مواضيع اليوم

دور وسائل الإعلام في مكافحة الفساد في المجتمع مقدمـــة: أدى الإعلام بوسائله وأدواته وقوالبه وأشكاله

دور وسائل الإعلام في مكافحة الفساد في المجتمع
مقدمـــة:
أدى الإعلام بوسائله وأدواته وقوالبه وأشكاله وأساليبه المختلفة عبر العصور أدواراً محورية ومهمة في الكثير من القضايا والشئون الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية؛ وأسهم في الإطار ذاته في بلورة فكرة لم شمل العائلة والتكامل الأسري في عملية بناء المجتمع، وإرسال دعائم المجتمع والدولة بكل مكوناتها().
وتتزايد أهم وسائل الإعلام في تناول قضايا المجتمع، كما تبرز مسئولياتها تجاه التعبير عن مصالح الجماهير، حيث تعد من وسائط وأدوات التعبير والتوجيه والضبط الاجتماعي، وتمثل قوة مستقلة في المجتمع، وقد برزت أدوار جديدة لوسائل الإعلام في ظل الثورة العلمية التكنولوجية وسرعة انتشار وانتقال المعلومات في لحظات قصيرة –تتمثل في إعادة تنظيم العلاقة بين الدولة والمواطنين-، وإعادة توزيع مراكز القوى السياسية والاجتماعية داخل المجتمع في المؤسسات المختلفة، حيث أدى التوسع في مزيد من حرية الإعلام إلى أن أصبح أكثر تأثيراً في تكوين الرأي العام وتحديد اتجاهاته().
وتستحوذ الدراما على اهتمام قطاعات كبيرة من المشاهدين وتصور أفضلية المشاهدة لديهم مما يعكس الوظيفة الاجتماعية الهامة للعمل الدرامي()، كما تقوم الدراما بدور هام في تكوين السلوك الفردي والاجتماعي في المجتمع الذي أنتجت فيه، أي أنها تسعى لترسيخ أو إلغاء أو تعديل بعض القيم والمفاهيم الخاصة بالمجتمع()، وهي بذلك تعتبر فناً إنسانيا مرتبطاً بمشاكل الحياة في المجتمع().
ويواجه الفساد في البلاد المتقدمة بمؤسستين شديدتين القوة، هما مؤسستا القضاء والإعلام، أما في مجتمعاتنا، فإذا كان القضاء يؤدي دوره في ظروف صعبة، فما زالت وسائل الإعلام غير قادرة على تشكيل رأي عام حقيقي يواجه الفساد، وربما يعود ذلك لاعتبارات عديدة أهمها المصالح الشخصية والانتماءات الحزبية، حيث تغلب هذه الاعتبارات على محاسبة الشخص الفاسد، وإلى حد ما يمكن القول بأنها نجحت مساعيها في الحد من الفساد().
معالجة الدراما للقضايا الاجتماعية:
تُعد الدراما قوة ثقافية مؤثرة في المجتمع المعاصر لا يستهان بها في تشكيل عقليات الجمهور فيما يتصل بالشخصيات، والمؤسسات، والأفكار، والرموز الثقافية، وفي تمكينهم من أن يروا على الطبيعة صوراً واقعية لحياة الشعوب الأخرى فهي تمدهم بالمعلومات الجديدة، وتزودهم بالمعارف، والأفكار والقيم التي تساعد على رفع مستوى الوعي لديهم()، فالدراما تعكس واقع الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية().
وإذا كانت الدراما التليفزيونية بشقيها (المسلسلات والأفلام)، كانت تستحوذ على اهتمام الشرائح المختلفة من جمهور المشاهدين بغض النظر عن الجنس والسن والمستوى الاقتصادي والتعليمي()، ولفهم استيعاب الفرد للدراما التليفزيونية يوجد عامل هام وهو شعوره بالمشاركة العقلية والعاطفية مع شخصياتها مما يسمح له بالتقمص والمشاركة بكل جوارحه في أحداث ومواقف لم يكن من الممكن أن يشارك فيها بعيداً عن الدراما التليفزيونية، كما تتوقف قوة الشعور بهذا العامل على مدى التشابه بين الشخصية التليفزيونية والفرد وتقوى بحصول المشاهد على متعة ذهنية وعاطفية مستمرة من مشاهدته لهذه الشخصيات().
وتؤكد الأبحاث العلمية أن الدراما التليفزيونية تتفوق على سائر المواد الأخرى التي يقدمها التليفزيون من حيث الإقبال الجماهيري على مشاهدتها، ويأتي المسلسل التليفزيوني في المقدمة، نظراً لأنه يقدم بصفة دورية ويذاع في أوقات منتظمة، وتستمد الدراما التليفزيونية تأثيرها القوى من مصدرين():
يتمثل في عناصر الجذب التي تحويها.
من كونها تقدم من خلال وسيط يتمتع بقوة التأثير وسعة الانتشار بين الناس وتخطيه لحواجز الزمان والمكان، مما جعله بحق (أعظم الوسائل التي عرفت حتى الآن لتقديم الدراما).
والمشكلات المجتمعية كمادة درامية، تتضمن مواقف يعتقد أنها تهدد القيم الاجتماعية، ولكنها قابلة للعلاج عن طريق العمل الاجتماعي()، والدراما بأنواعها المختلفة تستمد مادتها الأساسية من واقع الحياة في أغلب الأحيان، بل إن مداها يتسع ليشمل الحياة بأسرها، ومن هنا فهي فن إنشائي ذو ارتباط وثيق بمشاكل الحياة الاجتماعية، كما أنها تسعى إلى نوع من التفسير للحياة ().
ووجدت الدراسات الإعلامية التي أجريت على الدراما أن من أهم الأسباب التي تزيد من حجم الأثر المتوقع للدراما التليفزيونية أنها تقدم أفكارها بطريقة غير مباشرة ويتأثر بها المستقبل دون أن يقصد، وأنها تقدم واقعاً مختلفاً عن الواقع الحقيقي مما يؤثر على مشاهدي الدراما في تكوين تصور لواقعهم بناء على الدراما، فعرض المضمون في شكل تمثيلي يحقق عنصري الثبات والتصديق لهذا الموضوع في عقل ووجدان المشاهد، ويرجع ذلك أيضا إلى أن الأعمال الدرامية تثير في الإنسان غريزة من أهم الغرائز البشرية وهي غريزة المحاكاة والتقليد().
وأوضحت دراسة براون William Browen التي أجراها في أمريكا اللاتينية وآسيا بأن الدراما الاجتماعية كان لها دوراً هاماً في معالجة القضايا الاجتماعية بشكل فعال كالأمية وتنظيم الأسرة وبعض القضايا الأخرى في المجتمع().
ولا شك أن للتليفزيون تأثيراً على سلوك المشاهدين، نظراً لما يقدمه من أفلام وبرامج تحوي مضاميناً وأفكاراً وقيماً متنوعة، ومن هنا تكمن ضرورة توظيف الدراما التليفزيونية لتقديم المضامين الجيدة التي تحوي القضايا التي تهم المجتمع، بما يسهم في تطور المجتمع ودفع عجلة التقدم فيه إلى الأمام، وتلاقي الدراما التليفزيونية قبولاً نظراً لاعتمادها على أسلوب الطرح غير المباشر، فتقديم المعلومات والإرشادات وتشجيع السلوكيات الإيجابية ومحاربة القيم السلبية وتدعيم الاتجاهات الموجودة أو محاولة تعديلها أو تغييرها، جميع ذلك يتم تناوله بأسلوب غير مباشر، وذلك أنجح من التقديم المباشر الذي ينفر منه الكثير من الناس().
كما أن الدراما تخلق جواً من الحميمية بين المتلقي وما يشاهده من شخصيات، وأحداث، وصراعات، وعلاقات، ومؤسسات، وأدوار، وسلوكيات، كما لديها قدرة على التعبير عن الأزمنة البائدة وإعادة تشكيل الواقع السابق والتنبؤ بالواقع اللاحق().
وتشكل الدراما التليفزيونية في الجمهور ثلاثة أبعاد للواقع الاجتماعي، هي():
الواقع الاجتماعي الموضوعي: الذي يعيشه الفرد بخبرته المباشرة.
الواقع الرمزي: الذي يعد بمثابة إعادة إنتاج للواقع الاجتماعي في صورة أدب، ودراما وفنون، حيث يعد مضمون وسائل الإعلام عالماً رمزياً لهذا الواقع الموضوعي.
الواقع الذاتي: يتكون من انصهار الواقع الموضوعي، والواقع الرمزي في محصلة وعي الفرد بحيث يصبح كل من الواقع الموضوعي، والواقع الرمزي مدخلات يكون فيها الفرد وعيه الذاتي.
ويساعد في تفاعل الإنسان مع الدراما لتكوين الواقع الذاتي كل من المحاكاة والتقمص وإثارة العاطفة، وبذلك تعد الدراما قوة حقيقية يمكنها أن تكون، وتعزز نظم القيم في المجتمع، وتقدم كيفيات التصرف في مواقف معينة، كما يمكنها أن تضفي الشرعية على السلوك المرغوب، وتنفيها عن كل مظاهر السلوك المضاد للمجتمع()، فيمكن للأعمال الدرامية أن تطرح قضايا المجتمع ومشكلاته().
