اللهم قد بلغت
دولة الرفاهية بالمغرب حُلم بعيد المنال
مع فجر الاستقلال حلم المغاربة بدولة الرفاهية آنذاك كان يقال أن الفوسفاط سيوفر لكل مغربي ما يعادل ثلاثون درهماً يومياً وهو جالس في بيته، وقد راجعت هذه الفكرة في العديد من الخطابات الجادة على لسان أكبر المسؤولين ببلادنا.
لكن مع مرور الوقت لم يعد المغاربة ينتظر بزوغ دولة الرفاهية بالمغرب وإنما فقط الحفاظ على بعض المكتسبات على قلتها، التي حققوها عندما اتضحت الصورة وأضحى الحلم بغد أفضل في ظل مسك خونة الأمس بزمام أصبح مستحيل التحقيق
هكذا سقط الحلم في الماء، حلم دولة الرفاهية الاجتماعية، والتي من شأنها توفير عيش حسن، أي أكثر من ظروف العيش الكريم يعني مرتبات كافية وتأمين وتغطية صحية لكافة المواطنين وضمان الخدمات العمومية الجيدة. وقتئذ كان المغاربة ينتظرون اهتمام القائمين على الأمور بالمنفعة الشاملة التي مفادها أن جميع المواطنين يستفيدون من الحماية الاجتماعية من المهد إلى اللحد. فهل دولتنا اهتمت فعلاً بحماية المواطنين اجتماعياً؟ إنه سؤال ظل مغيب.
في واقع الأمر إن حلم المغاربة في فجر الاستقلال انطلق من نظرة اجتماعية إنسانية قوامها توفير العيش الكريم للمواطنين ورفاهية المجتمع.
وهذا يعني ضمان جملة من الخدمات والتأمينات ومنها التعليم، فهل تعليمنا العمومي يستجيب فعلاً لمفهوم دولة الرفاهية الاجتماعية أم أنه أضحى اليوم يشكل جزءاً من المشكل عوض أن يكون جزءاً من الحل؟
ومنها أيضاً الصحة، فهل المغربي العادي مطمئناً عن صحته وصحة أبناءه اعتماداً على منظومتنا الصحية، أم أن هذا الأمر أصبح مقتصراً على أقلية قليلة لا تكاد تبين من المغاربة، في حين أن السواد الأعظم، فهم متروكون لحالهم؟
ومنها أيضا التأمينات الصحية ضد العجز والتغطية الصحية والاجتماعية فكم هم المغاربة المستفيدين من هذه الخدمة؟
بين حلم المغاربة والواقع، فهل دولتنا لعبت الدور الأساسي المنوط بها في توفير الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للمغاربة؟ واقع الحال المر كاف وزيادة للإجابة الشافية على هذا السؤال.
لكن هل يستقيم الحلم بدولة الرفاهية الاجتماعية وتكريس آليات الفقر وإعادة إنتاجه بشكل أوسع وأعمق؟ وهل يستقيم هذا الحلم والبطالة البنيوية والفساد "المستدام" كنهج للتدبير والتسيير؟.
ففي الوقت الذي ظل فيه المغاربة يحلمون بدولة الرفاهية الاجتماعية، كان حلم القائمين على أمورهم مخالفاً بالتمام والكمال، حيث كانوا يحلمون بالدولة الحارسة.
في الواقع اعتمد القائمون على الأمور بالمغرب منذ البدء على مفهوم الدولة الحارسة لضمان استمرار واقع حال قائم ومنظومة قائمة، ويتمحور دورها الرئيسي في وضع القواعد والمسلكيات والسلوكيات والقوانين والمؤسسات ومنظومة العلائق لصيانة الثروات الوطنية وآليات التحكم. وبذلك تم إخضاع المغاربة وحقوقهم إخضاعاً كاملاً لمبتغى واحد لا ثاني له، وهو استدامة منظومة بنيوية مجحفة اجتماعياً واقتصادياً.
لقد تم ترسيخ وتكريس هذا المنظور في مختلف المجالات والميادين. وهذا المنظور هو الذي أعدم مختلف العوامل التي كان من شأنها أن تجعل الحلم بدولة الرفاهية الاجتماعية مستمراً. وبذلك أصبحت أغلب أقوى المجموعات الاقتصادية بالبلاد لا تساهم في التنمية و إنما مؤسسة على تحقيق أرباح على ظهر الشعب، وكذلك الاستفادة إلى أقصى درجة ممكنة من أمواله دون مقابل عوض المساهمة –ولو بالقدر الذي تسمح به الليبرالية المتوحشة- في إرساء لبنات مجدية ودائمة لتفعيل آليات تنمية فعلية وللتأكد من هذا الأمر يكفي النظر إلى مدى اتساع دوائر الفقر الذي أضحى يهدد بقوة حتى الفئات الوسطى، وهذا أمر خطير جداً وجب الانتباه إليه قبل فوات الأوان، وذلك من شأنه أن يهدد فعلاً الاستقرار الاجتماعي الهشّ القائم أكثر مما تهدده الحركية الاجتماعية الواسعة المدى على امتداد السنوات الأخيرة.
