بقلم: د. رمضان عمر - 2012-03-31 15:26:30 |
ربما تكون مصر لاعتبارات كثيرة واحدة من أهم المحطات التي يمكن- من خلال تسليط الضوء عليها- استقراء حالة الجدل السياسي حول مستقبل التجربة الإسلامية في المشاركة والحكم. فبعد سقوط نظام مبارك، وما تبعه من استحقاقات تستدعي تشكيل حكومة، من خلال صناديق الاقتراع، تتنافس على تشكيلها مجموعة كبيرة من الأحزاب، يمثل الاتجاه الإسلامي غالبية واضحة فيها، أصبحت مصر محطة الانتظار للمراقبين، وساحة جدل كبرى، وعتبة تحول لمستقبل قادم. تجربة الثورة أثبتت أن محاولات التشويه والعزل التي مورست ضد التيار الإسلامي السياسي في محاولة عالمية لعزله، وإبقائه خارج اللعبة لم تفلح بتاتا في إطفاء شعلة الوقود الحقيقية التي تلتف حولها الشعوب، فالقراءات الواقعية تقول: إن الاتجاه الإسلامي في مصر يمثل غالبية حقيقية ولن تستطيع باقي الأحزاب مجتمعة أن تنافس هذا التيار، بل إن نتيجة الانتخابات في تونس أكدت أن ظاهرة التفوق للتيار الإسلامي ليست مقتصرة على مصر وحدها، بل تنجرد على كامل الجغرافية العربية، وأن الإسلاميين هم الأغلبية في أي انتخابات شفافة وحقيقية. وهذا يعني أن قضية الشرق الإسلامي القادم منوطة بتمكين الانتخابات من أن تجري بديمقراطية وشفافية؛ فخيارات الشعوب واضحة، فإذا ما تمت العملية الانتخابية بسلام فالنتيجة شبه الحتمية تقول: المستقبل السياسي القريب لمنظومة قيم إسلامية. لكن هل سيسمح العالم بهذا الاختراق النوعي الرهيب؟ وهل فعلا يوجد في الأدراج الغربية سيناريوهات للتعامل مع هذا الخطر؟ وهل لنا أن نقول إن الغرب لم ينم، وإن أصابعه الخفية ما زالت تعبث بتفاصيل الحِراكات السياسية في المنطقة؟ وإن كنا قد سلمنا أن الغرب لن يدع العجلة تسير إلى الأمام بسهولة وأن عُصيًّا كثيرة قد وضعت في دواليب التشكل السياسي الجديد، فأين نجد تلك المعوقات وكيف نقرأها وما سبل التعامل معها؟ وهل سيفلح الغرب في مطامعه؟ آم أن القافلة نجت، ووصلت إلى شط آمن، وشبت الشعوب الثائرة عن الطوق، وأن الماضي ماضٍ لا عودة له، وأن العالم اليوم لن يشبه العالم أمس؟ لا بد لكل تحليل سياسي آن يرصد الحالة العالمية المحيطة بالتغيرات الإقليمية؛ فموازين القوى التي كانت تحكم المنطقة، وتسيطر على مفردات اللعبة السياسية - ضمن إطار تحالفي كبير تقوده أمريكا وتلعب دور الأفعى فيه إسرائيل- قد اختل وكاد أن يتهاوى، ونظام القطب الواحد في السيطرة ضمن مفاهيم العولمة وغيرها لم يعد واقعيًا، والحروب الاستباقية والتدخلات العسكرية المتتالية والتدخل في تشكيل جغرافية المنطقة بإرادة أمريكية لم يعد ممكنًا بعد حربين فاشلتين، وصعود قوى إقليمية في المنطقة (إيران- تركيا). صحيح أن حلف (الناتو) قد عمل بشكل مباشر في حسم خيارات الثورة العسكرية في ليبيا، وكانت له مآرب في هذا، تتساقط معها النوايا الحسنة، لكن ليبيا اليوم ليست كالعراق، والتواجد الأمريكي فيها ليس حاسما، ويمكن للثورة أن تعيد علاقاتها مع الأمريكان بما لا يسمح باستغلال الثورة وحرفها. واقعية الشرق الإسلامي الجديد لا شك أن مفهوم الشرق الإسلامي الجديد لا يمكن تحققه إلا بتحقق واقع حضاري إسلامي يزيل آثار الهيمنة، ويعيد للأمة هويتها، هذا المفهوم الواسع لأسلمة المنطقة سياسيًا لا يتحقق بمجرد مشاركة أحزاب في واقع سياسي بديل وغير مستقل. هذا المشروع الإسلامي يمثل بديلا حقيقيا لواقع كاد أن يصل إلى ذروته في التغريب والتهويد حينما رسمت أمريكا معالم المنطقة وفق استراتيجية واضحة، أن تفرغ المنطقة من هويتها، وتديرها بإرادة غربية، وتكون للصهاينة اليد العليا. ومن هنا، فإن هذا المشروع لن يتحقق إلا بثلاث ركائز أساسية: • تمكين للمشروع الإسلامي. • إنهاء الهيمنة الأمريكية. • السعي الجاد لإنهاء الاحتلال الصهيوني في المنطقة. فالخطاب الإسلامي الداعي لإقامة دولة ذات صبغة إسلامية، يحتاج إلى تفعيل أدواته تفعيلا يمكنه من تحقيق أهدافه، ذلك أن التحديات الاقتصادية والفكرية والسياسية ليست هينة، وميدان القول غير ميدان العمل، ونحن هنا لا نقلل من قدرة الإسلاميين على إدارة ما بعد الحكم، لكننا نشير إلى أهمية الأخذ بالأسباب وتفويت الفرصة أمام المتربصين. ولعل هذا يقودنا إلى النقطة الثانية، وهي التخلص من الهيمنة الأمريكية التي ضربت جذورها في جغرافيا المنطقة وأصبحت سياسات المنطقة تدور في فلكها. ولا يعني هذا فتح جبهة شاملة مع أمريكا والغرب ولكن بناء إستراتيجية مواجهة تحفظ للمنطقة استقلاليتها. بل لا بد من استراتيجيات كبرى تعيد توظيف كافة الطاقات المتوفرة وصولا إلى الاستقلال الحقيقي المطلوب؛ ذلك أن استقلال المنطقة سياسيا واقتصاديا يمكّن الفكرَ أن يتجذر في الشعوب ويصبح سندًا لتحقق الأهداف المرجوة. أما قضية الاحتلال فهي الشوكة المزعجة، التي لا يمكن تركها، والسرطان المستشري الواجب استئصاله، وما لم تتنبه الأمة إلى حقيقة خطره، وتستعد لمواجهة شاملة تؤدي لقلعه، فإنها ستبقى في الدائرة الضيقة، ولن تستطيع الأمة أن تستقر سياسيًا وتبني مشروعها ما دام هذا السرطان جاثما على صدرها، ومتربعا في أقدس مكان بعد مكة والمدينة يهوده ويدنسه. |
التعليقات (0)