مع إقتراب العد التنازلي لإستفتاء جنوب السودان المثير للجدل و لقلق العديد من الاوساط العربية و الاقليمية، تتضارب التکهنات و التوقعات و التحليلات بشأنه و لئن کانت التوقعات و التقديرات العربية تصب في غالبها في دائرة رفض فکرة إستقلال جنوب السودان و التلويح بالنتائج و التداعيات السلبية لتصويت الجنوبيين على الاستقلال ومعظمها مجرد زوابع وهمية في فناجين، فإن معظم التقديرات و التوقعات الاولية العالمية"المعتبرة"، ترى بأن إنفصال الجنوب عن الشمال السوداني هو أمر واقع لامناص منه وان کل الصخب و الهرج الاعلامي"الرسمي"السوداني إن هو إلا هواء في شبك من أجل ذر الرماد في الاعين و لإمتصاص وقع و تأثير القضية على سکان شمال السودان، وترى اوساطا دبلوماسية عديدة في بروکسل و فينا، بأن السودانيون يعدون العدة لمرحلة مابعد الاستفتاء التي ستنتهي بإنفصال الجنوب و إعلانها کدولة مستقلة ذات سيادة.
الرئيس السوداني الفريق عمر حسن البشير، الذي طالما تهدد و توعد معارضيه و مخالفيه بالويل و الثبور و تحدى قرارات الشرعية الدولية، إنحنى أخيرا"مجبرا و مذعنا و راضخا" ليس لقرار الاستفتاء وحده وانما لإستقلال الجنوب الذي سيتداعى عنه، وقطعا فإن هذا الرضوخ و الانقياد للإستفتاء لا ولن يتفق مع العقلية العسکريتارية ـ المتشددة للبشير لکن يمکن فهمها و إستيعابها لو تمت بمقارنتها بالذي جرى مع الزعيم الليبي معمر القذافي عندما تمت مقاضاة رضوخه و استسلامه على عدة أصعدة بإبقاء نظامه بعيدا عن تهديدات الشرعية الدولية التي أظهرت فعاليتها القصوى مع صدام حسين و في منطقة البلقان، ويبدو أن الفريق البشير قد رأى إنفصال الجنوب عن الشمال مع بقائه في السلطة أفضل من إنفصال الجنوب مع إقتياده للمحکمة الدولية و مقاضاته کمجرم حرب، وفي کل الاحوال وجد الرئيس السوداني نفسه محاصرا بفکرة حتمية إنفصال الجنوب وان الافضل"بحسب مانصح من بعض من أقرانه"، تفهم و إستيعاب و هضم الفکرة وليس معاملتها وفق منطق صدام، وبديهي أن البشير يکاد أن يعيد نفس السيناريو الليبي لکن بصياغة مختلفة بعض الشئ من حيث الشکل وليس المضمون.
ان مشکلة الجنوب السوداني التي کانت تعامل دوما من قبل مختلف الانظمة السودانية المتعاقبة على الحکم وفق نظرية المؤامرة و کانت النظرة الدائمة لها بأنها مؤامرة إستعمارية ـ صهيونية، أثبتت الايام أخيرا بأنها قد کانت مشکلة شعب عانى و عانى من جراء ظلم و إجحاف إستثنائيين قد لحقا به وان کل الدماء التي أريقت و کل تلك الحروب و المعارك التي إندلعت بين الجنوب و الشمال إنما کانت من أجل إثبات وجود ومن أجل إثبات هوية مصادرة تحت اسماء و إستعارات متباينة، وان إيصال المشکلة الى هذا المنعطف الاستثنائي لم يکن من جراء قرار عقلاني او حکمة ما هبطت فجأة من السماء وانما کانت اساسا من أجل إبقاء کرسي الرئاسة في الحفظ و الصون فهو في کل الاحوال و وفق نظرة و فکر و إستيعاب النظم الجمهو ـ عسکريتارية العربية،"الرمز و الاساس"، وماعداه مجرد رمل و تراب!
التعليقات (0)