مواضيع اليوم

ذاتات زمكانية

محمد بلغازي

2009-09-09 02:38:28

0

ذاتات زمكانية
 
  ذات يوم

استبد الغضب بحاسوبي المحمول فقرر أن يتمرد على توجهاتي الفكرية وعلى كتاباتي الحالمة فطالعني ببلاغ شديد اللهجة رافضا الامتثال لأوامري ..وأمام هذه المقاومة الإلكترونية تساءلت عن الدافع وراء هذا الموقف من حاسوبي فلم أجد جوابا ..إلا أنني أدركت أن السبب الحقيقي لثورته هو تجاهلي لاستعمالات الفيسبوك والإبحار في منتديات ومواقع العرى وذلك انسياقا وراء رغباته المغرقة في السطحية ...ورغم أنني أدخلته المصحة لمسح ذاكرته وتنقيتها من الشوائب والفيروسات إلا أنه لا يتردد في العودة إلى التمرد وإعلان الثورة على ...قلمي...
 

  ذات أمس

كنت على موعد من نفسي ..أعددت العدة للقاء ..أخذت زينتي ..وضعت ثيابي الفاخرة ..لمعت حذائي ..تأكدت من وجود كل أزرار قميصي ..صففت بقايا شعري ..حلقت ذقني ..وضعت ما تيسر من العطر وتوجهت مهرولا إلى مكان اللقاء ف....لم أجدني...
 

  ذات ليلة

تفقدت هاتفي المحمول فلم أجده ..بحثت في كل جيوبي الظاهرة والعلنية وبين ثنايا ملابسي ..بعثرت كل أشيائي الصغيرة الموضوعة على مكتبي ..دسست يدي في سلة المهملات , فربما كان قد وقع بداخلها ... أبحرت إلى الوراء مجدفا في أنهار ساعات النهار علني أعثر عليه في مكان ما ... هباء...اعتراني حزن غريب وتساءلت ,قرب أي أذن هو الآن ..وأي صوت يستعمله ..أو قد يكون معروضا للبيع في إحدى ساحات الخردة أو إحدى الجوطيات حيث
تصطف المسروقات معروضة للبيع .. وبينما أنا في حيرتي رن هاتفي العزيز أو بالأحرى نهق ..فقد اخترت له من الرنات نهيق حمار ...انتبهت إلى مصدر الصوت فكان ....رأسي...
 

ذات هنيهة

تصاعدت نبضات القلب مني فاجتاحت وجداني رعشة مألوفة بحكم تجارب الزمن في هذا الصدد ,استجمعت قواي أو ما تبقى منها وحاولت تجاهل هذا النبض المفاجئ لمضخة تافهة عضوية الوظيفة ..تكومت داخل رأسي مستنجدا ببرنامج ضبط المشاعر داخل أكبر وأهم وأدق وأرقى كومبيوتر على الإطلاق .
انتهت الهنيهة لأدرك أنني عاشق حتى الثمالة ..وأن للمضخة قوانينها التي تتحدى برمجيات الكومبيوتر المزروع في .جمجمتي.
 

ذات حلم

رأيت فيما يرى النائم أنني أحلم..وداخل حلمي الثاني كنت أحلم.. بقلم رصاص يحلم.. بفض بكارة ورقة بيضاء دون أن يتعرض للمتابعة على فعلته , علما بأن هذه الورقة هي الأخرى كانت تحلم بأن يجهز عليها القلم ليرسم على بياضها الحقيقة ..
أفقت من حلمي الأول فانهارت كل الأحلام التي تضمنها ,سلمت صفحة وجهي لزخات ماء مبعثرة..ارتشفت جرعة من فنجان اصطدمت به قدمي قرب الفراش ..ربما كان هذا الفنجان هو الآخر يحلم بسائل أبيض بدل الكافيين , ناديت على قلمي وطلبت ورقة بيضاء لأكتب الحقيقة بعيدا عن الحلم الأول والثاني ...والمائة ..والألف ...ولكن أية حقيقة ....

 

ذات مقهى

انزويت في ركن مظلم ..طلبت فنجان قهوة خفيفة كالعادة ومنفضة سجائر ..وطبعا كأس ماء وإن أمكن قنينة مبيد حشرات أو صائدة ذباب .......
دقائق قليلة ..توصلت بطلبي متضمنا الفنجان والكأس ولوازمهما ولم يحضر المبيد ... فيما ذبابة لعينة تحوم حولي راقصة يسبقها طنينها المزعج ..وفي غفلة مني هوت داخل الفنجان ليتوقف كل شيء ...
ما العمل ..قالها لينين يوما ..وهاأنذا أقولها ..وحتى الذبابة الطافية على سطح قهوتي ربما ترددها هي الأخرى ..
على جدران المقهى علقت إنذارات مكتوبة تقول ممنوع تدخين الحشيش والمخدرات وأخرى تنبه الطلبة إلى أنه ممنوع مراجعة الدروس داخل المقهى
..ناديت على النادلة الجميلة ..أبلغتها بورطتي مع الذبابة فقالت هي الأخرى ما العمل ونقلت البلاغ إلى صاحب المقهى الذي ابتسم ابتسامة العاجز عن إيجاد حل لسقوط ذبابة في فنجان قهوة أحد زبائنه فرفع كلتا يديه إلى أعلى لأفهم بأنه لا سلطة له على الذباب..
جمعت أغراضي بعد أن كتبت تنبيها بالخط العريض وعلقته بجانب التنبيهات الأخرى ...ناولت النادلة ثمن المشروب الذي لم أشربه وغادرت .
 

ذات وقت
 

عدت إلى نفس المقهى لأتأكد من وجود التنبيه الذي وضعته والذي يقول ممنوع سقوط الذباب في فناجين القهوة ..اطلبوا مبيدا للحشرات من النادلة
..فهالني ما رأيت .. كل كراسي المقهى احتلتها ذبابات من كل شكل ونوع وحجم ..وأمام كل ذبابة فنجان دم وقنينة مبيد بشري ..استدرت بسرعة وعدت أدراجي مهرولا لتنطلق خلفي جحافل ذباب تسبقها سيمفونية طنين وزخات سائل قد يبيدني...
 

 ذات غد
 

س..يفتر ثغر السماء عن ابتسامة في لون سنابل القمح صيفا في حقولنا ..
تزيح الغزالة عنها دثار الليل , تطل من شرفات أفق بنفسجي ...ثم تتوهج .
هكذا هي الشمس غدا ,ستشرق كما هي عادتها وما تعبت صحوا وغفوة.
ذات غد سأفعل نفس الشيء ولن تغضب الشمس لأنها فعلت ما فعلت من أجلي ...من أجلنا نحن الذين ننافسها في ملحمة مغادرة الفراش .
سأقول لنفسي صباح الخير , لست أدري إن كانت سترد بنفس الكلام ..غدا سأغادر الغرفة ,سأرمي بجسدي المنهك نوما وحلما وكوابيس تحت زخات الماء , غدا سأفتح باب الشرفة عاريا ..أقول للفراغ صباح الخير ...أنتبه ..
ستضحك الشمس قبالتي..ألمس في ضحكها نوعا من السخرية والاستهزاء ..تواصل الضحك .أ رتبك..سأتذكر أنه علي أن أضع ملابسي ..والشمس عارية لا تبالي... 
 

ذات هزيع

جلست على حافة السرير منهكا والليل في هزيعه الأوسط ..أردت أن أصرخ فخانني صوتي ..قمت متثاقلا في اتجاه الحائط..ضربت بقبضة يدي على الجدار
ورددت مهزوما أرجوك ..أرجوك , أريد أن أنام كباقي خلق الله أتوسل إليك ...
ولا من مجيب باستثناء ....
قررت أن أضع حدا لهذه الانتهاكات المتواصلة لحقوق أذني فهي المتضررة الأولى من هذا الاعتداء...
عدت إلى حافة السرير متهاويا ..خطرت لي فكرة سأعمل عليها صباحا ..وفي
انتظار ذلك سأبقى رفيقا للأرق الذي يسكن بجواري ...
 

ذات صباح
 

عطلت كل مصالحي ..طلبت إجازة عبر الهاتف..غادرت الغرفة اللعينة والعمارة الألعن وقصدت مكتب محاماة لأرفع قضية إزعاج ضد جاري والذي يشنف أذناي بسيمفونية منتصف الليل على مقام الشخير المتواصل ...
إعصار من الخرخرة يخترق الجدار الفاصل بين بيته وأذني لينغص علي هدوء نومي منتهكا بذلك حقوقي وحقوق أذني الأساسية..علما بأن حنجرته وجلود أنفه هي الأخرى لها حقوق في أن تعزف ما طاب لها العزف ولكن ليس على حساب أذني ...
ابتسم المحامي واعتذر عن عجزه في الدفاع عن أذني المنهارة لأنه بكل بساطة ليست هناك قوانين وتشريعات تحمي أذني من ضجيج الشخير وإن كانت هناك أخرى تحمي من الضجيج عموما... فقط إذا تعالى بعد العاشرة ليلا ...
أسقط في يدي فقررت أن أدخل مصحة الأنف والحنجرة لتعديل أو إرباك جليدات أنفي حتى أتمكن من الشخير نكاية في جاري ... وما فيش حد أشخر من حد . 
 

