قبل عدة أيام وفي لقاء تواصلي نظمته شبيبة العدالة والتنمية بإيمنتانوت نصح الشيخ " محمد المغراوي" المعروف بتوجهاته السلفية رئيس الحكومة عبد الإلاه بنكيران بالعمل على نشر الإسلام، واعتبر أن ذلك كفيل بأن يضمن لحزبه الإستمرار في السلطة " حتى تقوم الساعة". ويأتي هذا التصريح الذي أثار كثيرا من الجدل في وقت أصبح فيه العمل الحكومي مدارا للنقد والمساءلة على نطاق واسع. لكن هذه الخرجة الإعلامية للشيخ المغراوي لا يمكن ربطها بظرفية خاصة لأنها تعبر عن توجه مؤسس ومنظم استغل وصول حزب "إسلامي" إلى السلطة ليعود إلى الواجهة تحت يافطة "الوعظ والإرشاد" وذلك على سبيل " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين". وبالرغم من أن ظاهر القول في ما يدعو إليه الشيخ يبدو تعبيرا عن موقف شخصي وليس موجها ضد أي أحد، إلا أنه في العمق يشير إلى أن مشكلة الحسم في العلاقة بين السياسي والديني ستكون جزءا أساسيا في تحديات المرحلة المقبلة ببلادنا.
نصيحة الشيخ المغراوي هذه تفصح عن طبيعة الخلفية التي تؤطر خطاب الإسلام السياسي عموما. فبالرغم من أن مثل هذا الكلام يصدر عن شخص يقبل بآليات الممارسة الديموقراطية وينضبط لقواعدها، فإنه يعبر في الواقع عن رؤية غير ديموقراطية، ذلك أن منح مشروعية الحكم الأبدي لأي حزب سياسي يتناقض بشكل واضح مع المبادئ المؤسسة لتداول السلطة تبعا لما تفرزه صناديق الإقتراع. وعندما يصبح الدين مسوغا للاستمرار في الحكم، فإن ذلك يؤدي إلى مصادرة حق الناس في الإختيار الحر بسند سماوي يصبح فيه " حزب العدالة والتنمية" في حالتنا هذه وسيلة لفرض جبرية سياسية تتخفى خلف الشعار الذي ترفعه مختلف التنظيمات الإسلامية:" الإسلام هو الحل". لكن السؤال المطروح في هذا السياق هو: أي إسلام ترتضيه هذه التنظيمات بالتحديد؟. في تحليل نصيحة الشيخ المغراوي يبدو جليا أن المهمة التي يراد لبنكيران أن ينهض بها هي نشر الدين الإسلامي بين المغاربة. والحال أن مجرد النطق بهذا الكلام يعد تجاوزا للنص الدستوري الذي يتحدث بوضوح عن الإسلام كدين رسمي للدولة. فما الذي يعنيه نشر الإسلام في بلد مسلم؟. المفارقة هنا أن غياب التنصيص على مدنية الدولة في الدستور هو الذي يسمح بهذا الإستغلال السياسي للدين... وهكذا يحق لأي كان أن يؤول كلام الشيخ بشكل يجعلنا نفهم منه أننا نحتاج في هذا البلد لفتح إسلامي جديد حتى نصبح مسلمين، وذلك على المقاس الذي ينسجم مع المنظور السلفي طبعا.
هذا الخطاب الذي يقدم نفسه وصيا على الدين يتخذ من مطلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلوكا ومنهجا. ويقدم فهما محددا للإسلام يجعله مرجعا لا يعلى عليه. ففي شهر فبراير الماضي خرج أحد قياديي العدالة والتنمية ليدعو إلى تخصيص يوم للاحتفال بالعفة والحياء، وكأن الشعب المغربي يعيش أزمة قيم وأخلاق تهدد هويته وكيانه المجتمعي.
مثل هذا الكلام ليس جديدا بالتأكيد، لكن تزامنه مع وصول حزب ذي مرجعية إسلامية إلى السلطة يجعل الأمر يبدو وكأن المشهد العام يتقاسمه توجهان متكاملان، أولهما تفرضه المسؤولية الحكومية لحزب العدالة والتنمية الذي يجب أن يكون وفيا للعرف السياسي كما تنظمه المقتضيات الدستورية، وكما تفرضه التزاماته داخل التحالف الحكومي، ومن تم فهو يعمل قدر الإمكان على تجنب إقحام الديني في السياسي، وثانيهما يقوم بدور دعوي قد يكون مستقلا عن القرار الحزبي، لكنه يخدم خطه السياسي من خلال توجيه الشارع والتحكم فيه عبر دغدغة مشاعره الدينية. وتتجلى خطورة هذا التناغم والتكامل في أداء الأدوار بين السياسي والدعوي في كون محاولة إقناع المغاربة بأحقية توجه سياسي دون آخر لا تتم بالإستناد إلى طبيعة العمل الحكومي وطريقته في التعاطي مع الملفات المطروحة في التشغيل والتعليم والصحة والتنمية الاقتصادية... بل من خلال العزف على أوتار العاطفة الإيمانية وحدها. وهذا يؤدي إلى إقحام المواطن بصفته صوتا انتخابيا في دائرة ضيقة يكون بموجبها الأساس المحدد لاختياره غير مستند على آلية المحاسبة كما تتعارف عليها الدول الديموقراطية، والتي يقوم معيار الوصول إلى السلطة أو الاستمرار فيها على مدى جدية البرنامج السياسي ومواءمته للتطلعات الشعبية، وكذا التنفيذ الفعلي لهذا البرنامج عند تحمل المسؤولية.
إن النصح الذي يمكن تقديمه لحكومة السيد بنكيران بشكل عام ولوزراء العدالة والتنمية بشكل خاص هو الحرص على تنفيذ الوعود والبرامج الإنتخابية وتحقيق تطلعات المغاربة من خلال ترجمة الأقوال إلى أفعال، أما إسلام المغاربة فلا يحتاج لإعادة نظر. محمد مغوتي. 22 – 05 – 2012.
التعليقات (0)