وركزت العديد من الأعمال الدرامية على القيم السلبية كقيم الفساد وغياب الشرف والتفكك الأسري وظهور طبقات اجتماعية لا تقيم للثقافة وزناً ولا تبالي بالعلم وتزعزع المراكز العلمية وتدهور المكانات الاجتماعية فلم يصبح للفئات المثقفة الملامح التي كانت تميزها من قبل، كما أظهرت الدراما أن التمسك بالقيم الاجتماعية المقدمة والمبادئ النبيلة أمراً ليس واقعياً().
وبذلك تُعد الدراما قوة حقيقية يمكنها أن تكون، وتعزز نظم القيم في المجتمع، وتقدم للناس كيفيات التصرف في مواقف معينة، كما يمكنها أن تضفي الشرعية على السلوك المرغوب، وتنفيها عن كل مظاهر السلوك المضاد للمجتمع()، وتعد الدراما من أهم الأشكال التليفزيونية التي يمكن أن تساهم في علمية البناء القيمي للإنسان، بشرط أن تشتمل على مضمون جيد وهادف يعكس واقع القضايا والمشكلات في المجتمع().
في حين يرى البعض أن الدراما بما يتوفر لديها من أساليب، وإمكانات فنية، وإبداعية قادرة على إظهار الأوضاع الاجتماعية الحقيقية، وقد تشوها أو تجملها، وذلك لأنها نتاج فكر القائم بالاتصال الذي يعمل متأثراً بمعتقداته، وتجاربه، واتجاهاته، وقيمه().
دور وسائل الإعلام في معالجة قضايا الفساد:
تعتبر وسائل الاتصال الجماهيرية خاصة الصحافة والإذاعة والتليفزيون –إذا توافرت لها الحرية- من أهم وسائل الرقابة الشعبية على السلطة السياسية وجهازها الإداري، وسلاحاً هاماً من أسلحة مكافحة الفساد، وتعد الصحافة من أهم وسائل التعبير عن آراء المواطنين في النظم الديمقراطية، وقد أصبحت الصحافة بلا منازع أداة الرأي العام الأولي في التعبير عن اتجاهاته واحتياجاته ورغباته، فمن خلالها يستطيع المواطن أن يمارس نقد الأخطاء والعيوب التي تطبع عمل الجهاز الحكومي ويكشف عن المعوقات ويحدد مصادر الخلل، وليس من قبيل المبالغة أن تسمي الصحافة بالسلطة الرابعة تدليلاً على خطورة المهام التي تقوم بها الرقابة الصحفية على أجهزة الحكم ومؤسساته().
وتتزايد أهمية وسائل الإعلام في تناول قضايا المجتمع، كما تبرز مسئولياتها تجاه التعبير عن مصالح الجماهير، حيث تعد من وسائط وأدوات التعبير والتوجيه والضبط الاجتماعي، وتمثل قوة مستقلة في المجتمع، حيث أدى التوسع في مزيد من حرية الإعلام إلى أن أصبح النشر أكثر تأثيراً في تكوين الرأي العام وتحديد اتجاهاته، الأمر الذي يؤكد على ضرورة التزام أجهزة الإعلام بالمسئولية الاجتماعية والأخلاقية في عرض الموضوعات المختلفة تجاه الفرد والمجتمع، بحيث تلتزم التغطية الإعلامية بالتأكيد على صورة الحدث والتوضيح والتنظيم الدقيق للتفاصيل المعروضة لضمان مراعاة الدقة وعدم التحيز، والبعد عن الآثار وكل ما ينافي قيم المجتمع().
وقامت بعض الدول بتوقيع اتفاقيات دولية من أجل عمل تشريعات قانونية وقواعد أخلاقية تهتم بدور وسائل الإعلام في مكافحة الفساد، كما قامت منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافية، والمجلس الاقتصادي الاجتماعي التابع للأمم المتحدة إلى الاهتمام بدور وسائل الإعلام في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، والعمل على دعم حقوق الإنسان واحترامها().
وتعتبر وسائل الإعلام من المؤسسات الهامة في القضاء على الفساد في كثير من الدول التي قطعت شوطاً كبير في ممارسة الديمقراطية، بالإضافة إلى أنها جهاز رصد وإنذار مبكر لأي خلل في المجتمع، وتعمق الوعي لدى المواطنين بشأن اتخاذ القرارات من أجل مكافحة هذه الظاهرة(). وإذا ما كانت المجتمعات غير ديمقراطية فإن وسائل الإعلام تواجه عقبات من داخل صفوفه مثل دور الإعلام والإعلاميين الفاسدين والتي تمنعها من الوصول إلى المستويات المقبولة دولياً في هذا المجال، بالإضافة إلى التشريعات التي تعوق الإعلاميين عن الحصول على البيانات السليمة، وهذا يضعف الرغبة في كشف الفساد والتي تضعف من القدرات المالية للإعلام عند توجيه النقد إلى المسئولين().
