عندما قصفت مدينة حلبجة بالاسلحة الکيمياوية جوا في 16/3/1988، مرت تلك الجريمة البشعة من أمام أعين المجتمع مرور الکرام، ورغم ان السلطات الايرانية وقتها سعت بکل مالديها من إمکانية من أجل توظيف ذلك الحدث خدمة لأهدافها الخاصة، لکن الغرب و دول المنطقة الذين کانوا على علم کامل بتفاصيل و أبعاد الجريمة، أعتقدوا بأن مشارکة السلطات الايرانية في ما تطرحه من رأي بهذا الخصوص سوف يکون عاملا مساعدا قويا لطهران کي تقف على قدميها بعدما أثقل کاهلها سنوات الحرب الثمانية الباهظة الکلفة. جريمة قصف مدينة حلبجة بالاسلحة الکيمياوية، رافقتها أحداثا دراماتيکية متباينة على أرض الواقع، وهي جريمة ليس بالامکان أبدا تقييدها ضد النظام البعثي لوحده فقط وانما ضد النظام الايراني أيضا خصوصا وان القوات الايرانية حينما دخلت المدينة و أحکمت السيطرة عليها وأبلغت المواطنين من أن هجومها مستمر لغاية إسقاط النظام في بغداد، کانت تساعدها قوات تابعة للحرکة الاسلامية الکوردستانية وهي التي کانت تنقل إدعائات و مزاعم السلطات الايرانية لأهالي مدينة حلبجة، ويتذکر أهالي حلبجة جيدا الدور الذي کان يلعبه يومئذ الملا علي عبدالعزيز(المرشد الحالي للحرکة و اخ مرشدها وقتئذ)من حيث دعم و إسناد الموقف الايراني والتطبيل و التزمير له، وقد کانت الحرکة الاسلامية يومها بمثابة اللسان الايراني الناطق باللغة الکوردية إضافة الى کونها دليلا و مجسا للقوات الايرانية في مختلف مهامها الحربية على الجبهة الغربية لإيران.
وعندما بدأت القوات الايرانية بالانسحاب المفاجئ من المدينة ورافقتها بعد ذلك قوات الحرکة الاسلامية الکوردستانية التي إستقرت بداية الامر على مشارف المدينة وزعمت لأهالي المدينة بأن هناك ثمة تکتيك محدد وان"القوات الايرانية ستستمر في هجومها بعد ذلك حتى تحرر مناطق شاسعة أخرى"من المنطقة الکوردية، وقد کان هذا الامر قبل القصف الکيمياوي لمدينة حلبجة بساعات قلائل، وقد توجس الاهالي ريبة و إنتابهم قلق کبير من إحتمال إقدام النظام البعثي على قصف المدينة کيمياويا ولذلك فقد ولى العديد منهم وجوههم صوب الحدود الايرانية، لکن قوات الحرکة الاسلامية"التي کانت خاضعة من مختلف النواحي لإيران"، أرغمت الاهالي الفارين من مدينة حلبجة على العودة الى بيوتهم مؤکدة لهم بأنه ليس هناك من داع للتخوف و التوجس ريبة من نوايا النظام البعثي.
ولم تکن قوات الحرکة الاسلامية تفعل ذلك من باب إجتهادها الخاص وانما کان بتوجيه وتکليف إستخباراتي إيراني محض خصوصا وان الاطلاعات الايرانية(جهاز المخابرات)، قد کانت لديها معلومات مؤکدة عن نية النظام لقصف مدينة حلبجة بالاسلحة الکيمياوية ذلك ان الاستخبارات العراقية کانت واثقة من تواجد القوات الايرانية داخل المدينة ولم تضع في حساباتها بأن السلطات الايرانية قد تلجأ لهکذا خدعة من أجل أهداف خاصة أهمها وضع النظام العراقي في زاوية حرجة دوليا. وعندما بدأت الطائرات الحربية العراقية بغاراتها على مدينة حلبجة و قصفتها کيمياويا، قام النظام الايراني وضمن خطة مدروسة و مخطط لها سلفا بتوثيق الجريمة و تصويرها وکذلك نقل المصابين من أهالي المدينة الى داخل الاراضي الايرانية وحتى إنها نقلت البعض منهم الى دول اوربية لدوافع معروفة وقتها.
ان سعي السلطات الايرانية للتضحية بخمسة آلاف انسان کوردي من أهالي مدينة حلبجة من خلال إرغامهم على البقاء في بيوتهم لکي يلاقوا حتفهم، من أجل أهداف خاصة، هي بحد ذاتها جريمة ضد الانسانية يجب توثيقها و محاکمة النظام الايراني بسببها، ذلك ان قوات الجيش الايراني و افراد الحرس الثوري و مرتزقة الحرکة الاسلامية الکوردستانية و بشهادة أهالي المدينة (سبق وان أجرى کاتب هذه السطور تحقيقا صحفيا خاصا بصدد ذلك وأجرى لقائات مع شرائح مختلفة من أهالي المدينة)، منعوا أهالي المدينة من مغادرتها و اجبروهم على مواجهة قدرهم لوحدهم في الوقت الذي کان بإمکانهم على الاقل من مساعدتهم على البقاء احياء.
ان إعدام علي الکيمياوي ليس کافيا لإنهاء قضية قصف مدينة حلبجة و إغلاق ملفها وانما يجب فتح هذا الملف مجددا والاخذ بنظر الاعتبار ان حکومة إقليم کوردستان ولأسباب و دواع أمنية تتخوف من مواجهة طهران بهکذا إتهام، ومن هنا فإنه من الضروري جدا الاعتماد على أهالي المدينة الاحياء والذين يعتبرون شهود عيان على هذه القضية و إثارتها ضد النظام الايراني الذي يعتبر بصورة أو بأخرى مشارك بالجريمة او عامل مساعد"مهم"لإتمامها وان العدل لايتم بمحاکمة طرف و ترك طرف آخر، ذلك ان الذي يدهس عمدا مع سبق الاصرار و الترصد بسيارته إنسانا أجبره أمرء ما على التمدد على قارعة الطريق لکي يلاقي حتفه، ليس لوحده قد إرتکب جريمة يستحق المعاقبة عليها وانما يجب أيضا إعتبار الذي أجبر المدهوس على التمدد على قارعة الطريق مجرما ومن الضروري محاکمته الى جانب السائق المجرم!
التعليقات (0)