مواضيع اليوم

ديموقراطية البلاد و العباد 3 - رواية -

mariam al sayegh

2009-11-15 16:43:46

0

الله ينصر المخزن

جامع الفنا يا جامع الفنا..ساحة تجمع بقشيش العالم من خلال السياحة و كلمة السياحة أصبحت تشمل ممارسات كانت في الماضي القريب تصنف في خانة الفساد. و ربما التوجه الليبرالي العالمي و كذا بعض التيارات تنتهي أهدافها في نقاط معينة؛آثارها يلتمسها أفراد المجتمع من خلال الديوثية ،التحرر،التبرج،ادعاء الحريات الفردية التي تاخمت الانحلال الأخلاقي و أصبح الإنسان العادي يعيش محاصرا بالفساد و ما أدراك ما الفساد..

تسكع أحمد قليلا بين حلقات الساحة التي فرقت رجليها لثقافات العالم لمزيد من التلاقح و التلاحق..كانت في جيبه خمسون درهما .الغريزة الجنسية تغلبت على كل الغرائز مما دفعه إلى دك الطروطوار جيئة و ذهابا باحثة عيناه عن مومس في مستوى لهفته الداخلية..

اقتنعت عيناه بواحدة ففاتحها قائلا:

-أين يوجد المنزل؟أريد قضاء غرضي في ثلث ساعة و كفى.

ردت المومس و هي على دراية تامة بتجارتها:

مائة درهم..

كان جوابها بتلك الطريقة المختصرة يدل على أنها قد تساهلت في المبلغ.

ربما لمنظرها الكتلوي الجسدي و وجهها المقبول من الناحية الجمالية ما دعاه إلى التشبث بها:

-مائة درهم كثيرة..خمسون هي أحسن ربما..

ردت بتفصيل:

خمسون درهما لصاحبة المنزل و عشرون درهما للعساس (العساس هو الحارس بمعنى ما ؛معروف بسوابقه و شره مهمته حماية منزل الدعارة من مثيري البلبلة و كذلك التوسط لتسليم حصة من المال إلى رجال الأمن..) و ماذا يتبقى لي من مائة درهم ؟ أريد أن نذهب إلى منزل محترم لا يصل إليه البوليس..

اعتذر لها و توجه إلى إحداهن ، كانت ذات كتلة جسدية مستحبة و لكن وجهها غير مستحب لأنه يحيل إلى الفتيات ذوات السوابق في السجن و التعارك بالسكاكين و شفرات الحلاقة.

-خمسون

اتبعني !

جعل بينه و بينها مسافة طويلة لتفادي ملاحظات المارة و زبناء المقاهي المنتشرة على جنبات الطريق.وصلا إلى حي الملاح ، دخلت إلى أزقة و دروب ضيقة فتبعها عن كثب.منزل مهنرىء تنبعث منه رائحة الرطوبة و رائحة مخلفات الدعارة.

هل تريد استخدام العازل؟

-أجل

خمسة دراهم

أعطاها خمسة دراهم و خمسين درهما فخرجت و أحضرت العازل.أزالت الجلباب فانبعثت منها رائحة أثارت القيء في الشاب فتبرم قليلا و أفضى به الحال إلى العجز عن مضاجعتها مما خلف لديه موجة من الذعر النفسي.أراد أن يسترد نسبة من الخمسين درهما لكن المومس رفضت بالمرة و خرج محبطا.                                                                        

توجه إلى مقهى الحاج لتناول وجبة طعام.تبادل التحية مع حسن و تسمر أمام مائدة منعزلة بأحد أركان المقهى.أحضر له حسن وجبة طعام رخيصة و روتينية.التهمها بسرعة و شرع في شرب الشاي .يرتشف بأناة و تذمر و لو تحقق مليميتر واحد من أحلام يقظته هاته لأبيد المجتمع بكامله..

كان الحاج الحقود ينظر إليه بحقد دفين فهو يكره الزبناء الذين يمضون ساعات اليوم جالسين مقابل استهلاك كأس من الشاي.

قال له الحاج بأدب نسبي:

-أيها الولد!احلم في منزل والدك إن كان لك والد أو والدة.الزبناء مزدحمون و أنت تحتكر مائدة لوحدك منذ الفجر.هل أنت أفضل منهم؟

لو كان لأحمد والدان لما دفعته الظروف إلى إمضاء ساعات أيامه بين هذه المقهى و بين مقر الحزب و ساحة جامع الفنا لهذا رفع بصره فوجد الشيخ مصمما على الويل و الثبور مثل ملاك الموت فقال له:

-اذهب بهم إلى منزلك ليتمموا سمرهم و سهرهم هناك حيث ال...

سمع الحاج ما يعنيه أحمد و إذ أنه من عبدة الدرهم فإنه فضل خدمة الزبناء .هم أحمد بالخروج و أجال في دماغه أن كل من ناقشه يتهمه بعديم الوالدين و الأشد وقاحة يصفه بأنه ولد الحرام.

سمع الحاج يقول لحسن:أنت لاتتعرف إلا على المجانين.بداية من اليوم لا أريد أن أرى ابن الزنا هذا هنا!مسموع!

لمعرفته بعبادته للدرهم على حدود بيع الشرف كما لمح إليه أحمد فإن حسن قال للحاج ليهدئ من حقده الدفين نحو هذا الشاب:

-الحاج!أحمد من أوفى الزبناء،هنا هو منزله، يتناول وجباته كلها هنا و هو أفضل في نظري من زبون عابر.

هدأت أعصاب الحاج فوقف أمامه أحمد بقامته المتوسطة و بصق على وجهه ثم قال بلهجة مجنونة:

-أيها الاستعماري!من قال لك بأني ابن زانية؟عليك اللعنة أيها الشيخ الحقير.

ارتمى عليه الحاج و صرخ بأعلى صوته في وجه الزبناء:

-أنتم شهود.إنه يهاجمني في مطعمي و رزقي.الظلم يا عباد الله.هذه هي الفتنة يثيرها أبناء العاهرات.

امسك بعنق أحمد بقوة حتى أشرفت روحه على الرحيل و ترددت تعليقات الحاضرين تحث الشيخ للمطالبة بحضور رجال الأمن.

أمر مستخدمه حسن باستدعاء البوليس عبر الهاتف.تظاهر حسن بالتفريق بينهما ليجد أحمد فرصة للفرار و لكنه لم يفلح.

يتلذذ المتجمهرون بما يحدث و لا أحد منهم تفضل لإنقاذ أحمد من موت محقق.موقف ما فحواه إلا كون المجتمع يتعرض لضغط أعلى بدوره يصرفه في التشفي بمن لا حول و لا قوة له و يبقى المجتمع كله بأكابره و أصاغره يدور في حلقة فرويدية.

ضد دستور المجتمع الخفي تقدم الكابال و هو من أشر مشردي ساحة جامع الفنا،كله خدوشات في الوجه و باقي الجسم.أبعد الحاج عن أحمد بالتي هي أحسن.لكن الحاج بقي متعنتا شيئا ما رغم خوفه من عدوانية الكابال.هذا الأخير وجه لكمة قوية إلى صدغ الشيخ الذي ارتمى جهة الكونطوار.قال له الكابال:

-الله يلعن بوك أنت و المخزن و السلطة.أنت قواد و صهيوني.سأقتلك.

أخرج سكينا من جيبه و هدد المتجمهرين فتفرقوا مثل الحيوانات المذعورة من كوارث الطبيعة و سبهم بأقبح السباب ثم غادر المقهى.استغلوا فرصة انسحاب الكابال فصبوا فرويديتهم على أحمد و أمسكوا به كي لا يهرب.فشتمهم أحمد بكل جوارحه:

-أنتم شعب المرقا ما يتقدم ما يترقا..تريدون أن يتدخل البوليس لأنكم لا تحلون أمور مشاكلكم بأنفسكم.

قال أحدهم للحاج:

-إنه يدعى الكابال!

رد الحاج:

-أعرفه.إنه من أولاد الزنا مثل هذا الأمرد..(مشيرا إلى أحمد)و هو بياع للمخزن(جاسوس).و هو أكبر لصوص السبعينات.

قال صوت من بين المتجمهرين:

-مر على إطلاق سراحه أسبوعان فقط...

بقي أحمد متسمرا بالرغم منه بين متشيعي الحاج الفضوليين.غمز حسن الذي اقترب منه فخاطبه بصوت منخفض.على ضوء هذه الغمزة تظاهر حسن بالاتصال بالكوميسارية لكنه اتصل بمقر الحزب القريب لإخبار الشيخ.من حسن الحظ كان الشيخ موجودا بالمقر من أجل مهمة التحرير الصحفي لجريدة الحزب اليومية...عاد حسن ليخبر الشيخ بأن رجال الأمن لا يحضرون إلا إذا كانت الدماء مراقة يعني أنهم في هذه الحالة المعنوية فإنهم لا يحضرون.

-قل لهم بأن الدم موجود و حتى الروح موجودة.أنا عندي المال لكي يحرروا محضرا على أساس الدم.                                                  

توقفت سيارة الأمن،نزل مفتش شرطة بالزي المدني و شرطي بالزي الرسمي.شاهدهما الحاج فأمسك بأحمد و قال له الشرطي:

-الحاج!حضرنا لحل المشكل و ليس لكي تتخاصما من جديد.ما المشكلة؟

قال الحاج مستعطفا:

-سيدي!أمرته بإخلاء الكرسي للزبائن فرفض و شتمني على مرأى و مسمع من الناس فتدخل أحد المجرمين من أصدقاءه و لكمني هنا.انظر إلى أثر اللكمة!

تسلم منهما الشرطي بطاقتيهما الوطنيتين.تفحصهما و سلمهما لمفتش الشرطة.

قال أحمد بوقاحة:

-الرشوة تصلح كل شيء.الظالم يصبح مظلوما و العكس بالعكس.استعماري ظلمني و هددني بدفع الرشوة لكي يتابعني كما يحلو له.هذا هو المنكر.إذن من عنده المال يسحق البخوش كيفما يشاء.

منع الشرطي الحاج من مقارعة أحمد .أمسك المفتش بأذن أحمد و سأله:هل أنت مناضل في الحزب الديمقراطي؟

رد أحمد:

-لست مناضلا و حاشا أن أكون من ثدييات النضال .النضال هو النفاق و الاسترزاق بأعناق مجتمع البخوش.

تأمله المفتش جيدا قائلا:

-تتكلم بطريقة لا يدعو إليها الموقف.أليس كذلك؟

و لو كانت الطريقة يدعو إليها الموقف فالتطاحن بين طبقات المجتمع ما هو إلا تراتبية في القمع التسلسلي ليس إلا.قال له الشرطي:

-لا يخفى علينا أصلك.أنت مقطوع من شجرة.

احمر وجه الشاب و صمت و الحاج كله ندم، فلأول مرة يحضر رجال الأمن إلى مطعمه و يضيع وقت ثمين ضاعت معه دراهم عزيزة.

وجه الشرطي كلاما نابيا إلى المتجمهرين و على حين غرة أصبحت المقهى خالية من الناس.سار نحو الكونطوار و وضع سبابته على صدغه و قال لحسن متذكرا:

-أهل الكرم يتذكرهم الإنسان رغم توالي النسيان.منذ سنوات أتذكر الحاج رئيس الحزب الديمقراطي كان قد سلمنا مائتي درهم في إحدى مباريات كرة القدم للكوكب المراكشي.كنا عشرة رجال شرطة و عشرين مخزنيا.أما اليوم فقد نالوا الحرية و عصدوها بسوء الاستعمال حتى أصبحت مثل الحريرة المعصدة.أولاد الحرام يعبرون عن مستواهم و لا شغل لهم سوى النميمة.

