في قراءة متأنية لما يجري في عالم اليوم، الصناعي منه خاصة، نستطيع ان نؤشر بعضاً من الملاحظات بالمقارنة مع ما يجري في بلدنا العراق الذي يجد نفسه في محيط متلاطم داخلياً وخارجياً، والذي يؤدي الى تعطيل قدراته التطبيقية والعملية والتي لم تجد ثباتا على ارض الواقع، ومن تلك الملاحظات:
- ضعف الاحتكاك مع الجامعات والكليات خارج العراق، حيث لا يتأتى ذلك الا من خلال تفعيل آلية الزيارات وعمل البحوث المشتركة للملاك العلمي الذي يقود العملية التدريسية، والذي نراه اليوم محاولات بسيطة لأمد قصير، وبرأينا لا يؤدي الشهر والشهران الى نتائج ملموسة، بل يمكن ان نسمّي ذلك مجرد زيارة تفقدية، ونحن نأمل اكثر من ذلك، ولا بد ان يطالب الزائر أو القائم بالبحث بشيء ملموس يفيد الكلية والجامعة .
- ضعف الورش والمختبرات التي تفيد الباحثين في تحويل آرائهم وافكارهم الى منجز شاخص، والعراق لم يستطع الى الآن تأهيل مجموعة كبيرة من المصانع ذات الفاعلية، والتي يمكن ان تعزز الاقتصاد الوطني، كما لم تضف الدولة أي مصانع جديدة، ويشارك ذلك ما متوافر في الجامعات، حيث ان اغلب المختبرات والورش مازالت ضعيفة لم تواكب مجريات العلم الحديث.
- دعم الافكار الابداعية التي يمكن ان تجعل العراق في مصاف الدول ،وهو في حاجة ماسة الى عمل المؤتمرات واقامة الملتقيات العلمية المحلية والدولية بقصد التعرّف على ما متوافر في العالم، وان كانت هناك فكرة أو هنا فكرة، فهي لا تعدو عن كونها محاولات خجولة تنتظر المزيد.
- في الوقت الذي يستورد العراق اغلب حاجاته الصناعية من العالم بما فيها الذي كان يصنعه مثل الاقمشة والنسيج، فانه فتح الباب أمام السيئ منها لتكون عبئا على المواطن لرداءة النوعية، وحمل المواطن بعدها الاقتصادي في ظرف اجتماعي معقد.
- لم تستطع المنظومة الاقتصادية العراقية من دفع القطاع الخاص للأخذ بالمبادرة العلمية والصناعية وتطوير قطاعه التصنيعي بالطريقة المناسبة، ما دفع اغلبه للتوجه الى اغلاق معاملهم أو للعمل الاستيرادي أو نقل اعمالهم خارج العراق، ومن المعروف بان تشجيع هذا القطاع ودعمه ،يعني دعماً للاقتصاد للقدرة المالية والرقابية التي يتمتع بها، كما ان فتح باب الاستيراد دون التصدير اصاب السوق العراقية بالكثير من المشكلات البنيوية التي لن تعالج بسهولة.
وهناك الكثير الذي لا بد وان تنتبه له الدولة بمؤسساتها العلمية والاقتصادية وتضع الحلول الناجعة التي يمكن ان تعدل المسار باتجاه تعزيز القدرات المادية والعلمية، ان عالم اليوم لا شك عالم علمي وصناعي منتج، ولنا ان نرى أين وصلت الأمم، ولدينا في المنظومة الآسيوية اقرب مثل، وكيف تحولت الى امم صناعية منتجة، وعندما نقرأ التحول الصناعي والعلمي في الصين نجد ان جل التطور حصل بفعل القراءة الصينية العلمية والدقيقة لتاريخ الفنون والحرف على مدار 100 عام وكيف انهم افادوا من التاريخ الصناعي لبلاد كانت زراعية بالاساس، وكيف انهم ارسلوا المئات من الدارسين لفن التصميم الى امريكا واليابان، بينما لم يرسل من الدراسين للتصميم في العراق غير النزر اليسير منهم واحيانا لا يتوافر ذلك، نعم حدثت المعجزة الصينية بفعل الاجتهاد والعمل والمواطنة الصادقة والتشجيع وفهم الدولة لمنطق الاستثمار، ومزجها الذكي للسياسة والاقتصاد (اشتراكي رأسمالي) والذي ساهم كثيرا في استقطاب رؤوس الاموال وتحويل البلد الى بلد يشار له بالبنان، فلم تفقد كرامة ولا تاريخا ولا تقاليد، ان كان هناك رأي، والباحثون في العراق مدعوون للافادة من هذه التجربة ومن تجارب اخرى منها الكورية والماليزية والسنغافورية الى غير ذلك ولا عيب في ذلك ان كان مفيدا لنا، هذا وليس من السهل الاندماج والاحتكاك مع ما يقدمه عالم اليوم الا من خلال الايمان بقدراتنا العلمية والصناعية وتوجيهها بالاتجاه الصحيح، والذي يخدم الواقع العراقي ولن يتحقق ذلك الا من خلال اعتماد المنهج والكفاءة وهما اساس اي تطور.
التعليقات (0)