ومن ناحية أخرى يخضع النشاط الإعلامي لطبيعة البناء الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي السائد في المجتمع، فهذا البناء هو الذي يحدد نمط ملكية أجهزة الإعلام وأساليب تنظيمها وإدارتها، ويفرض الرؤى والتصورات التي تعمل في إطارها هذه الأجهزة، كما يحدد لها الوظائف والمهام وأساليب أدائها في المجتمع، ويمثل لها مصدراً من مصادر المعلومات التي تستقى منه الوقائع والأحداث، ويؤثر بالتالي على نوعية ما يبث عبر الوسيلة الإعلامية من رؤى ومعارف، ومن ناحية أخرى فوسائل الإعلام قد تصبح أكثر أهمية في تقديم المعلومات السياسية والاجتماعية من المجتمعات الأخرى، كما تتباين وظائفها، كما أن التغير في النسق الاجتماعي من المتوقع أن تظهر معه أهداف جديدة لوسائل الإعلام، وتقود اتجاهات معينة أو تدعم قيم حديثة أو قديمة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تنشيط عمليات طرح واستقبال المعلومات().
والفساد ظاهرة عرفتها كافة المجتمعات في كل الأزمنة والعصور، ولذلك يمكن القول أن الفساد ظاهرة عالمية ومستمرة، لأنها لا تخص مجتمعاً بذاته أو مرحلة تاريخية بعينها، ومع ذلك ثبت بالدليل القاطع أن حجم الظاهرة أخذ في التفاقم إلى درجة أصبحت تهدد مجتمعات كثيرة بالجمود وربما بالانهيار، كما ثبت أيضاً أنه كلما حققت المجتمعات قدراً أعلى من الديمقراطية والشفافية زادت قدرتها على مكافحة الفساد ومحاصرته(). ففي الدول المتقدمة، لازال للفساد أشكال تتنوع وفقاً للثقافات، ويرجع هذا إلى التورط الفردي أكثر منه إلى الانحراف السائد في الدوائر السياسية والإدارية والاقتصادية()، فجرائم الفساد في اليابان وانجلترا وإيطاليا وروسيا، وغيرها ليست خافية على أحد بعد أن تكشفت قضايا عديدة تؤكد تورط كبار المسئولين فيها في عمليات تقاضي الرشاوى والعمولات لعقد صفات مع بعض الشركات العملاقة المتعاملة معهم، مما اضطر عدداً من رؤساء الوزارات وبعض الوزراء إلى الاستقالة وبعضهم الآخر للانتحار قبل موعد محاكمتهم().
وأشارت خمسة مواثيق فقط إلى واجب وسائل الإعلام في كشف هذه الانحرافات والفساد في المجتمع من بين المواثيق التي تم تحليلها وعددها 62 ميثاقاً بنسبة (8.1%)، وذلك بالرغم من أن هناك وظيفة أساسية كلاسيكية لوسائل الإعلام في الفكر الغربي أو ما يطلق عليه قضية كلب الحراسة Watch dog().
(أ) دور وسائل الإعلام في المجتمعات المتقدمة ومكافحة الفساد():
لعبت وسائل الإعلام في المجتمعات المتقدمة دوراً هاماً في كشف كثير من قضايا الفساد على النحو التالي:
1) الفساد في الولايات المتحدة الأمريكية:
كشفت الصحف الأمريكية الممارسات الفاسدة()، فقد نجحت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في كشف فضيحة ووتر جيت وتورط الرئيس الأمريكي السابق نيكسون في التجسس على المقر الانتخابي للحزب الديمقراطي وهو الحزب المنافس للحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه، وانتهت الحملة الصحفية باستقالة الرئيس الأمريكي من الرئاسة عام 1974()، كما كشفت الصحف الأمريكية فضيحة صفقة الأسلحة الأمريكية لإيران، وتحويل أرباحها إلى متمردي "الكونترا" في نيكاراجوا دون معرفة الكونجرس بها، وكذلك إجراء تحقيق مع وزير العدل "أدوين ميس" المنوط في أعمال الرشوة في عهد الرئيس ريجان(). ونجحت الصحف الأمريكية أيضاً عن تهرب "سبيرو أجينيو" نائب الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون من دفع الضرائب وحصوله على رشاوي من بعض كبار رجال المال لتسهيل صفقاتهم مع الحكومة بالإضافة إلى توجيه تهم أخرى، وانتهى الأمر بإجباره على تقديم استقالته().
2) الفساد في ألمانيا:
كشفت مجلة Der Spiegel الألمانية مع بداية الثمانينات أن مجموعة شركات Flick قامت من خلال رئيس مجلس إدارتها ايبرهارد فون Eberhard von Brauchitsch بتيسير حصول جميع الأحزاب في بون على مبالغ ضخمة قدمت تحت بند تبرعات خيرية، وذلك حتى تتهرب الشركات من دفع مستحقاتها الضريبية، وقد أقر وزير الاقتصاد، كان من الحزب الاشتراكي الديمقراطي للصحافة حصول رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي ورئيس الوزراء آنذاك فايلي براندت Willy Brandt على مليون مارك ألماني كتسهيلات وتم اتهامه بالفساد().
وقد نجحت بعض الصحف الألمانية أن ترسل أحد وزراء الدفاع السابقين إلى المحاكمة لتقاضيه رشاوى من بعض الشركات التي تتعامل مع وزارة الدفاع()، وفي يناير عام 1991، كشفت إحدى المجلات الألمانية قيام رئيس الوزراء لوثر سبايت Lother Spaeth لمقاطعة بادن الألمانية وهو من الحزب الديمقراطي المسيحي مع أفراد أسرته برحلات للخارج تحملت بعض الشركات الخاصة تكلفتها في مقابل حصولها على تسهيلات مادية من الحكومة، وقدم استقالته بعد اكتشاف قيامه بتقاضي رشاوي، وكذلك قيام وزير الاقتصاد جيوجني موليمار Juergen Moellemanr من حزب FDP باستغلال منصبه لخدمة أحد أقاربه بفتح جريدة له، وقدم استقالته عام 1993، وقيام جيونتار كاريوس Guenther Karuse آخر وزير خارجية في ألمانيا الشرقية وقبل إعلان الوحدة الألمانية بأيام بمنح تسهيلات بنكية لواحد وأربعين مطمعاً في ألمانيا الشرقية بدون إجراء مناقصة عليها، وقدم استقالته عام 1993().
3) الفساد في إيطاليا:
كشفت وسائل الإعلام الإيطالية النقاب عن قصص الفساد التي تتجاهلها الوكالات الرسمية المنوطة بالرقابة الاجتماعية، ففي عام 1992 لعبت الصحف الإيطالية عن كشف فضيحة تانجينتوبولي، وتم القبض على أحد الموظفين المنتمين إلى الحزب الاشتراكي في قضية تتعلق بجمع أموال عن طريق الابتزاز في إطار تعاقد على تولي نظافة أحد مراكز إيواء المحالين للمعاش التابعة للبلدية، وكانت الرشوة 10 مليون ليرة، وأدى هذا إلى تلويث سمعة الحزب الاشتراكي الذي تعرض بعض أعضائه المرموقين للتحقيقات في قضايا تتعلق بالفساد السياسي().
ونجحت الصحف الإيطالية في الكشف عن فضيحة مالية كبرى تورط فيها الرئيس الإيطالي جيوفاني ليوني، وقد انتهى الأمر باستقالة الرئيس الإيطالي().
4) الفساد في انجلترا:
شغلت قضية الفساد الحكومي في انجلترا الرأي العام والصحف البريطانية منذ عام 1948، الأمر الذي أدى إلى توجه رئيس الوزراء "آتلي" Attlee إلى مجلس العموم للتحقيق حول الإدعاءات الموجهة إلى فساد بعض الوزراء في حكومته وبعض مساعديهم من الموظفين العموميين().
وكشفت الصحف البريطانية فضيحة بروفيمور وزير البحرية البريطانية الذي تورط في علاقة غير مشروعة مع كريستين كيلر، وقد استغل أحد الجواسيس السوفيت هذه العلاقة للحصول على معلومات عن الجيش البريطاني().
5) الفساد في اليابان:
لعبت وسائل الإعلام اليابانية دوراً هاماً في كشف النقاب عن كثير من قضايا الفساد منها قضية شوا دينكو في انتخابات 1949، وكانت فضيحة بناء السفن مشكلة في انتخابات 1955، وتعرضت انتخابات 1967 بسلسلة من الفضائح التي أطلقت عليها وسائل الإعلام اسم "الضباب الأسود"، كما كان لفضيحة لوكهيد تأثيرها على الانتخابات في كل من عام 1976 وعام 1983، وكان لها تأثير على برامج تقوم فيها الحكومة بتخصيص حصص إنتاج للشركات بالطريق المباشر، وكان صدور الحكم بالإدانة على رئيس الوزراء السابق تاناكا كاكوي هو السبب في التأثير على انتخابات 1983، وكان لفضائح ساجاوا كيوبين وكيوا وزينيكون تأثيرها في تورط الأحزاب في الفضائح وقضايا الفساد في عام 1993، وقد ساعدت أزمات الفساد على تغيير النظام الحزبي في اليابان().
