مواضيع اليوم

دور الرقابات الأربع في بناء الإنسان

maher marzougui

2012-01-02 16:28:45

0

اهتمت أنظمة العالم الاجتماعية المختلفة ببناء شخصية الإنسان، وتميز بعضها على البعض الآخر بقدرته على بناء هذا الإنسان مرة بذات الإنسان، وأخرى باعتبار الإنسان وحدة بناء المجتمع؛ بلحاظ كونه اللبنة الأولى في الحياة الاجتماعية؛ فتسابقت هذه الأنظمة في ميدان بناء الشخصية عند الإنسان.
هناك أربع رقابات يمكن تصوّرها في هذا المجال, وهي: رقابة قانونية دستورية تحاول أن تطارد الإنسان من خارجه، وتحاول أن تضبط حركته من الخارج، وتضع مجموعة من القوانين، وأجهزة تنفيذية لرصد حركة الإنسان في مجال المخالفة على المستوى السياسي والاقتصادي، وعلى المستوى السلوكي الشخصي، وعلى كل المستويات؛ لضبط حركته في قبال ذلك يحاول الإنسان الملتزم أن يُطيع القانون، فيما المتمرد وغير الملتزم بالقانون استحدثت له الدول أجهزة متعددة، وتفننت في تقنيتها من كاميرات وأجهزة تنصت وأجهزة مخابرات وأمن لملاحقة مثل هذه الشخصيات, هذه بالنسبة لنا لا تتعارض مع مبادئنا وقيمنا؛ لأن فيها تمكيناً لأجهزة الدولة لبناء الشخصية، وتطبيق القوانين المختلفة، وفي الوقت نفسه تتمكن من ملاحقة الذين يرتكبون جرائم.
بعض الدول لا تكتفي بالرقابة القانونية وتقف عند هذا الحد بل وضعت أنظمة اجتماعية أخرى تكون أقرب إلى طبيعة الدين وتتفاعل مع الرقابة القانونية؛ فتجعل من المجتمع نفسه رقيـباً على أفراده؛ كعلاقات الجوار والصداقة والقرابة وعلاقة المعلم بتلاميذه فالجار يتحدث مع جاره، والقريب يتحدث مع أقربائه، والصديق يتحدث مع أصدقائه، والمعلم في المدرسة يتحدث مع طلابه يروّج الأفكار الصحيحة، وينهاهم ويشجب التصرفات الخاطئة, هذه النوع من الرقابة لا يوجد في المجتمعات والأنظمة كلها إنما وُجد في الإسلام، وهذا القانون يسمى
بـ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
فهو قانون لا يخرج من السلطة على المجتمع، وإنما يُمارَس من قبل المجتمع وفي المجتمع. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سواء كان المعروف أخذ معنى المعروف، وهو (العـُرف) وما تعارف عليه الناس، وعرفه العقل، وأقره الشرع، والمنكر كذلك هو ما أنكره العقل، والعرف، وينكره الشرع كذلك.
ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكون بين طرفين الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وهو طرف اجتماعي، والطرف الآخر المأمور بالمعروف والمَنهيّ عن المنكر وهو طرف اجتماعي أيضاً, هذه الرقابة تـُمارَس في الأجواء الاجتماعية العامة، والإسلام أكد عليها وهي مذكورة في العديد من آيات القرآن.
هناك رقابة ثالثة، هي: الرقابة العائلية والرقابة الأسرية, حيث يجد الأب والأم، والزوج والزوجة أنفسهم معنيين ببناء الشخصية فيقفون بسلبية إزاء أية مفارقة سلوكية تظهر عند أحد أفراد الأسرة فيمارس الأبوان عملية النهي عن الخلل الذي يحصل في الشخصية في الوقت نفسه يُكمِلان بناء شخصية أبنائهم وبناتهم عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, إذن هناك رقابة ثالثة هي الرقابة العائلية، هناك رقابة رابعة تنبع من داخل الإنسان فيراقب نفسه، ويمارس عملية المحاسبة وعملية البناء لذاته عن كثب، وهذه الرقابة لها خصوصية تتفوق على الرقابة القانونية فقد تعجز عن ضبط حركة الإنسان الرقابات القانونية، والاجتماعية، والأسرية العائلية.
فهناك أحوال لا تستطيع الرقابات رصدها كما إذا دخل في غرفته فإنه لا يراه أحد ومن ثم قد يمارس المحظور! من دون أن يشعر به أحد, أما الرقابة الداخلية والذاتية فمن شأنها أن ترصد حركة الإنسان؛ لأنه يعرف ما يعوزه من نقاط إيجابية، وما فيه من نقاط سلبية:
((بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره))
من هنا يكتفي قانون المحاسبة بعملية بناء الإنسان بشكل مضطرد هذه ميزة تميزت بها الديانات السماوية؛ لأنها تنبعث من داخل الإنسان ومن قلب الإنسان، وتؤسس على أساس علاقة الإنسان بالله (تبارك تعالى) فقانون النقد الذاتي الذي وُضِع من قبل المنظـّر الماركسي لم يُعطِ ثماراً إيجابية؛ لأنه يفتقر إلى حالة ربط الإنسان ابتداءً بالله.
وبما أن قانون النقد الذاتي يُمارَس من الإنسان على ذاته ما لم يكن ابتداءً قد ارتبط بقوة غيبية مع الله (تبارك وتعالى) لا يجد ما يـبرّر أنه يمارس هذه الرقابة؛ لذلك افتقر إلى مرتكز روحي ومعنوي وغيبي, لم يُؤتِ الثمار المطلوبة.
هذا عند الكثير منهم ولا أقول: إن الماركسيين كلهم كانوا لا يؤمنون بالله (تبارك وتعالى) بل إن قسماً كانوا يؤمنون بالله واتخذوا الاشتراكية نظاماً لتسيير شؤون الحياة وإدارتها لكن قسماً آخر منهم كانوا ملحدين ولا يؤمنون بالله وعند عدم الإيمان بالله لا توجد قيمة لعملية الرقابة الذاتية مادام الإنسان يمارس ذلك في قلبه وهو مقطوع الصلة بأية قوة غيبية فمن الذي يضمن أنه يستطيع أو أنه سيلتزم بما تــُملي عليه سريرته في داخله.
المحاسبة في الإسلام تـُمارَس بين الإنسان وذاته في داخل شخصيته وهذه أروع أنواع المحاسبة؛ إذ إن الرقابات الأخرى (القانونية والاجتماعية والعائلية) قد تخطئ فيما الرقابة الذاتية والشخصية لا تخطئ؛ لأنه يدرك حقيقة فعله وسلوكه فيعيش في داخله حالة من الصراع بين شقين في شخصيته، هما العقل وما يرى والعاطفة والهوى والنفس والغريزة الجانب الحيواني وما تحاول أن تحكم الإرادة، وهذا هو البداية الأساسية والمنطلق الأساسي الذي يجعل الإنسان ينبعث في عملية المحاسبة لبناء شخصيته.

ولتحميل النص الكامل لكتاب دور الرقابات الأربع في بناء الإنسان ، انقر على الرابط التالي:

http://www.al-jaffaary.net/index.php?aa=library&id_book=250&id=1

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !