د. نواف الشبلي و التوحيد
فهو ممارسة الحكمة أي تطبيق عملي للحكمة بالحياة و قمة الحكمة هي المحبة اللامشروطة و هذه تدل على أن الفرد قد وصل حقا لرؤية إرادة إلهية خلف الأحداث، فتراه متوحدا مع ذاته و لايرى رسوم أشخاص و لا صور و لا يتأثر بأذى أو حقد أو حسد أو كبر فهو موحد نقي تحول لمرآة صقيلة ستعكس تماما ما بنفوس الآخرين من طبائع ضدية و التي أولها و أعظمها المعاندة و التي يتولد منها الاستكبار و حرارة المعصية و برودة الظلم و أخيرا الجهل و هكذا عندما .
يصبح الجهل قائدا للنفس يقفل الدماغ على هذا الطبع و يصبح بدائرة لينعكس على الفرد بالمشاعر السلبية و الأفكار الهدامة للحقيقة الكونية التوحيدية.
فالتوحيد هو تجربة عرفانية تتم في أي نفس بشرية و من أي دين أو مذهب كانت على مقدار درجتها و الصف المدرسي المتربعة عليه ، فلا يحق لنفس وصلت للصف السابع مثلا أن تنظر بعين السخرية اتجاه نفوس الصف الأول بالحياة فإنها بتلك اللحظة تفقد توحيدها و يتجدد الظاهر بقلبها فتنقلب طاقتها لتقع بمرض تضخم الأنا القاتل و هنا السقوط من على سفح الجبل أشد خطرا من الوقوع بقيعة الفرحين المنهترين على أنفسهم و لذلك قيل بأن المرتدين عقابهم أكبر و أعظم من طلاب الصفوف الظاهرية الأولى.
فالموحد مدرسته كونية عالمية لكونه يقدِّر الكل و يخدم الكل و يحب الكل، فهو يرى نورا متدرجا في نفوس كل البشر و لو أنه غائب ذلك النور عن أعين باقي البشر، و هنا بالذات يصبح التوحيد مصدر إشعاع لكل الأديان و المذاهب فهو جوهرها.
فالتوحيد توحد بداخل النفس مع الذات الواحدة في الجميع و هو تطابق تام بالفكر والقول و العمل يعرفون أنفسهم.
فمن كان متطابقا مع هذا الثالوث أصبح أهلا للنجاح في أول و أعظم المفترضات التوحيدية و التي بها يصح التوحيد و بدونها لن ينفع شيء و هي صدق اللسان الذي من خلال مستوياته كلها كصدق حق يستطيع الإقرار الحقيقي بالصورة بالباري كتجربة رؤية، و ليس كمجرد اعتقاد أو فكرة، و من كان صادقا مع نفسه متوحدا مع ذاته أصبح بشكل طبيعي حافظا لإخوانه و الذين يمثلون كل البشر أو طائفة الإنسانية جمعاء، و هنا ترتفع به الطاقة ليصبح بريئا من عبادة العدم!!!!!
فيعبد المولى موجودا من خلال معاملاته اليومية مع كل الناس و هذا يحتاج لقوة روحية لتنفيذ الدين المعاملة و مبدأ الحكيم ساي بابا(عندما تهين أو تؤذي أو توجه الشتائم للآخرين تذكر بأنك تدعو الألم لزيارة نفسك لأن الآخرين ليسوا آخرين بل هم ذاتك).و مبدأه في أحبب الكل و اخدم الكل و في ساعد ابد ا و لا تؤذِ أحدا !!
و لننظر لواقعنا المعاش ونتفكر بالجهل و الضعف و المرض بكل مستوياتنا، فإذا كان طعامنا الذي نأكله غير متوازن مع العناصر الخمسة و التي هي تجسدات مادية بالكون المادي للحدود الخمسة الروحانية, فكيف سيصح لنا التوحيد، .
و هنا كلمة مايراه الأخيرة قد تقع على تجربة الرؤية الباطنية العرفانية و لذلك لا يمكن أن تصح هذه النظرة التوحيدية بدون صفاء نفس و نقاء فكر و سعة قلب، و الغريب هنا أن الفرد سيحكم على الآخرين من خلال نفسه و ما يراه فالذي سيطر عليه الضد بطبائعه لن يرى سوى الضدية و الأضداد، و من سيطر على نفسه الطبائع العقلية فيصبح بها جميلا فيرى كل ما في الوجود جميلا ... فالموحد لا ينزل عادة لدائرة الضد و إذا حدث و نزل فإنه سيفقد توحده مع نفسه و سيدفع رد فعل كارما بمعاناته لفترة من الزمان.
و لكي يحدث انطلاقة حقيقية ما علينا إلا الانطلاق من التوحيد بنظرته الكونية العالمية أولا و لا يجب علينا الانطلاق من الدرزية فيحدث معنا ما حدث مع أبي جهل و أبي لهب و نشتكين الدرزي ،
إن الذي حدث عبر التاريخ بإتباع هكذا أشخاص ظاهرهم ديانة و باطنهم خيانة كان السبب الرئيس لكل الصراعات الدموية و الطائفية ألم يتآمر جنود الضد على السيد المسيح و الرسول محمد و على الحلاج و أبي ذر و على عمار و الداعي عمار.
تحياتي كتابات د. نواف الشبلي
التعليقات (0)