة اللبنانية ، وسأتحفظ حالياً عن ذكر الأسماء .

    في البدء لا بد لي من أذكر الإجراءات الأكاديمية المتبعة ، قبل الخوض في ما جرى . إذ بعد أن ينتهي الطالب من كتابة رسالته ، وبعد أن تنال موافقة أستاذه المشرف ، ترسل هذه الرسالة إلى أستاذ آخر (يطلق عليه تسمية القارئ الأول) ، الذي إما يوافق على أن تناقش علنياً كما هي (وهي الحالة هنا) ، وإما يطلب إجراء بعض التعديلات كما هي الحالة بشكل عام .

    وبعد أن يقوم الطالب بإجراء التعديلات المطلوبة ، يتم منح الموافقة على الإستنساخ ، وترسل نسخة من الرسالة إلى أستاذ ثالث (يطلق عليه تسمية المناقش) .

    لذا ، فإن القارئ الأول ليس من حقه مناقشة الطالب أساساً إلا بحالة واحدة ، وهي أن يطلب منه إجراء تعديلات ، ولا يوافقه الطالب بل يلتزم برسالته دون تعديل .

    الحالة التي أتكلم عنها هنا ، هي في كون القارئ الأول ، وسأطلق عليه للإختصار والتمويه إسم "حوس" ، لم يطلب من الطالب إجراء أي تعديل والنص حسبما أذكر هو : "هذه الرسالة مستوفية للشروط الأكاديمية وصالحة للمناقشة العلنية كما هي" .

    إذن بكل بساطة ، "حوس" موافق على الرسالة ، وليس من حقه تغيير قراره (والذي من المفترض أن يكون أكاديمياً) ، وأن يقوم بمناقشة الطالب بناء على كون رسالته غير أكاديمية !!

    لكن هذا ما حصل ، ويبدو أن "حوس" كان وقت قراءته الأولى غير واعٍ لقراره تماماً ، إذ كيف يمكن تفسير قراره إلا بظن ذلك !

    ليس المهم هنا ، وليس هذا بيت القصيد ، بل بكل بساطة ، في ما جرى يوم المناقشة ، وفيما يلي نقل لما جرى .

    بداية ، وبعد تقديم الطالب لبحثه ، بما يضيء بشكل عام على أهم النقاط ، ابتدأ "حوس" بالقول أنه لا يعترف بكون الأنثروبولوجيا علماً ، وكل العلوم الإجتماعية ليست علوماً إلا من قبيل المجاز ، إذن فما خبره الطالب وما عاشه لمدة سنتين (أي أثناء إجرائه لبحثه) ، كما السنوات الست التي قضاها مع هذا العلم ، هي مجرد كومة من اللاشيء ، على أفضل الفروض هي بعض الآراء !

    ثم نظر في قائمة المراجع ، ليقول أن نسبة تفوق التسعين بالمئة هي من مواقع الإنترنت ، وليتّهم الطالب أنه لا يملك القدرة على التفريق بين الجيد والسيء ، إذ لم يختر سوى السيء !

    الرد على الفكرة الأولى واضح ، ولا يحتاج إلا إلى النظر في قائمة المراجع ، فعدد المراجع هو مئة وعشرة ، والمراجع المأخوذة من الإنترنت هي سبعة وعشرون مرجعاً فقط ، فمن أين أتت نسبة 90 % إذن ؟!

    أما كون الطالب لم يفرّق بين الصالح والطالح ، فهو لا يشير إلى جهل الطالب ، بل إلى جهل "حوس" أساساً بهذه التقنية الجديدة ، كان باستطاعته ، لو أراد نقداً أكاديمياً حقاً كما ادّعى ، أن يقرأ على الأقل أسماء المواقع ، وأسماء المؤلفين ، وأن ينظرها في الإنترنت ، لكن الجهل يعمي أحياناً ، وإسقاطه على الآخرين أسهل ، ألم ينبثق من ثقافتنا التعبير القائل "الحق عَ الطليان" ؟ وهي حجة منطقية تماماً عندما يكون الجمود سيد الحياة ، كما هو بارز من مواقف "حوس" بكل بساطة .

