ديكتاتورية الحركة الشعبية
أفادت الأخبار التي رشحت مؤخرا من جنوب السودان الذي تسيطر عليه الحركة الشعبية أن الصحفي الجنوبي "بونيفاسيو تعبان كويس" قد تم القبض عليه والزج به في غياهب سجن ولاية بانتيو الكئيب بتاريخ 23 أبريل 2010م حيث تعرض هناك للتعذيب المهين لآدميته والضرب المبرح الذي طال كل مفصل من مفاصل هيكله العظمي النحيل ..
الصحفي الحنوبي "بونيفاسيو تعبان كويس"
وعلى الرغم من النداءات والإحتجاجات والتنديد الذي واجهته سلطات الحركة الشعبية لتحرير السودان في جوبا وبانتيو من جانب بعثة الأمم المتحدة في السودان وكذلك مسئولي حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة ؛ إلا أن جميع المساعي التي بذلت في سبيل إطلاق سراح الصحفي أو مجرد السماح لممثل من حقوق الإنسان أو حتى لأفراد من اسرته بمقابلته قد باءت بالفشل الذريع ....
التهمة التي زج بها هذا الصحفي الذي يعمل مذيعا في إذاعة بانتيو FM هي أنه يعمل بدون تفويض بممارسة الصحافة ....
بونيفاسيو تعبان كويس خلال ممارسته لعمله كمذيع في إذاعة بانتيو
وقد دحض الصحفي المقبوض عليه هذه الكذبة بأنه يحمل تفويضا من إذاعة بانتيو FM على أنه المذيع الرئيسي فيها منذ سنوات ، ودون أن يمسه أحد بسوء خلال تلك السنوات التي أمضاها في عمله بإذاعة بانتيو.
ولكن ما هو السبب الذي جعل سلطات الحركة الشعبية التي تهيمن على الأخضر واليابس وشربة الماء وكيس الهواء في جنوب السودان المقبل على الإنفصال قريبا؟ ..
ما هو السبب الذي جعلها تلتفت إلى هذا الصحفي المغلوب على أمره بعد عمله في إذاعة بانتيو طوال السنوات الماضية؟
دائما ما يقال : إذا عرف السبب بطل العجب.
بونيفاسيو تعبان كويس ... صورة أوضح للوجه
والسبب بكل بساطة أن الصحفي "تعبان كويس" قد كشف بعض المستور تزوير نتيجة الإنتخابات في ولاية الوحدة لصالح مرشح الحركة الشعبية لمنصب الوالي والمدعو "تعبان دينغ غاي" . وتغطيته لمسيرة إحتجاج جماهيرية حاشدة لسكان الولاية ضد هذا الوالي وهذه النتيجة التي جاءت على عكس التوقعات تماما ، والتي كانت ترجح فوز المرشحة المستقلة وإسمها "أنجلينا تيناي" ذات التاييد الجماهيري الكاسح.
من جهة أخرى وعبر إتصال هاتفي أجراه الصحفي المعتقل "تعبان كويس" من داخل المعتقل بواسطة موبايل تم تسريبه إليه سرا (بعد دفع المعلوم طبعا) .. قال تعبان كويس:
أن إعتقاله بحجة تغطيته لمسيرة الإحتجاج ضد تزوير الحركة الشعبية لنتيجة الإنتخابات بولاية الوحدة إنما جاء ذريعة وإنتقاما منه لأنه نشر في العام الماضي تقريرا ضافيا موثقا عن فساد وخراب ذمة والي ولاية الوحدة " تعبان دينغ غاي" ... وقد نشر المقال المشار إليه في صحيفة الخرطوم مونيتور وقتها وأثار حفيظة الوالي فأضمر الكيد للإنتقام إلى أن جاءته الفرصة مؤخرا فلم يتوانى في تحقيق مراده.
وعن المعاملة التي يتعرض لها الصحفي "تعبان كويس" داخل معتقل سجن بانتيو ذكر أنهم يخرجونه ليلا للتحقيق معه ويضربونه بغية تأديبه لما كتبه ضد والي الولاية الواسع الذمة. وعلى أمل الحصول منه على تعهد بتغيير نهجه المعارض ومدح الوالي والمسئولين في كتاباته اللاحقة .... أو أن يكف على اقل تقدير عن كشف فضائح المسئولين المالية والفساد الإداري في ولاية الوحدة أمام وسائل الإعلام في الخرطوم والخارج.
.. وهكذا في الوقت الذي يتباكى فيه ياسر عرمان خادم باقان أموم المطيع على نزاهة الإنتخابات والتعذيب والإعتقال وشمولية الحكم في الشمال ؛ نرى ربيبته وحاضنته الحركة الشعبية تستولي وتسرق وتصادر لجنرالاتها أراضي القبائل الصغيرة المهمشة ؛ ويفعل قادتها وولاتها في ثروات الجنوب وبنوك الجنوب ما لم يفعله قرن الخرتيت في قضبان وفلنكات السكة حديد ... ومن لا يعجبه العجب والصيام في رجب من معارضيها الشرفاء تضربهم وتسلخ جلودهم وتعذبهم عذاب الأدغال الإستوائية ومن لا يأخذه في الظلم لومة لائم.
الجدير بالذكر أن سيرة الحركة الشعبية وسجلها الكالح السواد في مجال حقوق الإنسان وتكميم الأفواه وفساد ذمم قادتها ، قد باتت تزكم الأنوف وتثير قلق منظمات حقوق الإنسان العاملة في المنطقة ......
ولعل قصة الصحفي الجنوبي "إسحاق بيلي" مدير تحرير صحيفة "جوبا بوست" الذي قضى 6 ساعات داخل المعتقل بجوبا لسبب أن جريدته قد نشرت خبرا عن فساد جنرال من جنرالات الحركة الشعبية اقدم على الإستيلاء وبيع أرض شاسعة تمتلكها قبيلة مادي الصغيرة في ولاية الإستوائية إلى مستثمر صومالي .... لعل قصته ليست ببعيدة عن الأذهان.
ومثال ثالث هو الصحفي الجنوبي الآخر "إسحاق فوني" مراسل صحيفة سودان تريبيون فقد أعتقل وزج به في زنزانة إنفرادية ضيقة لمدة 5 أيام ؛ منع خلالها من الأكل والشرب وقضاء الحاجة تأديبا له لأنه نقل تقريرا عن إنهيار "بنك النيل التجاري" لسبب فساد بعض المسئولين في حكومة الحركة الذين لهفوا أمواله على شكل قروض لم يسددوها وأعتبرت ديون معدومة.
هَلاّ حاولت الحركة الشعبية ستر عوراتها المغـلظة الأمامية قبل أن تحاول كشف عورات الآخرين المخففة الخلفية ؟ ..... ....
ألم يحن للحركة الشعبية وعلى رأسها الدينكاوي باقان أموم وخادمه العربي المطيع ياسر عرمان أن يتحلوا بالحكمة ويمارسوا السياسة حتى يناير القادم وفق المثل القائل : "إذا كان بيتك من زجاج فلا تقذف الناس بالحجارة" ؟
التعليقات (0)