حصل معي
أحب أن أصطاد... أسرار الإنسان...أفتش عنها... في ثنايا الحياة... أقلب جعباتها..أركض وراءها....لألتقطها و أرفع عنها النقاب...ثم أطلق سراحها لتعيش وتتحول إلى حقيقة أخرى، حقيقة أفضل.....
عوالم صغيرة تكشّفت أسرارها... كل مرة ... بلسان طفل بريء... ليست هي الأسرار التي تصطادها آذان الجيران الطويلة أو المجلات الرخيصة... هي أسرار الفكر والقلب والروح، فكر الإنسان وقلبه وروحه... تكشّف بعضها أمامي في إطار هذه العلاقة الطيبة بيني وبين تلامذتي في جو الألفة والراحة الباطنية الذي ينبثق عن هذه العلاقة.
حصل معي أن سألتني تلميذتي: "أنت مسيحية يا آنستي، أليس كذلك؟"
[ما بالها هذه المحتالة، هي تعرف الجواب، سؤالها هذه المرة مدجّج بالألغام]
-"نعم يا مها."
- أيمكنك أن تصبحي مسلمة يا آنستي؟"
[لم تتوقف عند جوابي المختصر، أتراها مصرّة على دخول هذا العالم المحظور في ساعات الدروس.... ]
[ولمزيد من الإقناع أكملت لتقول]
-"نحن السلمون على صواب."
[لم أصدق اذني، كأنها تقول إن المسيحيين شعب ضال، أتجرؤ هذه الطفلة على إهانة معلمة في دينها؟]
[لم تتنظر ردة فعلي، بسرعة أردفت]
- "أنا أريدك أن تكوني على صواب يا آنستي".
[أردت أن أقبل وجنتيها، فهي بالفعل تحبّني، تتمنى لي الصواب، كما تشرّبته من والديها. هي تتمنى الخير لي، على طريقتها]
[جوابي بالطبع لم يكن عقائدي]
- "أنا ولدت في كنف عائلة مسيحية، هذا ما أراده الله لي، [أنا أؤمن بالرب، هذه كانت رسالتي إلى الإسلام فيها] وسأبقى مسيحية، وأنت في كنف عائلة مسلمة وستكونين كذلك إلى الأبد."
توقفت مها عند هذا، هي صغيرة لا تعرف قواعد الجدل ولم تحفظ من كتابها بعد ما يعينها أو يثبت أفكارها.
أتذكّر هذه الحادثة كلما طالعت التعليقات والمداخلات على الصفحات الإلكترونية في المواقع التفاعلية، أرى فيها التشنيع والإساءة إلى الدين، كل يدافع بشراسة عن دينه ويكيل إهانات وشتائم للدين الآخر وكأن الله ليس هو نفسه إله كل الأديان.
أقول لهؤلاء تعلموا الطيبة من هذه الإبنة، من أبنائكم،... ولكنني أتوقف عند أسرار أهلها... وعند نظرتهم إلى الدين الآخر...
الديانة المسيحية والديانة الإسلامية من الأديان السماوية... لا مجال هنا للفلسفات الدينية، ولكن ألا يدعو الله إلى احترام الآخر ... والأهم وفوق كل ذلك...إلى معاملته في إطار رؤية شاملة على أنه إنسان له قلب يحبّ، وعقل يفكر، وروح تتلمس هذا العالم تسعى خلف حقيقة تحيّر الجميع حتى المؤمنين... "سبب وجودنا، وكيف نعيشه" ....مصدرنا هو الله، ولكن ماذا يريد الله تعالى من محبيّه، أن يكرهوا الواحد الآخر على قاعدة الدين؟
لطالما أحببت هذه الطفلة، الغيورة على محبيها، والغيورة على دينها، ولكن أقول دعونا من هذه النظرة التفاضلية، أليس من الأفضل أن نحب الله ونتّقيه بالأعمال الصالحة والمحبة تجاه الآخر، فإن ضلّ أخونا الإنسان نردّه إلى الصواب بالمحبة وبالنية الصالحة والعمل الكريم. وكفانا حروبا وتحاربا وصراخا ونعيق.
التعليقات (0)