ب) دور وسائل الإعلام في المجتمعات النامية ومكافحة الفساد():
1- الفساد في الجزائر:
قبل العام 1990، كان الخوض في مسألة الفساد من المحرمات والواقع أنه عندما أثيرت هذه القضية على الملأ في مارس 1990، قدرت مبالغها آنذاك بحوالي 26 بليار دولار في العشرين سنة الأخيرة، ومنذ ذلك الحين لم تتطرق الصحافة أو السلطة إلى موضوع الفساد حتى العام 1999 عندما قدرت جريدة "الوطن" الأموال المشبوهة التي يملكها الجزائريون في البنوك الأجنبية بحوالي 30- 35 مليار دولار أمريكي، إثر ذلك، وفي حملته من أجل الاستفتاء حول الوفاق المدني في سبتمبر 1999، طرح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة علينا قضية الفساد الشائكة، وفي شهر أكتوبر 1999، صرح الرئيس الجزائري أن الفساد قد أضر بالبلاد أكثر مما أضر بها الإرهاب، وكشفت الصحف الجزائرية الفساد في خصخصة قطاع المحروقات البترولية لصالح الشركات الأجنبية عام 1991، وكذلك حالات الاستيراد المغشوشة لمنتجات استهلاكية بتواريخ منقضية وتسببها في الموت أو التسمم بجميع أنواعه، بالإضافة إلى توقيع الصفقات العسكرية مع الخارج لمحاربة الحركة الإسلامية عام 1992().
2- الفساد في الأردن:
لعبت وسائل الإعلام الأردنية في كشف كثير من قضايا الفساد، منها قضية تسرب امتحانات الثانوية العامة عام 2004، مما أرغم الحكومة على تأجيل امتحانات الثانوية العامة واتضح تورط أحد كبار مديري التربية وموظفين آخرين في تسريب أسئلة الامتحانات بيعها لخمس مدارس خاصة، كما كشفت الصحف أيضاً تورط شخصيات مسئولة في الدولة واختلاسها للمال العام، والتي عرفت بفضيحة التسهيلات المالية().
3- الفساد في لبنان:
كشفت الصحف اللبنانية، أن الفساد في لبنان اليوم يشمل تقريباً كافة مرافق الحياة العامة كما أنه تعمم حتى وصل إلى مجالات الحياة الخاصة من اقتصادية واجتماعية بحيث أن أجيالاً بدأت تتقن ثقافة الفساد كوسيلة فضلى لكسب العيش والترقي الاجتماعي والسياسي، واشهر هذه القضايا، قضية تليفزيون لبنان، الذي اشترى مسئول كبير حوالي خمسين بالمئة من أسهمه، ثم عاد المسئول وباع حصته للدولة مرة أخرى بنسبة ربح كبيرة، وتوزيع رخص الإعلام المرئي (التليفزيون) على أصحاب النفوذ من كبار المسئولين، وإقفال محطات تليفزيونية لا تتمتع بحماية صاحب النفوذ، وتوزيع رخص المقالع والكسارات بين كبار النفوذ، وشركة سوليدير (الشركة العقارية) التي يساهم فيها كبار المسئولين والتي تحتكر التصرف بمجموع العقارات في قلب بيروت، بالإضافة إلى قضايا الفساد المختلفة بوزارة التربية والتعليم العالي والجامعة اللبنانية ووزارة الإعلام والقضاء بمختلف أنواعه ودرجاته().
الصحافة الاستقصائية:
انطلق الباحث من تناوله لتيار الصحافة الاستقصائية من شيئين:
هذا التيار الصحفي انتشر في جميع وسائل الإعلام باعتباره وظيفة مهمة من ضمن وظائفه وهي كشف الانحرافات والفساد.
المفهوم العام للصحافة والذي ينطبق على كل وسائل الإعلام كالصحافة المرئية 
أو المسموعة أو المطبوعة، وصحافة الإنترنت.
