دولة يهودية وأفندية - هكذا يريدها الشيخ عوفاديا يوسف
كثيرة هي الحالات التي يقع فيها المتابع العربي للشأن الاسرائيلي في فخ التعميم وفهم التصريحات والخطب اما خارج سياقها الصحيح او الأخذ بها باعتبارها تمثل الشارع الاسرائيلي برمته.. ولتوضيح هذه المسالة اسوق مقالا هو بالتأكيد غيض من فيض نشر مؤخرا في صحيفة يديعوت احرونوت للكاتبة الاسرائيلية عنات غوب، يتناول تصريحا أدلى به مؤخرا الحاخام الاسرائيلي عوفاديا يوسف، تقول الكاتبة عنات :
"اما الاغيار فقد خلقوا لخدمة اليهود.. فنحن والواقع هذا ما علينا الا ان نستريح كالأفندية فيما يعمل الاغيار على خدمتنا.. فلهذه الغاية خلق الله الاغيار"...... هذا ما صرح به هذا الاسبوع الحاخام عوفاديا يوسف.. والعجب كل العجب ان العرش لم يهتز ازاء هذا التصريح، ولم تزلزل الارض زلزالها، ولم تقم الدنيا، ولم تهتز اركان الدولة.. لم ينبس احد ببنت شفة.. لم نسمع اية عبارات احتجاج او استنكار لهذه التصريحات.. ولم ترتعش اقداح القهوة في تل ابيب.. ولم تتطاير القلنسوات كتعبير احتجاجي في المدارس اليهودية الدينية.. لا بل لم يحدث الامر اية ضجة في الصحافة الاسرائيلية.. فليس وحسب ان هذا الخبر لم يظهر على واجهات الصحف، بل اختفى تماما من صفحاتها الخلفية ايضا.. لم يهرع احد من الوزراء لشرح او تبرير اقوال الحاخام المبجل في المحطات الفضائية.. ذاك لان احدا لم يعد يصدق باننا لم نفقه هذه المرة ايضا اقوال فضيلته على وجهها الصحيح..
ولو كان الحديث يدور عن شخصية هامشية ومغمورة وغير نافذة ومؤثرة، لكنا تناولنا هذه الاقوال باعتبارها استراحة كوميدية... لكنا شيخنا يحظى بمكانة مرموقة، وهو الذي يرسم مسار سياسة الحكومة وبالتالي فهو الذي يعكس الوجه الحقيقي لدولة اسرائيل..
اليكم اذاً الرؤية والتصورات التي يعتقد بها بل ويعمل بها ايضا الشخص الاكثر تأثيرا في دولة اسرائيل :
يريدها فضيلته دولة أفندية يسهر الاغيار على خدمتها وراحتها، وكلما رفع هؤلاء الاغيار رؤوسهم قذفنا بهم بعيدا....
اذن نحن لا نتحدث الان عن دولة يهودية وديمقراطية فقد بتنا نتحدث عن دولة عنصرية وظلامية وبدائية لا تعرف الرحمة.. وليس وحسب انها تمارس العنصرية تجاه من هم من غير اليهود بل تعاملهم بوصفهم عبيدا لاسيادهم اليهود احباب الله واشراف الشعوب... على اعتبار ان هذا التشريف الالهي لم يحظى به اليهود بفضل اعمالهم اذ يكفيهم فخرا بانهم ينتمون الى شعب الله المختار...
بل علينا ان نكون سعداء لان فضيلته يتمتع هذه المرة بمزاج جيد جعله لا يدعو هذه المرة الى قتل العرب عن بكرة ابيهم...
وطالما نحن نخوض في هذا الموضوع فمن حقنا ان نسأل شيخنا الجليل لماذا لا يعمل الاغيار فعلا على خدمتنا؟! ولماذا لا يحاربون من أجلنا فيما نحن قاعدون نتفرج كيف يقتلون كرمال عيوننا!؟ آه.. كدت انسى.. في الواقع من اجل هذه الغاية خلق الله العلمانيين....!
وحين يفهم السبب يبطل العجب.. فشيخنا الموقر يمارس حياته اليومية على هذا النحو الذي يذكره في تصريحه فهو السيد المطاع الذي لا يرد له طلب، والجميع من حوله طوع بنانه ويسارعون الى خدمته وساهرين من اجل تحقيق امنياته.. كيف لا ورئيس حكومتنا على هذا الحال من الترهل والتخاذل.. كيف لا ووزير خارجيتنا على هذا التجبر، ووزير امننا على هذا الحال من التقهقر..
فشيخنا والحال هذا لا يزداد الا تجبرا وتسلطا.. فلا صوت يعلو على صوته.. وقد ضاقت به الارض بما رحبت فبات يعيش في صومعته تماما مثل الافندي.. والانكى من هذا ان مليارا من الشواقل تجد طريقها سنويا من بيت المال الى مدارس (شاس) الدينية تكريسا لهذه القيم ... ففي هذه المدارس لا وجود لاجتهادات وشروحات بل تكريسا ممنهجا للجهل حيث هذا هو المبتغى الاخير لأولاءك القائمين على هذه المدارس بغية وأد اية معارضة على اقوال شيخنا قد تصدر عن مريديه... فتراهم ينفذون اقواله بحذافيرها دون ادنى تحفظ او سؤال.. فلو طلب منهم ان يقفزوا عن السطح لفعلوا.. ولو طلب منهم ان يقتلوا لما ترددوا فهم لا يقوون اصلا على مخالفة امره ونهيه..
والامر نفسه ينسحب على دولة اسرائيل في القرن ال - 21 .. فالاله لم يعد موجودا.. فلقد حل محله شيوخ وحاخامات يتحدثون باسمه، فيما رعيتهم تحفظ اقوالهم عن ظهر قلب كما لو كانت كلام منزل ..
فمن اذاً يستنكر هذا الواقع نيابة عن الخالق؟! ذلك الخالق الذي أمرنا ان نتذكر دائما غير ناسين او غافلين باننا كنا عبيدا ذات يوم.. وهو القائل في مواضع عدة "أحب للغريب ما تحب لنفسك".. وهو الذي أوصانا باحترام الذات الالهية وعدم الخوض في محاولة فهم دوافعه.. فمن الذي يتجرأ على حذف الوصية الثالثة من الوصايا العشر والتي تحذر من المساس بالذات الالهية... واذا كانت الوصية الثالثة قد حذفت فلم لا تحذف الوصية الاولى ايضا؟ لماذا لا يحل مكانها وصف لما يحدث في زماننا كأن يكون النص على هذا النحو :
"انا الحاخام عوفاديا يوسف الذي أخرجك من ارض مصر.... وحدي لا شريك لي، لا تعبد آلهة وحاخامات سواي.... حُرمت عليك التماثيل والصور الا من صور عوفاديا يوسف لا يخلو منها بيت ابدا.. ولتكن فرصة لتغيير النشيد الوطني ايضا بان يقرأ على النحو التالي : لم نفقد املنا بعد .... بان نكون أفندية في بلادنا.."
يقول الشاعر الكبير ايهود منور : "لن أصمت ابدا وبلادي تغير ملامحها"... ان بلادنا اليوم تعمل باضطراد على تغيير ملامحها لدرجة ان آباءنا لو التقوا بها على قارعة الطريق لما تعرفوا عليها..
وما زلنا صامتين. نصمت تاركين الساحة لسيادة الحاخام عوفاديا يوسف الذي لم يسكت يوما عن الكلام المباح.. مشوها بكلامه حلم هرتسل وبن غوريون وجابوتنسكي الذين ذاقوا علقم الزمن القاسي حالمين بدولة على منهاج انبياء اسرائيل.. ذلك المنهاج النبوي الذي يكفل الحرية والعدل والمساواة لكافة المواطنين دون تفرقة بين عرق ودين وملة.. دولة تكون مبعث نور للامم.. تلك الامم التي يريد لها الشيخ ان يبقى ابناءها عبيدا لنا فكيف تستوي العبودية مع السير على هدى النور الذي ينبعث منا.. سنكتب في وثيقة استقلالنا ان دولتنا التي قامت على ارض سيدنا وجدنا اسرائيل انما هي دولة افندية... يا له من عار ..
الى هنا اقوال الكاتبة عنات غوب.. واكرر: ان المتابع العربي يقع حتما في شرك التعميم والمغالاة باستخدامه عبارات رعناء من قبيل دولة الحاخامات، ودولة ابرتهايد، ودولة عنصرية، ودولة فاشية وما الى ذلك من العبارات الرنانة التي اقل ما يقال عنها ان مردديها يجهلون الواقع الاسرائيلي تمام الجهل.. فدولة ابرتهايد ما كانت تسمح للنائبة العربية حنين زعبي بان تصول وتجول في برلمانها.. والشيخ عوفاديا وان كان يؤثر على صانعي القرار الا انه لا يمثل سوى مريديه.. والنهج الديمقراطي والعلماني ما يزال هو النهج السائد والراسخ وسيد الموقف وصاحب الكلمة الفصل في دولة اسرائيل ..
دمتم بود ..
التعليقات (0)