    ثم فنّد "حوس" أسماء بعض الكتب ليدلّل على سلطته المعرفية ، وانتقى كتاباً لأويتنهوف ، قد يوافق الطالب "حوس" على كونه كتاباً شعبياً ، لكن على "حوس" قبل نقده للطالب على إختياره هكذا كتاب سيء أن يعرف على الأقل أين تم إستخدامه ، إلا أنه لم يكلف نفسه عناء البحث ، بل اكتفى بكونه يعرف ، وهذا لب الجمود عند معظم المتعلمين .

    ثم تحول إلى لب الرسـالة ، ونظر في واقعها ، ليجد أن الطالب قد جدّد ، واتخذ أسـلوب مقاربة أصيل ، يتفق مع علماء الأنثروبولوجيا المجددين ، وهي حركة ابتدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي في الأنثروبولوجيا ، إلا أن "حوس" لم يعرف بها ، وهذا تأكيد على الجمود الذي يحيا ضمنه ، فطالبَ الطالب بعدم التجديد ، بل برؤية الأمر كما كان يراه "سيليجمان" الأنثروبولوجي البريطاني وذلك في بدايات القرن الماضي !

    هي معضلة حقاً ، هل يكون البحث جيداً إن استخدم مقاربات عفى عليها الزمن ، وسيئاً إن حاول ملاحقة العصر ، إنه كمن يطلب في عصر الفضاء العودة إلى إستخدام الدواب باعتبارها وسيلة أسرع للوصول إلى القمر ؟!

    ثم انتقى "حوس" من الرسالة بعض الأخطاء اللغوية والمطبعية ، ليشير إلى عقمٍ في لغة الطالب ، وإلى كونه جاهلاً بقواعد اللغة العربية .

    إن الرد على هذه المسألة أيضاً بسيط ، إذ يبدو أن نادي القصة المصري يعترف بكون الطالب واحداً من القصّاصين المجددّين ، على صعيدي الموضوع واللغة . إذن ، هل يعترف "حوس" بنجيب محفوظ رئيس نادي القصة ، أم هو أيضاً مدّعٍ ؟!

    إن كل ما تكلم به "حوس" يمكن مناقشته ودحضه ، لكن يبقى السؤال ، لماذا لم يتفوّه الطالب بشيء من ذلك ؟

    تُختصر الإجابة في مسألتين ، الأولى ، في كون "حوس" إنطلق من المقولة "كلامي صائب لا يحتمل الخطأ ، وأنت لا شيء مقارنة بي" ، وهي تختلف جذرياً عن المقولة التي يؤمن بها الطالب وهي "كلامي خاطئ يحتمل الصواب ، وكلام غيري صائب يحتمل الخطأ" . وهي تشير إلى إتساع الفجوة التي تفصل "حوس" عن الديناميكية . 

    والمسألة الثانية ، في كون "حوس" هاجم اثنين من العلماء صراحة ، والباقي ضمناً ، واعتبرهم مجموعة من المدّعين ، لا يملكون شروط الأكاديميا كما يملكها هو "حوس" المعظم !

    إن حالة "حوس" هي حالة نموذجية من تضخم الأنا ، فهو يعرف ويفهم كل شيء في هذه الدنيا ، وهو محق ، إذ أن كل المصابين بجنون العظمة يقولون ذلك ، وهو لا يختلف عنهم سوى بحمله إشارة (دال نقطة) قبل إسمه ، مما يؤدي به إلى التسلط على الطلاب ، مشرّحاً نفسياتهم من خلال كتاباتهم ، لكي يجد في النهاية دوماً ذاته ، فهو لا يرى شيئاً سواها ، ولا يعترف إلا بها . لذا إلتزم الطالب بالصمت والضحك ، تحدياً لعجرفة "حوس" .

    هذا ما جرى ذات يوم في الجامعة ، أسجله هنا ، لكي تبقى الذاكرة حية ، ولكي يبقى الوعي متنبّهاً لكل متضخم في أناه ، حمايةً للطلاب من شر "حوس" وأمثاله .      

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !