دولة غزة. في الرابع عشر من يونيو ( حزيران) 2007 أصدرت السلطة الوطنية الفلسطينية مرسوما رئاسيا، يقضي باقالة حكومة " اسماعيل هنية "، وذلك بعد خلافات حادة بين قطبي المشهد السياسي الفلسطيني : حماس و فتح. وكان هذا الاجراء مقدمة لصفحة جديدة في التاريخ الفلسطيني الحديث. حيث بدأ الخلاف داخل الصف الفلسطيني ينذر بحرب أهلية، بدت شرارتها واضحة بعد ذلك عندما حدثت عدة مواجهات مسلحة بين ميليشيات الطرفين المتصارعين.
كان مرسوم الاقالة المذكور ايذانا بالقطيعة بين المعسكرين. وكانت مؤشرات القطيعة مهيأة سلفا على أرض الواقع، فالسلطة الفلسطينية تبسط سيطرتها على الضفة الغربية التي تعتبر المعقل الرئيسي لحركة " فتح "، بينما تنفرد حماس بقطاع غزة الذي يمثل عمقها الانتخابي والشعبي الاستراتيجي. وهكذا تشكلت ملامح مشهد فلسطيني متناقض : جناح سياسي منضبط لمسار عملية السلام ( فتح )، وجناح عسكري يرفع شعار المقاومة المسلحة (حماس) ( والمفارقة أن للحركتين معا جناحين: سياسي وعسكري، لكن الأولى ألقت السلاح، والثانية رفضت الحوار)... وهكذا أدى هذا الوضع الى قيام دولتين( بعدما كان الفلسطينيون يحلمون بدولة واحدة)، وباسم الشرعية ظل كل طرف متشبثا بمواقفه، وغير مستعد للتنازل عن شروطه...
تتفق الأدبيات السياسية على أن مفهوم الدولة يشير الى: " مجموعة من المؤسسات السياسية والقانونية والعسكرية والادارية والاقتصادية التي تنظم حياة الفرد والمجتمع داخل مجال ترابي محدد ". انها شروط ضرورية للحديث عن الدولة، بغض النظر عن سؤال المشروعية. وعندما نتكلم عن " دولة غزة " فذلك ينسجم مع الرؤية العامة التي تحدد مفهوم الدولة. فمنذ اقالة حكومة هنية، انصرفت حماس الى الاستفراد بقطاع غزة، وبسطت سيطرتها عليه بيد من حديد، في ما سمي في حينه انقلابا على الشرعية، حيث أجرت سلسلة من التدابير التشريعية والأمنية كرد فعل مباشر على مرسوم اقالة حكومتها. ومنذ ذلك الحين لم يعد لسكان غزة أي ارتباط بالسلطة الفلسطينية في رام الله، فلا صوت يعلو على قوانين حماس... ولأن لكل دولة سقطاتها، فقد كانت سقطة حماس الأولى هي وضع نفسها في دائرة معزولة باجراءاتها الانفرادية داخل غزة. أما سقطتها المميتة فكانت استمرارها في مشروع المقاومة، وهي الخطوة التي استغلتها اسرائيل جيدا فأحالت القطاع الى خراب ودمار شامل في يناير 2009 وسط صمت عربي واسلامي مطبق، راح ضحيته الآلاف من الأبرياء.
ويبدو أن حكومة حماس المتحكمة في مصير أكثر من مليون شخص في غزة ماضية في مشروعها نحو " فك الارتباط " مع الضفة، لكن المهمة تقتضي بناء داخليا متماسكا. وفي خطوة تعني أن حماس قد استفادت من درس الحرب الاسرائيلية الأخيرة على غزة أصدرت الحكومة بيانا يتوعد مطلقي الصواريخ من غزة الى اسرائيل، وهو ما أدى الى كثير من الخلافات مع حركات أخرى تتبنى مشروع المقاومة وفي مقدمتها حركة " الجهاد الاسلامي ". واذا كانت حماس تراهن من خلال هذه التدابير على الجانب الأمني ، فان المشكلة الأساسية تكمن في الموارد المالية في ظل حصار يحبس أنفاس الغزيين في كل مرة. لذلك لجأت السلطة المالية في حكومة حماس الى اجراءات متعددة لتحصيل هذه الموارد. وهكذا سحبت من " بنك فلسطين " خلال مارس الماضي ما يناهز 430 ألف دولار بقرار قضائي، وأصدرت عددا من التدابير لزيادة الضرائب على البضائع التي تأتي عبر الأنفاق، وآخرها ضريبة على السجائر المهربة، بالاضافة الى عدد من الضرائب الأخرى التي تثقل كاهل الغزيين (المغلوب على أمرهم والذين يدفعون ثمن الخلافات الضيقة للسياسيين..). وكانت حكومة هنية قد أقرت مع مطلع السنة الحالية موازنة مالية بقيمة 540 مليون دولار، تعتمد في تحصيلها على المساعدات الخارجية من ايران وحركة الاخوان المسلمين والهبات والتبرعات.
هي دولة اذن بمقاييس الأدبيات السياسية، لكنها دولة الهبات والعطايا والميليشيات. دولة الأمر الواقع. وهو واقع استفادت منه اسرائيل بشكل كبير. حيث منحها الاقتتال بين الفرقاء الفلسطينيين اجازة طويلة ومدفوعة الأجر في انتظار المصالحة التي يبدو انها غير واردة في المستقبل المنظور. محمد مغوتي. 22/04/2010.
التعليقات (0)