والحالة هاته لقد تأكد، بما فيه الكفاية وزيادة، فشل السياسات المعتمدة أو التي في طور الاعتماد، وعدم جدوى النماذج التنموية التي تم إقرارها. كما انكشفت بجلاء عدم فعالية المقاربة الأمنية والحل الأمني الذي لازال معتمدا إلى حد الآن. ويبدو أن القائمين على أمورنا لم يستوعبوا بعد الأمر رغم أن النتائج شاخصة أمام أعينهم.
وفي هذا النطاق، من القضايا التي يستعصى فهمها حقاً، هذه النازلة. ففي الوقت الذي تتراكم المشاكل ويزداد الوضع الاقتصادي والاجتماعي لأوسع الفئات تدهوراً الشيء الذي يدفع الغاضبون إلى الاحتجاج والتظاهر والإضراب للمطالبة بحقوقهم المشروعية الأكيدة والعمل على انتزاعها، أقول في هذا الوقت، تخرج علينا الحكومة –على لسان ناطقها الرسمي- بتلميحات واضحة إلى إمكانية الإقرار بالاقتطاع من أجور الموظفين الممارسين لحقهم الدستوري في الإضراب دفاعاً عن مصالحهم بعدما تبين أن الوعود بدأت تسقط في الماء.
وهذا يجرنا إلى تساؤل آخر: هل يحق للحكومة أن تعتمد مثل هذه القرارات التي تعارض وتناقض مقتضيات دستورياً؟
الجواب المنطقي هو لا لكن ما دمنا تحت لواء دولة الحراسة على استدامة منظومة قائمة وواقع حال مكرّس منذ سنوات، من الممكن أن يقع مثل هذا التجاوز ولو كان يعارض أعلى قانون في البلاد الدستور. ولعلّ هذا وجه من وجوه الاستثناء المغربي.
وخلاصة القول، إن حلم المغاربة –دولة الرفاهية الاجتماعية- أضحى اليوم –أكثر من أي وقت مضى بعيد...بعيد...بعيد المنال، وليس هناك في الأفق –ولو البعيد- أي مؤشر فعلي صادق لتحقيق تنمية حقيقية في مختلف أرجاء المغرب الذي مازال بعض القائمين على الأمور يصرون على تقديمه كجنّة لكن دون توضيح، جنة بالنسبة لمن؟ كما أنه ليس هناك ما يفيد بحضور إرادة فعلية وعزم قائم لإعادة النظر في نهج توزيع الثروات الوطنية قصد اعتماد نهج أقل ظلماً وإجحافاً، باعتبار أن حلم توزيع عادل أصبح من المستحيلات. ومازالت الرغبة الحقيقية في تحسين التعليم وتمكينه من درجة مقبولة من الجودة والجدوى غائبة. هذا في وقت يُصرح أكثر من صوت أن الشباب الغاضب على وشك ولوج مرحلة اللاعودة من اليأس وفقدان الأمل بعد أن طال انتظار المغاربة لمعاينة تغيير فعلي ومجدي تظهر إشاراته على أرض الواقع المعيش وتنعكس نتائجه إيجاباً على أوضاعهم المعاشة التي أضحت مزرية وقابلة للمزيد من التدهور بفعل الأزمة الخانقة القائمة، والتي لم يعد نسمع عنها شيئاً، خلافاً لما كان سائداً في السابق حيث كان المفكرون يساهمون في تتبعها وكشف خباياها.
علماً أن المغاربة لم يعد في إمكانهم المزيد من الانتظار، إلا إن عاينوا حالاً بشائر تدل على القيام بإجراءات فعلية، فما المانع في الشروع تواً في إرجاع الحقوق لأصحابها وترجمة وقف مسلسل الفساد والإفساد والنهب، وذلك بمساءلة المفسدين وإبعاد مَن منهم لازالوا قائمين على إدارات ومؤسسات تأكد فعل الفساد فيها وما أكثرها.
في هذا المضمار، يقول قائل، لو أُستثمر ما تم اختلاسه ونهبه وتدبيره من ثروات وأموال الشعب في مجال التنمية والتشغيل وضمان ظروف العيش الكريم وصون إنسانية ومُواطنة المغربي، لكان الشعب المغربي أحسن حال بكثير مما هو عليه الآن، ولما اتسعت دوائر السخط والغضب المستطير.
التعليقات (0)