وحينما توسعت الجرائد في الإبراز والتركيز والتحري عن قضايا معينة، أو موقف أو أمور تحدث في المجتمع، خاصة جوانب الانحراف والفساد، نشأ لون جديد من التغطية الصحفية سمي بالتغطية الاستقصائية، وسمي محرروه بالـ "Muck Rekers" أو المنقبون عن الفساد وقد أطلق هذا الاسم أساساً على مجموعة الصحفيين الذين قادوا حملات صحفية مهمة ضد الفساد خاصة عام 1902، حين أدى التوسع الصناعي السريع بعد الحرب الأهلية إلى الكثير من أنواع الظلم والشرور وكانت الاحتكارات موضع قلق عام ورأى فيها بعض المراقبين تحالفاً غير سديد بين التجارة السياسية واعتمد هؤلاء الصحفيون (المنقبون عن الفساد) في حركتهم الصحفية على نشر التحقيقات الصحفية الكاشفة المبنية على وثائق رسمية وخاضعة لمراقبة الخبراء، وبرزت حركة المنقبين عن الفساد كقوة مهمة سنة 1906، ثم أخذت تنحسر بعد ذلك بعامين، ثم بلغت ذروة النجاح سنة 1911 مرة أخرى().
ويعرف رئيس المركز الدولي للصحفيين "ديفيد نابل" الصحافة الاستقصائية أنها "مجرد سلوك منهجي ومؤسساتي صرف، يعتمد على البحث والتدقيق والاستقصاء حرصاً على الموضوعية والدقة وللتأكد من صحة الخبر وما قد يخفيه انطلاقاً من مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد، والتزاماً بدور الصحافة كطلب حراسة على السلوك الحكومي، وكوسيلة لمساءلة المسئولين ومحاسبتهم على أعمالهم خدمة للمصلحة العامة، ووفقاً لمبادئ قوانين حق الإطلاع وحرية المعلومات().
وتتميز الصحافة الاستقصائية بأنها تنشر معلومات حول السلوك الخاطئ الذي يلحق الضرر بالمصلحة العامة، وتستند على معلومات المراسلين وليست المعلومات التي ترد مكاتب التحرير، ويشترط لنجاح هذا النوع من الصحافة ضرورة أن تتوافر لدى المراسلين أشكال مختلفة من الخبرة تمكنهم من إعداد تقارير إخبارية مدعومة بالوثائق().
وأشهر نماذج التغطية الاستقصائية قدمها كل من المحررين Bob Wood word & Carl Bernstein بجريدة الواشنطن بوست اللذين نجحا في كشف تورط الرئيس الأمريكي نيكسون في فضيحة التصنت على مقر الحزب الديمقراطي عام 1974، وفي عام 1976 تأسس اتحاد المندوبين والمحررين الاستقصائيين (IRE) Investigative Reporters and Editors كجماعة أو تجمع صحفي –لا يهدف إلى الربح- على يد مجموعة من المحررين الاستقصائيين لتشجيع الصحافة الاستقصائية وتنميتها، وخطط لتطوير مركز للمواد يضع خدمات ومعلومات ونشرة إخبارية عن الموضوعات الاستقصائية، إلى جانب دليل للخبراء وخدمات أخرى().
وتستخدم الصحافة الاستقصائية الآن بشكل متسع في مجالات كشف الفساد في المجتمع، وتقديم الرؤية الاستقصائية الشاملة التي لا تستطيع أن تقدمها وسائل الإعلام الأخرى، وقد صاحب هذا نموذجاً متزايداً في توظيف الحاسبات الإلكترونية لأغراض تصنيف المعلومات والبيانات الكثيرة التي يحصل المحررون الاستقصائيون عليها، وتحليلها بشكل يساعدهم على الوصول إلى خلاصات كمية دقيقة().
الصحف المصرية ومعالجتها لقضايا الفساد:
اهتمت العديد من دول العالم بسن التشريعات القانونية وتنظيم القواعد الأخلاقية التي تبرز دور الصحافة في مكافحة الفساد، وقامت بعضها بالتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المعنية بهذا الغرض، وتعد الصحافة إحدى الوسائل الهامة في مكافحة الفساد في كثير من المجتمعات التي قطعت شوطاً كبيراً في ممارسة الديمقراطية، أما إذا كان الوضع يتعلق بمجتمعات حديثة العهد بالديمقراطية مثل بعض دول أوروبا الشرقية أو بعض الدول الأفريقية، بيد أن تحقيق هذا الدور يتطلب بعض الضمانات أهمها توفير الحرية اللازمة لممارسة حرية الصحافة().
وتشكل الحرية الحالية للصحافة في مصر من عدد من المجموعات الصحفية التي يصدر عن كل مجموعة منها عدد من الصحف والتي تختلف في عددها ونفوذها الصحفي وقدرتها التمويلية والإطار القانوني الذي يحكمها، وتتمثل في مجموعة الصحف القومية، ومجموعة الصحف الحزبية، ومجموعة الصحف التي تصدر عن شركات مساهمة "الخاصة" ويضاف إلى هذه المجموعات القوية، مجموعات أخرى ضعيفة لا تتمتع بثقل وزن كبير في السوق الصحفية المصرية، وتشمل مجموعة الصحف الإقليمية، ومجموعة الصحف التي تصدر بتراخيص من الخارج "الصحف القبرصية"().
ولعبت الصحافة المصرية دورها في محاربة الفساد()، خلال العقد الماضي من القرن العشرين إلى الحد الذي جعل قضايا الفساد الموضوع الرئيسي في الصحف الحزبية والخاصة، كما صار الحديث عن الفساد –حتى الإفراط أحيانا- الطريقة المضمونة للنجاح في توزيع الجرائد والمجلات، ويكشف ذلك بحد ذاته عدم الأولوية التي تكتسبها هذه الظاهرة في الوعي العام، كما يكشف عن نموها الكبير من الناحية الموضوعية()، وعرف هذا النوع من الصحافة بالصحافة الاستقصائية.
ومن حملات الفساد التي نشرتها الصحف المصرية خلال السنوات الماضية، قضايا النصب على البنوك بصورة مثيرة، وتنوع المهتمون بين كبار ورجال الأعمال وكبار المسئولين بالدولة، فضلاً عن رجال البنوك أنفسهم()، وقضايا إهدار المال في بعض المؤسسات والهيئات العامة، ولعل أبرزها المخالفات المرتبطة بالعمارات السكنية، وفضائح بنك الائتمان الزراعي، وقضية الفساد الإعلامي، والأدوية منتهية الصلاحية، بالإضافة إلى قضايا إهدار المال العام في شركات دمياط للحلويات، وسيد للأدوية، ومصر للطيران، وفوسفات أبو طرطور وأخيراً قطاع البعثات في وزارة التعليم العالي().
وتناولت الصحافة المصرية أيضاً قضايا الفساد السياسي والإداري، ولعل أشهرها الحملة الموجهة على الفساد في قطاعات البترول والزراعة والجمارك، وتناولت اتهامات مباشرة للوزير المسئول، والفساد في المحليات تجسدها قضية تسمى صحفياً "إمبراطورية فودة" وقضايا مقاولات إسكان غير أمن، وتشمل اغتصاب أراضي ومخالفات البناء ومن أشهرها قضية فوزي السيد المقاول المسئول عن مخالفات جسيمة بمدينة نصر بفضل الفساد في الإدارة الهندسية المختصة، والتلاعب بأسعار مواد إستراتيجية مثل الأسمنت مما يؤدي إلى جني أرباح طائلة وتمثلها حالة تسمى صحفياً "إمبراطور الأسمنت" وقضية مافيا الغزل وقضية ملك التونة().
وبالإضافة إلى النماذج السابقة، اهتمت الصحافة المصرية بتناول ظاهرة الرشوة وتورط بعض القيادات، والمسئولين في الوزارات والهيئات الحكومية، وقد برز ذلك من خلال تناول قضية مستشار وزير الصحة، ورئيس جهاز 6 أكتوبر، ورئيس شركة النصر للإسكان والتعمير، ورئيس البورصة الزراعية، ومذيعة التليفزيون أماني أبو خزيم، كما أبرزت الصحف المصرية أيضاً ظاهرة الغش والتزوير وإبراز العديد من الجرائم التي تورط فيها بعض المسئولين في قطاعات مهمة في الدولة، حيث برزت قضية الإذاعة والتليفزيون المتهم فيها "إيهاب طلعت"، وقضية بنك مصر وإيران المتهم فيها رئيس مجلس إدارة البنك، وركزت المعالجة الصحفية على قضية حوت السكر بشركة النصر للاستيراد والتصدير، وقضية التلاعب في ملفات الأبراج السكنية بمحافظة أسيوط، وارتبط الحديث عن الغش والتزوير في المجال السياسي بالانتخابات، وقضية تزوير توكيلات حزب الغد().
ولم تقتصر المعالجة الصحفية لمظاهر الفساد في مصر على المجلات السابقة، بل فتحت الصحافة الكثير من الملفات المتعلقة بقضايا الفساد مثل استغلال النفوذ والاستيلاء على الأراضي بطريقة غير مشروعة، ونهب الأموال العامة، وقد أطالت الحملات الصحيفة إضافة إلى نواب في مجلس الشعب وزيراً سابقاً ومحافظاً سابقاً، وقضية المبيدات المسرطنة، المتهم فيها يوسف عبد الرحمن رئيس بنك الائتمان الزراعي، وقضية استغلال بعض نواب الحزب الوطني نفوذهم للاستيلاء على أموال المواطنين، وقضية العبارة السلام 98 والتي برز خلالها ممارسة جريمتي الغش والتزوير().




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات