الديمقراطية كما عرفت هي حكم الشعب للشعب وبالشعب ونظرا لأنه لايمكن للشعب كله أن يحكم نفسه وإلا كان المؤتمر الوطني نسخة من مؤتمر الشعب العام الذي خلقه الطاغية لخنق الديمقراطية وتحريم الأحزاب . لهذ وجد النظام الحزبي لأنه الحل الوحيد لتحقيق الديمقراطية ، ومعرفة ماذا تريد أغلبية الشعب ، مع الأعتراف بحق الأقلية في المعارضة لأبداء رأيها المخالف لسياسة الحكومة . وهذا لا يتحقق إلا إذا جرت الأنتخابانت على أساس حزبي وسياسات وبرامج موضوعة مسبقا . وهذا ما يحصل في الدول الديمقراطية التي نعرفها . اما الأنتخاب على أساس فردي فهو غير ديمقراطي لانه لا أحد يعرف ماذا يمثل هؤلاء المنتخبين سوى ثقة مدنهم ومناطقهم . قد يقول البعض إن النظام الحزبي يقسم البلاد ويخلق حزازات ، وأن الانتخاب على أساس فردي هو الطريق الصحيح لأنتخاب اعضاء لا تربطهم رابطة لكنهم يمثلون كل الشعب . ولهذا كان المجلس الأنتقالي الليبي حائرا بين إنتخاب مجلس يمثل أعضاؤه مناطق ليبيا ومدنها وبين النظام البرلماني الذي يمثل الشعب ، ولهذا قرر المجلس الأنتقالي تخصيص 120 مقعدا لأنتخابهم بالنظام الفردي و80 عضوا لأنتخابهم بنظام القائمة الحزبي . مما جعل المجلس الانتقالي خليطا بين أعضاء يمثلون أحزابا وسياسات وبرامج محددة وبين أعضاء لا تربطهم رابطة سوى المصالح الخاصة ومصالح مناطقهم ، ولا يرتبطون بسياسات وبرامج معينة ، مما جعل من المتعذر معرفة ماذا يريد هؤلاء في المؤتمر . وأصبحت الأنتخابات في المؤتمر الوطني للمناصب العامة تتم عن طريق المساومة لتحقيق مأرب خاصة فردية ومناطقية . الجمع بين الانتخاب بالقائمة والانتخاب فردي مكن بعض المواطنين إنتخاب أكثر من عضو وحرم بعض المواطنين من هذا الحق . وقد حكم القضاء المصري بعدم دستورية هذا الجمع بين النظامين الفردي والقائمة . لهذا لا يعرف المواطنون في ليبيا ماذا يريد مؤتمرهم الوطني ولا يستطبعون فرض ما يريدون على المؤتمر. لأن أعضاء المؤتمر لا يمتلون سياسات وبرامج معينة . كان هذا التناقض مشكلة واجهت المؤتمر الوطني فالمنتخبون على أساس فردي لم يستطيعوا إنشاء كتلة برلمانية واضحة السياسات والبرامج ومدى إختلافها وإتفاقها مع سياسات وبرامج الاحزاب وخاصة التكتلين الحزبيين الكبيرين حزبي العدالة والتحالف مما جعل منهم صيدا للتهديد والمساومة بتلبية مصالح شخصية وإقليمية ومحلية . وهذا ما حصل في إنتخاب رئيس المجلس وإنتخاب رئيس الحكومة مما تعذر حصول أي من المرشحين على اغلبية أعضاء المؤتمر في الاقتراع الاول وإقتصار الأقتراع الثاني على مرشحي التحالف ومرشح المنتخبين على اساس فردي ، وكان واضحا أنحياز ممثلي حزب العدالة مع معظم المنتخبين على اساس فردي لاختيارالشخص الذي جاء في الترتيب الثاني بعد ممثل حزب التحالف في الاقتراع الأول لأسباب غير معروفة ومشكوك فيها ، وهل كان هذا نتيجة مساومات أو ضغط من قوى محلية أو خارجية لان كل من العضوين الناجحين لمنصبي