ذات مقال

كتبت فيما كتبت يوما مقالا يحرض المشاهدين العرب على إلقاءأجهزة تلفزاتهم من النوافذ احتجاجا على سوء إعلامها وعلى تفاهاتها , وعند حلول المساء امتلأت الأرصفة والشوارع والأزقة والحارات وحاويات الأزبال بمآت أجهزة التلفزيون المحطمة عن آخرها ...فانزلقت منها معاجين الأسنان وقطع الصابون وكل أنواع مواد التجميل والمساحيق , فيما تدحرجت آلاف عجلات السيارات وتبعثرت أجهزة الهاتف النقال في كل مكان ...وفي خضم هذه الفوضى تدلت ألسنة الخشب العربية اللاهجة بمنجزات الحكومات العربية , المهللة للأنظمة العربية الراقصة على وحدات ونص المنبطحة عند أقدام الأجساد الملتوية , المؤثثة ل الكليبات المختالة العارية من الحياء ...
وفي صباح الغد تم اعتقال المقال وصاحب المقال بتهمة الإخلال بالنظام العام والمس بالأمن العام وإثارة الفوضى في أوساط الرأي العام الخانع الهادئ الوديع أمام شاشات تلفزاته المكرسة لثقافة التسطيح الغارقة في أساليب التنويم...فتناقلت القنوات الأجنبية خبر الاعتقال ومنحت المنظمات الحقوقية الدولية كاتب المقال القابع في مخفر الشرطة شهادة تقدير واستحقاق ..فيما تكلفت الحكومة بتعويض المواطنين عن خسارتهم فتبرعت بتلفزيون لكل مواطن .
 

  ذات مرة

قرر أحد الاتحادات العربية الفضائية أن تتحول محطة عربسات من مجرد وسيط عربي لنقل الأخبار العربية التافهة ووصلات الرقص العربي ..إلى مركبة فضائية محترمة تستكشف الفضاء وتسبر أغواره منافسة في ذلك الروس والميريكان واليابان ...ولأن طاقم المركبة لم يكن مؤهلا لذلك فقد انقلبت الرحلة إلى علبة رقص فضائية و سوق عكاظ شعري.. ثم فجأة ...توقف أحد محركاتها وبدأ الخلل يدب إلى أوصالها فكان لا بد من هبوط اضطراري في إحدى الساحات العربية ...فكان ذلك لتصطدم المركبة بالحضيض وتبدأ الاستخبارات العربية الأرضية والفضائية في إجراء التحقيقات الأولية لمعرفة السبب الحقيقي وراء هذه الكارثة
 

  ذات حقيقة
 

تجمهر المواطنون حول حطام المركبة التي لفظت أشباه رواد فضاء في حالة يرثى لها يجرون جسد زميل لهم في حالة أكثر من يرثى لها ..وقبل أن يتكلم أحدهم زمجر صوت من بين الحطام وانتفض صاحبه يحمل سيفا وتظهر على سحنته بقايا نخوة غابرة وهو يردد أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ...وأسمعت كلماتي من به صمم ...فتعالت الهمهمات وانتشرت الهمسات ...إنه المتنبي ..إنه المتنبي
ولكن كيف جاء إلى هنا .؟ هل تسلل هاربا من التاريخ ليندس عبر أسلاك المركبة ويجد نفسه في أحضان عرب اليوم ؟..
انتصب واقفا وألقى خطابا قوميا خطيرا صب فيه جام غضبه على أمة مبللة بالعار من الماء إلى الماء ..وفي غمرة بداية ثورته ظهرت دورية أمنية فألقت عليه القبض بتهمة التحريض على ا لتمرد وزعزعة الاستقرار ..ليودع مخفر الشرطة ...والتهمة جاهزة حتى لا تغضب أمريكا الإرهابي أبو الطيب المتنبي في قبضة ..العدالة ..فلتفتح غوانتانامو أبوابها مرة أخرى في وجه المتنبي العائد من غياهب التاريخ على متن ..عربسات .
 

 ذات فجر
 

استقرت قطرة ماء على صفحة ورقة من أوراق شجرة باسقة..وتحت ضغط الهدوء الذي يلف المكان وتمايل الورقة الراقص خلدت قطرة الماء إلى النوم لتجد نفسها داخل متاهة حلم مكاني ,فرأت نفسها داخل غياهب جب تنتظر قوافل العطشى العابرين ..ثم انتقل بها الحلم إلى موقع سد ضخم لتلتقي بملايير من شبيهاتها ..ومنه إلى صنابير مطابخ المنازل ..ثم إلى الجداول والأنهار ..لتنسل عبر جذور النباتات ...وهكذا ....
وفي الصباح تذوقت نفسها فاكتشفت أنها أصبحت حلوة المذاق ...فقد ارتشفتها نحلة لتغمرها سعادة لا توصف لأنها تحولت من قطرة ماء إلى قطرة عسل فيما ملايير قطرات الماء تعاني من الثلوت قرب المصانع والمعامل وعند مطارح الأزبال التي تؤثر سلبا في المياه الجوفية .
وعند شروق الشمس استيقظت القطرة على قرار مفاده كتابة حكايات تربوية للأطفال من 7 إلى 77 سنة بعنوان أحلام قطرة ماء ..مدادها العسل .
 

 

محمد بلغازي غشت 2009




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !