مواضيع اليوم

دور السينما في الحلة ماضٍ جميل وحاضر مؤلم

حيدر البدري

2009-05-18 08:56:24

0

 

نساء الحلة كن ينافسن الرجال في حضور العروض السينمائية ويحجزن مقاعدهن قبل ايام

مثقفو الحلة ينتظرون من يعيد الحياة لدور السينما والمسارح

 

الحلة / كلكامش / حيدر البدري

في مدينة تتنفس ثقافة يكون لكل معلم ثقافي او فني طعم خاص يتذوقه اهلها ويشتاقون اليه اذا ابتعد او طواه النسيان .. موفق محمد شاعر الحداثة العراقي المميز وابن الحلة البار يقول في احدى قصائده (( انا لست بشاعر .. انا راو لشاعرة اسمها الحلة))

ومن معالم الحلة الثقافية الفنية المهمة (دور السينما) .. التي اختفت الان نهائيا .. وتحولت بقاياها الى مخازن او محلات اثاث او لبيع وشراء الاجهزة الكهربائية ..

ماضٍ عريق

(فاضل شاكر) الممثل المسرحي والتلفزيوني المعروف .. كان والده ضامنا لمباني سينما الفرات ايام الخمسينيات من القرن الماضي..

يروي انه كان في الحلة ستة دور عرض سينمائية تاسس اولها بداية الاربعينيات ثلاثة صيفية ومثلها شتوية وكانت في اماكن مختلفة من المدينة ولكل سينما تخصص في عرض افلام معينة تختلف عن دور العرض الاخرى .

اولها سينما الحمراء الصيفي والتي تقع في موقع دائرة ماء بابل حاليا في منطقة باب الحسين والحمراء الشتوي والتي كان مبناها يقع مقابل مديرية بلدية الحلة ..

كانت الحمراء .. والحديث ما زال لفاضل شاكر .. تعرض في بداية الخمسينيات افلاما عربية يحضرها الكثيرون خاصة من العوائل.. من هذه الافلام "البريمو" و" عنتر وعبلة" ومعظم افلام الممثلين المصريين الراحلين كسراج منير وكوكة .. وكان الاقبال يزداد عند عرض افلاما مأخوذة عن قصص الروائي المعروف نجيب محفوظ ..

في حين كانت سينما الفرات (التي يملكها والدي) والتي يقع دار عرضها الصيفي في موقع دائرة صحة بابل الحالي في حي بابل و الشتوي يقع في نهاية شارع المكتبات تعرض روائع هوليوود الملحمية كـ(سبارتاكوس) و (كوفاديس) و (حصار طروادة) ..

اما سينما بابل والتي تميزت عن دور العرض الاخرى بكون فرعيها الشتوي والصيفي يقعان متقابلين في منطقة الجامعين على ضفة شط الحلة .. فكانت معقلا لليساريين والماركسيين لما تميزت به من عرض للافلام السوفيتية والمنتجة في اوربا الشرقية في تلك الفترة .. يقول شاكر : اذكر ذلك اليوم الذي كنت فيه صغيرا جدا على فهم المبادئ اليسارية عندما اغلق والدي السينما واخذني معه الى سينما بابل حيث كان هنالك تجمع كبير لشيوعيي الحلة بسبب عرض فلم (المتعطش للحرية) من انتاج الحزب الشيوعي الايطالي يومها لم تبقى عائلة في الحلة داخل بيتها فقد ذهب الجميع لمشاهدة هذا الفلم والذي بصراحة لم يبق في ذاكرتي منه الا اسمه وجهة انتاجه !!.

يتابع فاضل شاكر : كانت سينما بابل تتميز كذلك بعرض الافلام العراقية والعربية وانها بين فترة واخرى تعلن عن بدء فعاليات (اسبوع الفيلم السوفييتي) والذي كان يستقطب معظم المثقفيين واليساريين في الحلة .

للنساء حضور لافت

للنساء طقوسهن الخاصة في حضور العروض السينمائية في الحلة وكن معظمهن يفضلن الذهاب الى سينما الحمراء لانها تعرض الافلام العربية. وكن يذهبن الى دور السينما بواسطة (الربل) وهو العربة المعروفة التي يجرها الحصان .. وكن يقومن بحجز (لوج) خاص بهن .. واللوج لمن لا يعرفه هو مقصورة صغيرة غالبا ما تكون في الطابق العلوي في دور السينما الشتوية ويكون في مؤخرة الساحة في الصيفية .. تتسع لخمس او ست كراسي او كما كانت تدعى (سكمليات) جمع (سكملي) وكن يحجزن (اللوج) الخاص بهن صباح يوم العرض وحين يكون الاقبال شديدا على العرض المسرحي كن يقمن بالحجز قبل يوم او حتى اثنين لضمان مشاهدة الفلم ..

الفرق بين السينما الشتوية والصيفية ان السينما الشتوية كانت تحتوي على قاعة عرض مغلقة ويقصدها محبي العروض السينمائية شتاء فقط وان افتتحت في الصيف فكانت وسيلة التبريد الوحيدة هي المراوح السقفية والارضية والتي لا تجدي نفعا مع الحر ولكنها كانت كما ذكر لي بعض كبار السن ملتقى للعشاق في الصيف بعيدا عن اعين المتطفلين .. اما دور السينما الصيفية فكانت عبارة عن ساحات مكشوفة في الهواء الطلق وتغلق نهائيا مع بدء برودة الجو وكان الجميل في تلك الايام احترام الحاضرين للعرض السينمائي فلا صراخ ولا صفير كما نتذكر في سينمات التسعينيات ..اما منادو (الحب جكاير علج) فكانوا يتوقفون عن النداء عند بدء العرض .. وكان الحاضرين يستمتعون قبل بدء العرض باجمل اغاني عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب كـ (حبك نار ويا وابور ) اما اسعار البطاقات فكانت على ثلاث فئات (40 ، 60 ،90 فلس) حسب درجات الصالة الثلاث.

سينما هابطة

في منتصف سبعينيات القرن العشرين بدأت اجراءات تغيير التخطيط العمراني لمدينة الحلة والتي ادت الى هدم دور السينما الستة في المدينة وبقاء دار عرض سينما يتيم كان قد افتتح قبل اشهر من الحملة في منطقة باب الحسين تحت اسم (سينما الخيام) .. اهالي الحلة لم يكونوا يرغبون بالذهاب اليها اول الامر ربما بسبب تعلقهم بالدور القديمة او لان (الخيام) لم تأت بجديد من ناحية الافلام .. وبمرور الوقت افتتح دارين اخرى للعرض الأولى في شارع الامام علي (سينما بابل) والثانية في السوق الكبير والتي سميت بـ(الجمهورية) واللتان شيدتا في منتصف الثمانينيات ..

وكما هو معروف ان ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي شهدت تحول دور السينما في الحلة وفي كل انحاء العراق الى دور عرض لا تعرض سوى الافلام التركية والهندية وافلام الاكشن الصينية والتي كانت غالبا ما تكون هابطة ولا تجتذب المثقفين والنخبة وانما كانت ملتقى للمراهقين الراغبين بلقطات الاثارة الجنسية او الحركات القتالية التي كانت السمة المميزة لمراهقي تلك الازمنة او محطة لاستراحة الجنود المسافرين الذين يرغبون بقضاء ساعات نوم تحت التبريد تزيل عنهم عناء يوم سفر متعب ..ووقتها انتشرت عبارة (العرض مستمر او ثلاثة افلام ببطاقة واحدة) والتي كان يسعى اليها مسؤولو دور العرض لاجتذاب اكبر عدد ممكن من الشباب حيث الغي بشكل نهائي تقسيم العروض الى مسائية وصباحية وعرض الساعة سبعة والساعة عشرة حيث وجد هؤلاء ان عرض ثلاثة افلام مرة واحدة اجدى في جمع المال لان الحاضر الى السينما سيدخل فور وصوله ويشاهد أي فلم وفي أي وقت .

 

مخازن للاثاث والاجهزة الكهربائية

بعد 2003 انتهت العروض السينمائية في الحلة حيث تحولت هذه الدور الى مخازن للاثاث وورشات نجارة او لبيع وشراء الاجهزة الكهربائية .. يقول ابو مفيد مالك بناية سينما الخيام .. العروض السينمائية انتهت بعد التاسع من نيسان وعندما حاولنا اعادة العروض السينمائية منعتنا جهات دينية منعا دبلوماسيا فهمنا ان خلف كلماته المعسولة تهديدا مبطنا .. هذا فضلا عن ان السينما قد نهبت وكسرت كراسيها .. يتابع ابو مفيد .. الى الان لم افهم لماذا تصرفوا هكذا مع دور السينما رغم ان الحلة عرفت بانها المحافظة الوحيدة التي لم تجر فيها عمليات سلب ونهب لدوائر الدولة !!

الان سينما الخيام تحولت الى ورشة نجارة اما سينما بابل فقد صارت وكالة لبيع المواد الكهربائية لاحدى الشركات وسينما الجمهورية ما زالت تحتفظ بلافتة كتب عليها ( قاعة كبرى للايجار تصلح كقاعة مناسبات) .. شباب بانت على وجوههم معالم الثقافة كانوا قريبيين من سينما الجمهورية اثناء تواجدنا قالوا : انها لا تصلح كقاعة مناسبات بسبب موقعها داخل السوق الكبير فالكل يعلم ان مرور السيارات ممنوع الى هذه المنطقة انها لا تصلح الا لشيء واحد وهو ان تكون دار عرض سينمائية .. يتابع احدهم وهو سلام طالب في كلية الفنون الجميلة جامعة بابل قسم الفنون السمع مرئية .. لو اعطوني اياها لحولتها الى دار سينما لا تعرض الا الافلام الراقية والتي تحتوي على حرفنة عالية اعجبني حديثه فسألت : هل ترغب بافتتاح دار عرض سينمائي في الحلة ؟؟ اجاب لقد افتتحنا فعلا !!

فاجأتني اجابته ولكن عندما شرح لي عبارته قررت الذهاب معه ..

نادي السينما يحتاج الى دعم

اصطحبني سلام الى كلية الفنون الجميلة وعند نزولنا بالقرب من بابها .. اسر سلام في اذني

" لا تقل لمسؤولي الامن بأنك صحفي بل تصرف كزائر اعتيادي " مرة اخرى يفاجئني .. " لماذا ؟؟ " .. اجاب " معاون عميد الكلية متشدد جدا مع الصحفيين ولا يرغب ان ياتوا بكاميراتهم خوفا من تصوير النواحي السلبية في الكلية وهذا سبب عزوف الصحفيين عن الحضور الى كليتنا " عندها عرفت لماذا لم اسمع بنادي السينما المؤسس في كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل رغم مرور سنتين دراسيتين على تأسيسه ..

في نادي السينما والذي لفت انتباهي بساطة بناءه وعدم الدقة في صبغ جدرانه وكأن من بناه وصبغه غير خبير بالبناء .. التقيت الدكتور حميد شاكر استاذ الاخراج السينمائي في الكلية والذي لاحظ علامات استغرابي فتحدث عن انشاء النادي قائلا : هذا النادي تأسس قبل سنتين بالتعاون بيني وبين طلبتي والمحزن ان عمادة الكلية لم تخصص لنا غرفة .. فلجئت والطلبة الى بناء هذه الغرفة البسيطة وصبغها بعد ان جمعنا بيننا مبالغ مالية بسيطة ثم جلبت كاميرتي الفيديوية الخاصة وبدأنا بالتصوير والمونتاج وانتاج افلام قصيرة بسيطة وكما ترى اننا نعرض من خلال الـ(Data Show) والتي ربما لا تعطي دقة عالية للصورة كما تقوم الات العرض السينمائي المتخصصة .. حاليا لدينا عروض اسبوعية لافلام عربية واجنبية حصلت على جوائز او تتميز بصناعة سينمائية محترفة و اخرى مأخوذة عن قصص عالمية .. يتابع .. الطلبة منغمسون بمحاولة الحصول على اقراص الدي في دي لاخر الافلام التي تعرض في دور السينما العالمية وعرضها لطلبة الاقسام الاخرى الذين ارى يوميا تجاوبهم الرائع مع عروض النادي السينمائية..

الدكتور حميد شاكر اكد وجوب افتتاح دار سينما عصرية في المدينة خاصة مع الانفتاح النسبي والاستقرار الامني الذي تشهده مدينة الحلة مؤخرا .

بانتظار غودو

يقول الفنان المسرحي والتلفزيوني محسن الجيلاوي احد فنانيي بابل : عنوان حضارة الشعوب هو فنها .. وبابل كانت وما زالت مميزة بفنها والمشكلة اننا اذا قارنا بين فترة خمسينيات القرن الماضي والفترة الحالية نجد انها كانت حافلة بالنشاطات الفنية التي تتجاوب معها العوائل وحتى النساء ومنها العروض السينمائية والمسرحية .. اعتقد اننا الان بحاجة الى غودو عراقي يعيد للسينما والمسرح اشراقه بعيدا عن الخوف والتشدد غير المبرر .. يواصل الجيلاوي .. كل المثقفين والفنانين يدعون الان الى نهضة فنية ثقافية تعيد هذه الفعاليات الجميلة الى مدينتنا التي اختيرت كعاصمة للثقافة العراقية يختم الجيلاوي كلامه : ربما سيطول انتظارنا دون ظهور هذا الغودو .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !