لا شك إننا في حاجة إلى تحليل مشاكلنا بدلا من مجرد طرحها في الأعلام دون معرفة الأسباب وطرق العلاج . ولا شك أن هناك شريحة من الناس لا يهمها تحليل الاخبار مثلا وإنما ترغب في معرفة ما جرى في الحياة اليومية وسلوك فئات معينة من الشعب . وتهتم بهذه الاخبار ما يعرف بالصحف ووسائل الاعلام السيارة في الغرب وهي اكثر توزيعا من الصحف الرصينة التي ترفق الاخبار بتحليلات أصحاب الفكر والعلم حسب مشاربهم . وهذا يعطي فكرة على ان عدد الذين يتابعون الشئون السياسية هم أقلية من الطبقة المتعلمة والعارفة ولا أقول كل الطبقة المتعلمة والعارفة لأن المجتمع الغربي لا يوجد فيه أميون كما هو الحال عندنا .لكن يوجد بينهم من تنقصه المعرفة بشئون العالم والسياسة وهم الاغلبية . ففي بريطانيا على سبيل المثال لا الحصرمن يقرأ جرائد الجارديان والتايمس والديلي تلغراف هم أقلية غير من يقرأ الديلي ميروروالسن والديلي ميل وغيرها وهم أغلبية الشعب والفارق في توزيع هذه الصحف كبيرفالصحف الشعبية توزع بالملايين ومعظمها لا يحتوي خبرا واحدا عما يحدث في العالم من أخبار سياسية التي تعودنا نحن على قراءتها في عالمنا العربي بصرف النظر عن مستوياتنا الثقافية والاقتصادية . والاسباب واضحة فالمواطن العادي في الغرب يترك مشاكل الخوض في الشئون العامة لمن ينتخبهم في البرلمان ولرجال العلم والأختصاص بينما نحن نفتقد ألى هذه الميزة فليس لدى الشعب من يمثله في السلطة كما يفتقد الشعب الثقة في علمائه وأهل الفكر عنده لأنه يعتبرهم مطية السلطة ودعامتها في فرض سلطانها الأستبدادي على الناس . والسبب في ذلك واضح لأننا كشعب نرى أن المتعلمين منا ومعظمهم من حملة الدكتوراه وما فوق هم أداة الحاكم المستبد الذين يسخرون علمهم لخدمة السلطة بدلا من خدمة المواطن .ولمن يريد التاكد من هذا فليلقي نظرة على تشكيل الحكومات في عالمنا العربي أخيرا ليجد أن أغلبية الوزراء من النخبة المتعلمة ذوي المؤهلات العالية التي صرف المجتمع المبالغ الطائلة على تعليمها . هذا الوضع غير الطبيعي هو سبب مشاكلنا الأساسية في عالمنا العربي والذي ساعد على إنقسام الرأي العام العربي وإنفراد الحكام بالسلطة . فالمفروض في الطبقة المتعلمة قيادة الجماهير وتنويرها بمصالحها ولفت نظرها إلى أخطاء الحكام وفسادهم بدلا من خدمة الطبقة الحاكمة لقاء المال والجاه المشبوه . هذا الوضع غير العادي يرجع إلى حرص الأنظمة الحاكمة على قمع حرية الراي بكل قوة وكثيرا ما يثير تعليق بسيط ضد ما يجري في صحيفة لا يقراها إلا نفر قليل الحكومة فتسارع إلى سد الطريق بقفل الجريدة أو متابعة من كتب المقال . ولهذا لا يجد المتعلم وسيلة للحياة سوى قبول الامر الواقع والأنضمام إلى الطبالين والمصفقين للحاكم المفكر الحكيم المقدس الفعال لما يريد أو مغادرة الوطن والأهل والأحباب ليعيش حياة يفقد فيها مع مرور الزمن الشعور بالولاء للوطن والأمة والدين . والسؤال من هو الملام هل هو الحاكم المستبد الجبار الذي يجعل من خدمة مصالحه ومصالح عائلته وقبيلته هدفا لحكمه وهي غريزة حيوانية تسيطر على ضعاف النفوس ولا يجب ترك العقال لها من طرف الأخرين أو العلماء والعارفين الذين يسخرون علمهم ومعرفتهم لخدمة هذا الحاكم المستبد دون إبداء النصيحة غلى الاقل .
التعليقات (0)