ماهر حسين.
يحظى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أرد وجان باحترام واسع لدى الجماهير العربية كما أنه يحظى باحترام خاص لدى الشعب الفلسطيني وبشكل خاص شعبنا الفلسطيني في غزة فالرجل صاحب كاريزما وصاحب موقف مبدئي بالعديد من القضايا وعلى رأسها قضية حصار أهلنا الكرام في غزة .
حالة الإعجاب العربي والفلسطيني برئيس الوزراء التركي ليست حالة غريبة أو طارئة وبل هي ظاهرة تتكرر بين فترة و أخرى وترتبط بأحداث في المنطقة و ببعض المراحل رأينا متناقضات وأمور بحاجه إلى تفسير حيث ترافقت شعبية الرئيس العراقي صدام حسين مع شعبية حسن نصرالله ويظهر هنـــا اختلاف كبير بين الأشخاص من حيث التوجه والموقف فصدام حسين ضد العدوان على العراق وحسن نصرالله بحكم علاقاته الحزبية الطائفية في العراق فأنه مع التدخل الأمريكي وبل أن محازبيه بالعراق جاؤوا ليحكموا العراق على الدبابة الأمريكية بلا أي انتقاد منه ولا ننسى بأنه ولاحقا" لذلك قام أتباع نصرالله بتوزيع الحلوى احتفالا" بإعدام الرئيس العراقي ومع ذلك فلسطينيا" وجدنا من يضع صور الرئيس العراقي وحسن نصرالله بنفس الوقت !!!! هذا بحاجه إلى تفسير ومحاولة فهم العقلية الفلسطينية ويجب أن نقف عند طبيعة التفكير حيث من الظاهر بأن المجتمع بحاجه إلى وعي اكبر بالأحداث والى مصارحة بالمواقف ...على كلا" سابقا" لأردوغان تربع حسن نصرالله على عرش الجماهير إعجابا" وتأييدا" فكان لحسن نصرالله جمهور واسع ومعجبين كُثر ولكن ازدواجية مواقف حسن نصرالله وحزبه وتجاوزاتهم بلبنان وتبعيتِهم المكشوفة لإيران الباحثة عن مصالحهـــا بأبعادها الطائفية بالإضافة كارثة تأييد حسن نصرالله وحزبه للنظام الحاكم بسوريا أدى كل ذلك إلى تراجع تأييد حسن نصرالله وخاصة بأن الشعب السوري وبشكل خاص من معارضي النظام قاموا بإحراق صور حسن نصرالله وحرق أعلام حزبه تعبيرا" عن رفضهم لمواقف حسن وحزبه .
نعم ...تراجعت شعبية نصرالله وزادت شعبية اردوغان بشكل كبير وخاصة بعد طرد السفير الإسرائيلي من تركيا وتكرار مواقف أردوغان الداعمة لغزة والداعية لرفع الحصار الظالم عنها .
و طرد السفير الإسرائيلي لم يأتي فجأة فلقد جاء بعد ما يقارب العام من أحداث سفينة مرمره والاعتداء الإسرائيلي عليها وهذا يشير إلى طبيعة السياسة التركية فهي سياسة بعيدة عن الانفعال وردود الأفعال المتسرعة فقد حاولت تركيا وبكل الطرق السياسية والدبلوماسية أن تتعامل مع التجاوز الإسرائيلي لإيجاد مخرج للموضوع يحفظ هيبة تركيا ويعزز دورها بالمنطقة ومن هنا عرضت تركيا على إسرائيل تجاوز الموضوع بأكمله بالاعتذار لتركيا والتعويض لأسر الضحايا في سفينة مرمره ومارست تركيا ضغوطا" دبلوماسية وشاركت بلجنة التحقيق الدولية المسماة (لجنة بالمر ) وعندما فقدت الحكومة التركية الأمل باسترداد الكرامة التركية قامت بطرد السفير الإسرائيلي وهو ما أشار بوضوح إلى تدهور غير مسبوق في العلاقات الإسرائيلية التركية وهذا مؤشر أخر على تزايد عزلة إسرائيل التي تتصاعد يوما" بعد يوم بفعل مواقف حكومتها المتطرفة والغير واعية لأصول العمل السياسي وللمتغيرات الحاصلة بالمنطقة .
الموقف التركي وطرد السفير احتاج إلى ما يقارب العــــام ...هذا هو منطق السياسة هنـــاك فالدولة لا تستعجل ردة الفعل ولا تستعجل اتخاذ المواقف والقرارات ولكنها أذا أخذت القرار فإنها تأخذه بكل قناعه وإيمان وبما يعزز من جدية تعامل الآخرين مع مواقفها بالإضافة إلى مراعاة رئيس الوزراء أردوغان لموقف الشعب التركي ومزاجه العام في هذه القضية وبهذا السياق المرتبط بردة الفعل التركية والوقت اللازم لها فأننا يجب أن نتفهم بوعي الموقف التركي من سوريا الآن وحيث أنها القضية الأهم بالمنطقة فسوريا وثورة شعبها الساعي للحرية وللديمقراطية والباحث عن العدالة الاجتماعية تعتبر قضية كبرى بالمنطقة وتمس تركيا التي يتطلع لها ثوار سوريا بأمل لنصرتهم ويتطلع لها نظام بشار الأسد بارتياب ومنذ اليوم الأول للإحداث تفاعلت تركيا مع الحدث وتطور الموقف التركي من محاولة تجاوز الأزمة بالتعاون مع الرئيس بشار ونظامه إلى أن رفض الاتصال بنظام بشار حيث أشار رئيس الوزراء التركي في 9 سبتمبر الحالي بأن (من جاء بالدم لا يخرج إلا بالدم ) وكان هذا الموقف تعبير حقيقي عن ما يمكن أن يكون عليه شكل رحيل الرئيس بشار وأشار كذلك السيد رجب طيب أردوغان (بأنه ليس على اتصال بالأسد ولا يرغب بالاتصال به )!!! والموقف التركي هذا عزز عزلة النظام السوري وجعله مكشوفا" أمام الغرب وقراراته !!!!ولكن هل سيتوقف الموقف التركي هنـــا!!! هل هذا هو رد الفعل التركي الوحيد أم أن القــــادم على صعيد سوريا أكبر !!! اعتقد بان مطالبات الشعب السوري الثائر لتركيا باتخاذ مواقف أكثر فاعليه ومطالبات شعب سوريا بتواجد الرقابة الدولية تشير إلى أن الدور التركي قادم لا محالة .
فالقادم حسب ما يراه شعب سوريا يجب أن يكون مرتبط بالخارج ليكون هناك دعم خارجي لحركة الشـــارع والخارج يثير الارتياب فمنه الاستعماري المرفوض ومنه الأمريكي المتناقض والمرفوض شعبيا" وخاصة بظل مواقف أمريكا المنحازة مع إسرائيل والرافضة لإعلان دولة فلسطين وخاصة أن الدعم الخارجي عربيا" ضعيف وغير مؤثر وبهذا يكون خيار الرقابة الدولية والتدخل الخارجي يقوم أساسا" على تركيا بشكل أساس وخاصة أن تركيا الآن تحررت من إسرائيل وعلاقتها معهـــا...وهنا ادعوكم للانتباه إلى القادم ومحاولة معرفة ما سيكون عليه الموقف التركي من قوه .
فالموقف التركي من إسرائيل وطرد سفيرها يمنح الفرصة لتركيا لان تأخذ موقف فاعل ومؤثر من نظام الأسد ولكن هذا يحتاج إلى مزيد من الوقت ليتبلور هذا الموقف وعلى قاعدة صمود الشعب السوري الأبي الذي أسقط الأصنام وثار من أجل الحرية والعدالة .
ما سبق هو مدخلي للتعامل مع التطورات الجارية في مصر الثورة فلقد تسارعت الأحداث هناك منذ الاعتداء الإسرائيلي على الجنود المصريين حيث تم اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة وقد شكل هذا الحدث أساس لتحليلات جديدة تشير إلى ضعف الدولة المصرية ممثله بالجيش والحكومة وكما أن هذا الحدث أشار إلى حالة الهياج الجماهيري التي حصلت بفعل الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على جنود مصريين فلم يعد من المقبول لدى الشعب المصري أن يتم التعامل مع الأمور بمنطق الصبر والانتظـــار فالمطلوب بالنسبة لشعب مصر الثائر أن يكون هناك موقف من قبل الدولة المصرية ممثله بجيشه و حكومته وهنا أشير إلى أن ثورة مصر لم تقم بسبب كامب ديفيد أو على خلفية قضية فلسطين حيث أنها قامت على خلفية مطالبات الشعب المصري بالحرية ومواجهة الفســاد ولكن هذا التطور الخطير الحاصل بمصر نتج بعد الاعتداء الإسرائيلي على جنود مصريين ورفض إسرائيل للاعتذار وقد يشكل ما يحدث هذه الأيام فرصه للانقضاض على ثورة مصر وإضعاف الدولة المصرية وكنت أتمنى أن يكون الشعب المصري واعيا" لضرورة أن يهتم بإنضاج تجربته الديمقراطية الثورية لنكون معا" على أعتاب الجمهورية المصرية الجديدة التي سيكون للشعب كلمة مسموعة بها عبر الانتخابات وعبر ممارسته لحقه واقتحام السفارة الإسرائيلية وهذا الاستعجـــال الشعبي للموقف ناتج عن غياب الطليعة الحزبية وناتج عن حالة إحباط شديد من عملية السلام على المسار الفلسطيني وعلينا الحذر منـــ تراكم ما يحدث الآن فمصر كلها تقف على أعتاب التوريط !!!! ...وبمقارنة بسيطة بين الموقف التركي الرسمي والموقف المصري الرسمي فإننا نقول بأنه كان من الأفضل لشعب مصر ولثوارها منح مزيد من الوقت للحكومة المصرية لاتخاذ موقف وكان على الحكومة المصرية أن تبادر للتحقيق في الأحداث ومقتل الجنود وأشير إلى أنني ما زلت أرى ضرورة أن نمنح مصر فرصتها للتقدم بالعملية السياسية والاقتصادية التنموية لتنجح الثورة والدولة والشعب بالعبور الجديد والعبور الأهم .حيث العبور من نفق الفوضى والانهيار والفساد والتوريث إلى أفاق الجمهورية المدنية الديمقراطية القوية .
وكما أن على شعب مصر أن يحذر مما يحصل من انهيار للدولة وعلى شعب مصر العظيم أن يعلم بان المقارنة بين الموقف التركي والمصري مقارنة ليست صحيحة فتركيا مستقرة وجيشها بثكناته ومع كل ذلك أخذت عام كامل لتطرد السفير الإسرائيلي ...ونهاية أقول بان مصر بحاجه إلى أن يتكاتف كل شعبها بكل فئاته وان يتلاحم الشعب والجيش للعبور من هذه المرحلة ليتم إجراء الانتخابات وليعود الجيش إلى ثكناته ولتبقى راية هذا الجيش العربي الأصيل خفاقة ..فالجيش المصري راية نصر مرفوعة في عقول وقلوب كل المصريين والعرب وجيش مصر وشعبها يشكل المثال لكل الجيوش والشعوب بالمنطقة فها نحن نرى ما يحدث بسوريا والفارق الكبير بينه وبين ما حدث بمصر .
أخيرا" نرجو لتركيا دوام التقدم بما يحقق طموح الشعب التركي وبما يعزز العلاقات العربية التركية ونرجو بكل حب لمصر التوفيق والنجاح بما يحقق طموح الشعب المصري ولتبقى مصر راية العرب المرفوعة والمثال للتقدم والازدهار.
الدولة طردت السفير بتركيا والشعب يؤيد القرار ....الشعب أقتحم السفارة في مصر والدولة تراقب ....في تركيا لا نخشى على الدولة ولا على الشعب وفي مصر نخشى على الدولة ونحترم الشعب العظيم.
التعليقات (0)