رئيس المجلس ورئاسة مجلس الوزراء من حزب لا يحظى بأكثر من ثلاتة أعضاء في المجلس . إلا أن المنتخبين على أساس فردي إضطروا ألى سحب الثقة من الشخص الذي ساعدوا على ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء بسبب عدم قدرته على تلبية طلباتهم الخاصة وتمثيلهم في الحكومة التي إختارها حسب شهادته . من هذا أرى إن ما أشرت إليه أعلاه من عدم صلاحية الأنتخاب على أساس فردي في النظام الديمقراطي . هذا ما حصل أيضا في العهد الملكي عندما حلت الأحزاب وتحول الأنتخاب لمجلس النواب في ليبيا إلى إنتخاب على أساس فردي ، وأدى ذلك إلى إنتخاب إعضاء لا يرتبطون بسياسة معينة سوى المصالح وأصبحت القرارات تتم بالمساومة بين الأعضاء والحكومة وكان على الحكومات مساومة الأعضاء فرادى تحت الطاولة وتقديم مزايا مالية للأعضاء وخدمات إضافية لمناطقهم للحصول على الأصوات اللازمة لبرامجها وسياساتها مما حرم البلاد من نواب يسهرون على خدمة مصالح الشعب والتعبير عن السياسات التي يطالب بها .
واليوم يطالب بعض أعضاء المؤتمر من ضرورة تعيين حكومة توافقية يرأسها شخص مستقل . وفي الحقيقة أنا لم أفهم معنى حكومة توافقية . فالأحزاب إنتخبت على أساس مبادئ وبرامج ولا أرى قدرتها عن التنازل على سياساتها وبرامجها التي وعدت بها في الحملة الأنتخابية وإلا فقدت ثقة أنصارها . وهل الحكومة التوافقية هي حكومة إنتلاف بين حزبين أو اكثر كما يحصل في الدول الديمقراطية إو شئ أخر. الأنتلاف الحزبي يتم بالأتفاق على تنفيذ برامج وسياسات لا تتعرض من برامج الاحزاب المشتركة في الأتلاف ويكون رئيس الحكومة من أحد هذه الأحزاب . ولكن في المؤتمر الوطني الليبي ممتلي الاحزاب لا يمثلون الأغلبية والمنتخبون على أساس فردي لا تجمعهم سياسة او برامج حتى يتم الائتلاف معهم . أنا لا أفهم كيف يمكن إقناع 120 عضوا إنتخبوا على أساس فردي من قبول شخص مستقل أو من أحد الحزبين إذا حصل ما يعرف بالأنتلاف بينهما ، إلا إذا قدم لهم خدمات ووعود لمناطقهم وتمثيلهم في الحكومة وهذا يخلق حكومة غير متوافقة ومنقسمة على نفسها كالحكومة الانتقالية الحالية . ثم ما معني شخصية مستقلة محايدة ؟ هل يوجد شخص لا مبادئ له ولا يحابي سياسة احد الأحزاب قادرا على تسيير حكومة لتنقيذ برامج وسياسات قد لا يوافق عليها لأهم مرحلة في إعداد البلاد لدولة ديمقراطية مدنية ؟ . أنا اشك في هذا والحل الوحيد هو اللجوء إلى الأنتخابات داخل المجلس من جديد لأنتخاب رئيس للوزراء له حق تعيين وزرائه وإقالتهم وهو مسئول عنهم ولا تسحب منهم الثقة فرادى . ويكون رئيس الوزراء ملتزم بسياسة حكومته التي يوافق عليها المؤتمر قبل حلف اليمين وملزم بتنفيذها ، ولا يجوز للمؤتمر التدخل في عمل الحكومة إلا أذا رأت أغلبية أعضاء المؤتمر مسائلة رئيس الوزراء عن قرارات وسياسات تتعارض مع برنامج حكومته الذي أقره المؤتمر أو مسائل طارئة تحتاج إلى إجماع المؤتمر على معالجتها .
التعليقات (0)