رد أحمد على الشرطي :

-ليس لرجل الأمن أن ينزل إلى مستوى السجال بين أطراف النزاع و لا أن يبدي مواقفه إزاء أي حدث أو شخص.قم بمهمتك بروتينية صلفة و أكمم فمك.و الأوباش ليس لديهم المال ليسلموه كرشوة مثل الحاج أو غيره.أنا لا أملك المال و حقول الكيف و مصانعه و البارات و الملاهي و العقارات و الشركات مثل حجاج بيت الله.

زاد الشرطي قائلا:

-حققنا كسرة خبز معكم يا رهط سيدنا سليمان!

الشرطي و المفتش ينظران إلى أحمد و يفكران في القمع المناسب الذي يستحقه و أشد ما أثارهما هو طبيعته التمردية التي تحقد على رموز البلاد و العباد و الوطنية و الديمقراطية التشاركية.

-يتشدقون بالديمقراطية و المواطنة و الحرية و يسلموننا جزءا ميكروسكوبيا من الحرية التي هي في الأصل حرية الانحلال الأخلاقي.و يصرخون ملء وقاحتهم في السماء و الأرض بأنهم أعطونا الحرية و ل..

لم يكد ينهي كلامه حتى ناوله الشرطي صفعة قوية شاهد على إثرها النجوم في عز الأصيل و زاد المفتش ليركله بقوة.أراد الاحتجاج فانهالا عليه بالركل و الرفس و الصفع و اللكم..تعمقا في إهانته فأمراه بأن لا يرفع بصره أمامهما فامتثل صاغرا منتصبا في مكانه.علق المفتش:

-تغترون بجمعيات الرفق الانسان و الحقوق و سماسرتها يا ولاد...في حين نحن أقرب إليكم من هذه الجمعيات.إنها مقال بدون مقام.

ظهرت على الحاج ابتسامة الإنفراج،سلم للشرطي مائتي درهم و الذي رفضها قائلا:

-قبل قدومنا إلى هنا سلمنا الحاج خمسمائة درهم للترفق بحماره هذا (مشيرا إلى أحمد) و رغم هذا عاينت نصيبه من التربية.

بكل حماس سلمه مائتي درهم أخرى.

-الهدية لا تغير من سريان القانون.---علق المفتش

و هتف لسان حال الحاج صادحا:

-الله ينصر المخزن.لهلا يخطينا حكام.أنا كمواطن قد أتنازل عن حقي لكن الوطن له حق أقدس من حق المواطن و حقه هو معاقبة الخونة مثل هذا اللئيم.أنا من أسرة المقاومة.حرحرنا البلاد و اليوم ينهرنا أولاد الحرام الخونة.

حركا رأسيهما مجاراة لعاطفته الوطنية و أمرا أحمد للتوقيع على بياض.وقع الحاج بدوره و أعادا إليه بطاقته و قال المفتش لأحمد:

-زرنا غدا بمركز الشرطة لتتسلم بطاقتك.أحرز عليك أنك مررت على وجه الحاج رئيس الحزب.

خرج مطأطئا رأسه و بصق على الأرض فتلقى ركلة قوية على مؤخرته تلاها توعد يقول:

-سنربيك أيها الحمار.

زرع فيه التوعد و كذلك الحرص من رجال الأمن على التنكيل رعبا كبيرا و تابع طريقه متوترا و حاقدا.

علق الحاج من جديد بأعلى صوته:

-الله ينصر المخزن.الله ينصر المخزن.المخزن ليس أبا لأحد و لا يظلم أحدا.

حرر المفتش المحضر و سلمه للحاج الذي قرأه بصعوبة نطقية و باطمئنان نفسي.

                                                                                                                                              يتبع




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !