مواضيع اليوم

دور الدراما والبرامج التليفزيونية في معالجة قضايا الفساد

دور الدراما والبرامج التليفزيونية في معالجة قضايا الفساد:
أ) دور الدراما السينمائية:
بدأت علاقة مصر بالدراما والسينما في نفس الوقت الذي بدأت في العالم الخارجي، فإن أول عرض سينمائي تجاري في العالم كان في ديسمبر 1895 في العاصمة الفرنسية باريس، وكان فيلماً صامتاً للأخوين لوميير، وبعد هذا التاريخ بأيام قدم أول عرض سينمائي في مصر في مقهى زواني بمدينة الإسكندرية في يناير 1896، وتبعه أول عرض سينمائي بمدينة القاهرة في 28 يناير 1896 في سينما سانتي().
وفي عام 1927 كانت البداية التاريخية الحقيقية للسينما المصرية حيث تم إنتاج وعرض أول فيلمين شهرين هما "قبلة في الصحراء" والفيلم الثاني هو "ليلى" ومن أشهر الأفلام في السينما الصامتة في تلك الفترة كان فيلم "زينب" الذي أخرجه محمد كريم رواد السينما المصرية، وبعد الحرب العالمية الثانية تضاعف عدد الأفلام المصرية من 16 فيلماً عام 1944 إلى 67 فيلماً عام 1946، وعندما قامت ثورة يوليو كانت السينما المصرية مزدهرة، حيث شهدت الدراما المصرية نشاطاً ورواجاً متزايداً منذ سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتفاعلت السينما مع الأحداث الوطنية والاجتماعية التي قادتها ثورة يوليو فظهرت الأفلام الوطنية والتي بدأت بفيلم أنتج قبل الثورة ولم يعرض إلا بعد قيامها وهو فيلم "مصطفى كامل" ثم توالت الأفلام كفيلم "الله معنا" لأحمد بدرخان، وفيلم "رد قلبي" لعز الدين ذو الفقار().
وفي الستينيات تم تأميم صناعة السينما لصالح الحكومة، وتم إنشاء المؤسسة المصرية العامة للسينما عام 1962، ونشأ تيار واع في السينما المصرية في تلك الفترة، يختلف عما سبقوه، حيث تناولت أفلامهم موضوع الفقر وإعلاء قيمة العمل مثل فيلم "اللص والكلاب"، وأدانت النماذج الانتهازية والأمراض الاجتماعية كالرشوة والفساد مثل فيلم "ميرامار" وأفلام تناولت قضايا مشاركة الشعب السياسية وأدانت السلبية مثل فيلم "جفت الأمطار"().
وفي السبعينيات، وفي منتصف عام 1971 تم تصفية مؤسسة السينما وإنشاء هيئة عامة تضم مع السينما المسرح والموسيقى، وبدأ انحسار دور الدولة في السينما حتى انتهى تماماً من الإنتاج الروائي، وقد شهدت السبعينيات واحداً من أعظم الأحداث في تاريخ مصر وهو انتصار أكتوبر 1973، وقد تناولته السينما بالطبع في عدة أفلام وهي: "الوفاء العظيم"، "الرصاصة لا تزال في جيبي"، "بدور"، "حتى آخر العمر"، "العمر لحظة"().
وبعد حرب أكتوبر ظهر أول فيلم يتناول سياسة الانفتاح بعد إعلانها بعام واحد فقط وهو فيلم "على من نطلق الرصاص" وقد شهدت فترة الثمانينيات ومع مناخ الحرية والديمقراطية الذي شهدته مصر منذ تولي الرئيس مبارك للحكم، ظهر جيل جديد من المخرجين بأفلام جديدة شكلت بالفعل تياراً جديداً وهاماً في السينما المصرية، يناقش قضايا المجتمع، والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في تلك الفترة، وقد شهدت السينما المصرية في التسعينيات ظاهرة إيجابية تمثلت في انتهاء موجة أفلام المقاولات وتسابق النجوم عادل إمام وأحمد زكي ونور الشريف ومحمود عبد العزيز وغيرهم في تقديم سينما جديدة()، والأفلام التي تناولت الصعود السريع لحيتان المال، وبينت مظاهر سلوك الطبقة الطفيلية التي راكمت ثرواتها تحت شعارات براقة ونشرت الفساد في المجتمع وقادت القوى الحية إلى الإحباط أو الهروب أو الخواء الروحي()، ومن هذه الأفلام فيلم "تيتو" للمخرج طارق العريان، وفيلم "واحد من الناس" إخراج أحمد جلال، وفيلم "أبو علي" إخراج أحمد جلال، هذه الأفلام مثلت فساد رجال الشرطة، وفساد أعضاء البرلمان والوزراء في فليمي "معالي الوزير" للمخرج سمير سيف، و"عمارة يعقوبيان" لمروان حامد، وفيلم "مهمة صعبة" يعالج تورط أحد رجال الأعمال الكبار في قضية استيراد مبيدات فاسدة تسبب السرطان().
ب) دور الدراما التليفزيونية:
ركزت المسلسلات التليفزيونية المصرية خلال السنوات الماضية على العديد من قضايا الفساد التي ترتبط بالأحداث الواقعية؛ مثل الهروب بأموال البنوك، والرشوة، وغسيل الأموال، وفساد المستشفيات، والفساد الوزاري().
وفيما يتعلق بالمسلسلات التي تعالج بعض قضايا الفساد في مصر تم تقديم مسلسل "أميرة في حي عابدين" ويطرح المسلسل نموذجاً لرجل أعمال يقوم بدوره الفنان "يوسف شعبان" الذي تسيطر عليه شهوة المال، فيهرب من مصر بعد تحويل الأموال التي اقترضها من البنوك بدافع السرقة للخارج، تاركاً الأميرة (سميرة أحمد) تحاكم بدلاً منه، وتنتقل من حياة النعيم إلى الفقر في شقة متواضعة بحي عابدين بالقاهرة، وفي مسلسل "أين قلبي؟" يبرز دور رجل الأعمال الفاسد الذي بدأ حياته كمهندس يأكل أموال أخيه اليتيم، ويتلقى الرشاوي، ويزور في أوراق البناء، ويتاجر في رخص المباني السكنية، كما يسعى بفساده لجر زملائه إلى شبكة المرتشين وابتزازهم بمستندات مزورة، أما مسلسل "لدواعي أمنية" فقد كان اسمه يعبر عما يدور فيه من ممارسات منحرفة يقوم بها رجل الأعمال الكبير المنحرف الذي جسد دوره الفنان "كمال الشناوي" الذي يسعى بكل الأساليب غير المشروعة للقيام بحروب مستمرة مع منافسيه من رجال الأعمال للسيطرة على السوق، مستغلاً سطوته في سرقة أموال الآخرين، وسرقة أسرار المزايدات التجارية، والاستيلاء على المنشآت التجارية للغير().
كما ركزت المسلسلات التليفزيونية على نماذج محددة من الرجال والنساء في قضايا الفساد الاجتماعي والانحراف الأخلاقي، والتطرف، خصوصاً على محاربة الفساد بشكل كبير سواء كان الفساد الأخلاقي أو المالي أو التجاري، ويعتبر مسلسل "قلب حبيبة" للفنانة سهير البابلي هو النموذج الأبرز في تصديه لفساد الأخلاق، وهو أشبه ما يكون بصياغة عصرية لقصة "قابيل وهابيل" وفي مسلسل "كشكول لكل مواطن"، تحارب الممثلة "صابرين" فساد بعض رجال الأعمال، حيث تجسد دور زوجة متدينة تكتشف بعد سنوات طويلة أن زوجها رجل الأعمال الشهير والناجح هو شخص فساد، قام بالعديد من الأعمال غير المشروعة، وارتكب الكثير من المخالفات، فتسعى لمحاربة فساد زوجها ومحاولة إصلاحه().
والأمر نفسه تقوم به الفنانة سهير رمزي، في مسلسل "حبيب الروح" الذي تحارب من خلاله مافيا الفساد في المستشفيات، وبالأخص عمليات سرقة وبيع الأعضاء البشرية حيث تجسد شخصية الطبيبة "روح الفؤاد" الملتزمة دينياً ومهنياً، ويتطرق المسلسل ضمنياً لمشاكل المرأة العاملة، ويتعرض مسلسل "سكة الهلالي" للفنان يحيي الفخراني لقضية انتخابات البرلمان المصري في صورة الدكتور مصطفى الهلالي، أستاذ الشعر العربي بكلية الآداب الذي يؤسس حزباً يدعو إلى بث الفضيلة والأخلاق في نفوس الناس والذي يرشح نفسه لمجلس الشعب وبمجرد شهرته تقع عليه العديد من المصائب والتهم منها اتهامه بقضية تزوير وتهرب من الجمارك، ويحكم عليه بالسجن مما يجعله يغير سلوكه().
وبنظرة دقيقة للدراما الرمضانية عام 2007 تبين أنها تعالج قضايا الفساد أيضاً من خلال مسلسل "من أطلق الرصاص على هند علام" بدأت بمحاولة قتل الفنانة نادية الجندي التي تجسد شخصية هند علام الصحفية الشهيرة التي تبحث عن حقيقة قتل زوجها عالم الذرة الذي تم اغتياله خلال حضوره مؤتمر علمي بالخارج، وخلال رحلة البحث هذه تتعرض لعديد من المشاكل والصعوبات حيث تتعرض هي أيضاً لمحاولة قتل تستطيع من خلالها اكتشاف الحقيقة وتواجه الفساد بكافة أنواعه خصوصاً مافيا اغتيال العلماء().
ومسلسل "الدالي" ويعالج قضايا الفساد وبيع الأراضي والمصالح الاقتصادية الكبرى في مصر خلال شخصية وزير ورجل أعمال قام نور الشريف بتجسيدها ويفضح من خلالها تاريخ الشخصية وتاريخ الفساد من خلال استرجاع درامي للزمن عبر ذكريات أبطال المسلسل عام 1956 وحتى عام 1979()، نتج عنها مقتل ابنه وتعرضه لإصابات بالغة كما وضع مخرج المسلسل المشاهد في حيرة حيث لم تتضح حتى الآن حقيقة سعد الدالي حيث يتهمه البعض بالفساد والرشوة بينما يشيد البعض الآخر بنزاهته، وبالإضافة إلى أن مسلسل "قضية رأي عام" يناقش قضية الاغتصاب إلا أنه يتعرض أيضا للفساد الوزاري من خلال الوزير شكري جلال الذي يسعى بكافة الطرق الغير مشروعة "من رشوة وقتل" لإنقاذ ابنه والحفاظ على مستقبله السياسي لذلك يحاول قتل الفنانة يسرا خلال أحداث المسلسل حتى يتخلص منها()، ويشير أيضاً إلى أن الاغتصاب حدث للبلد بكامله من قبل الطبقات الفاسدة().
جـ) دور البرامج التليفزيونية:
يمكن للتليفزيون أن يستخدم أغلب القوالب البرامجية للتأثير في الرأي العام، فإذا كانت برامج الرأي هي أولى القوالب البرامجية المباشرة والمتعمدة للتأثير في الرأي العام عن طريق عرض القضايا والمشكلات والظواهر المجتمعية إلا أن قوالب أخرى مثل البرامج الإخبارية، والمواد الدرامية يمكن أن تحدث تأثيراً مباشراً أو غير مباشر في الرأي العام، فقد وجد جربنر وجروس في بحث لهما أن مشاهدي التليفزيون ينظرون إلى الشخصيات الدرامية باعتبارها ممثلة للعالم الحقيقي ويستشهدون على ذلك بربع مليون مشاهد تليفزيوني بعثوا بطلبات فيها مشورة طبية من بطل مسلسل أمريكي اسمه Marcus Welby ().
وقد أشار لوبوجارت Loo Bogart إلى أن أجهزة الإعلام ومن بينها التليفزيون كانت فعالة في تغيير ردود أفعال المشاهدين إزاء كثير من المشكلات المجتمعية، بل وغيرت مواقفهم ذاتها من اللامبالاة والتهكم والسخرية إلى الاهتمام بمشكلات المجتمع والعمل على حلها، لهذا تعتبر الدراما التليفزيونية من أكثر أدوات التغيير الاجتماعي فعالية، فالدراما تشارك في تغيير العادات السلوكية وتعديل القيم الأخلاقية من خلال تقديم القدوة والنموذج والأنماط الإنسانية().
والتليفزيون وسيلة لابد أن ننظر إليها باعتبارها عاملاً من ضمن عوامل أخرى تشكل حياة الأفراد والمجتمعات سلباً أو إيجاباً، رغم تحذيرات علماء الاجتماع والإعلام من التأثيرات السلبية للإعلام بشكل عام والترفيهي منه على وجه الخصوص إلا أن هناك جوانب إيجابية أخرى كثيرة فيه، فليس كل ما يتم تقديمه سيء بالأساس().
فعلى سبيل المثال يتعدى التأثير التليفزيوني مجرد الترفيه أو شغل أوقات الفراغ إلى أن تصبح وسيلة للتعلم بالملاحظة ووسيلة لإشباع بعض الاحتياجات وزيادة خبرة الجماهير ومناقشة قضايا المجتمع حيث التأثير التراكمي نتيجة كثافة المشاهدة وقبول العالم المخلق كواقع(). ويشمل تأثير التليفزيون في التغيير الاجتماعي القيم والمواقف والاتجاهات وأنماط السلوك ولكن هذا التأثير لا يحدث بطريقة فورية، بل إن التليفزيون يترك آثاره في هذا كله على المدى الطويل().
ويستطيع التليفزيون أن يتحول إلى أحد الأصوات القادرة – عند تمتعها بالحرية الإعلامية – أن يعبر عن الرأي العام، كما أنه يمتلك أدوات تشكيل هذا الرأي أو التأثير فيه، عن طريق الكشف عن الظواهر المختلفة وتعريف المشكلات وعرضها على الجمهور وإمداد هذا الجمهور بالخبر الصادق والمعلومة المفيدة الموضوعية والرأي الذي يسعى أساساً إلى خدمة هذا الجمهور().
وتشغل البرامج الحوارية مكانة متميزة ضمن خريطة برامج القنوات التليفزيونية المختلفة، ويعكس هذا التطور الكمي والكيفي للبرامج الحوارية دور التليفزيون في تشكيل الرأي العام والمكانة التي أصبح يحظى بها، حيث اعتمدت البرامج الحوارية في القنوات الأرضية على بنية تقليدية في وقت كان فيه البث التليفزيوني حكراً على هذه القنوات، وبدأت ظاهرة البرامج الحوارية في التسعينيات من القرن الماضي، حيث أصبح مقدمو البرامج الحوارية نجوم القنوات التليفزيونية المختلفة الذين يطرحون أكثر القضايا حداثة وسخونة بشكل يسهم في تشكيل الرأي العام، ويشترك الجمهور فيها بالنقاش عبر الاتصالات الهاتفية أو بالحضور في الأستوديو() أو البريد الإلكتروني أو الرسائل القصيرة SMS().
ويعرف الحوار التليفزيوني بأنه محادثة بين شخصين أو أكثر، تكون مسجلة أو مذاعة على الهواء مباشرة، ولابد قبل إعداد الحوار من مراجعة: هدف الحوار، الضيف المرشح للحوار، وبناء جسر من الثقافة بين المذيع والضيف لكسر الجليد بينهما، ومن ناحية أخرى هناك تصنيفات عديدة للبرامج الحوارية، فمن حيث الهدف ينقسم الحوار إلى ثلاثة أنواع: حوار الرأي الذي يعتمد على استطلاع رأي شخصية معينة في موضوع ما، حوار الشخصية الذي يستهدف تسليط الأضواء على شخصيات معينة سواء مشهورة أو غير مشهورة على أن يكون لديها ما يجذب انتباه المشاهد، وحوار المعلومات الذي يستهدف الحصول على معلومات معينة بشأن قضية ما، ومن حيث عدد الذين يجري معهم الحوار هناك: الحوار الفردي، والحوار الثنائي، ومن حيث طبيعة الموضوعات هناك: حوار بسيط يدور حول فكرة محددة ومبسطة، وهناك الحوار المركب الذي يتطرق إلى الموضوع من عدة جوانب ويظهر خلفياته وعناصره المختلفة، ومن حيث أسلوب التقديم هناك: حوار مسجل، وحوار حي().
وأوضحت إحدى الدراسات أن الغالبية العظمى من أفراد الجمهور يستفيدون من متابعة البرامج الحوارية بالقنوات التليفزيونية العربية 95% من إجمالي العينة، و37.3% يستفيدون بدرجة كبيرة، 57.8% يستفيدون إلى حد ما، وذلك مقابل 5% من الجمهور لا يستفيدون من متابعة تلك البرامج().
وقد نجح التليفزيون من خلال العديد من البرامج مثل البيت بيتك والعاشرة مساءً والقاهرة اليوم و90 دقيقة والحقيقة وغيرها من البرامج الحوارية في عرض وتناول قضايا الفساد والدعوة لمحاربة الإنحراف والكشف عن الأخطاء والإنحرافات التي تتم داخل المجتمع، والقيام بدور كبير في تشكيل رأي عام ضد قضايا الفساد والحد منها، والحفاظ على مصالح المجتمع.
وقد أشار الدكتور محمود خليل في حديثه لبرنامج القاهرة اليوم بأن تجربة الإعلامي الكبير حمدي قنديل في برنامجه الشهير "رئيس التحرير" كانت الرائدة في هذا المجال، وهو ما يجعله الأب الشرعي لبرامج التوك شو().
وتشير إحدى الدراسات إلى تزايد إقبال الجمهور المصري على مشاهدة برامج التوك شو التي تتناول يومياً المشكلات التي تواجه المواطن بمختلف شرائحه وفئاته، مما ساعد على زيادة وعي الجمهور بجميع قضايا الإصلاح وسرعة ردود أفعاله حيال هذه القضايا، فقد أجرت الباحثة دراسة على عينة من 420 شخصاً من مختلف المهن والطبقات، وأوضحت نتائجها أن أهم البرامج الحوارية المفضلة لدى العينة هي: العاشرة مساءً 32.6%، البيت بيتك 26.7%، 90 دقيقة 18.6%، القاهرة اليوم 12.1%، الحياة اليوم 10%، كما أكد أفراد العينة أن دوافع مشاهدتهم لهذه البرامج هي الحصول على معلومات حول قضايا الإصلاح السياسي وتمثل ذلك بنسبة 85% واستخدام المعلومات لإدراك الحقائق 81% والمساعدة على تفسير ما يحدث واتخاذ القرارات 79.9%، وعن اهتمام عينة الدراسة بمتابعة قضايا الإصلاح في مصر جاءت إجاباتهم بالترتيب: مهتم إلى حد ما 67.9%، مهتم جداً 24.8%، غير مهتم 7.4%، أما أهم قضايا الإصلاح السياسي التي يتابعها المبحوثون فكانت بالترتيب: قضايا الكوارث والحوادث 87.9%، مواجهة الفساد 87.6%، ومستوى الخدمات المقدمة للجمهور 77.6%، وقضايا ضعف الحريات 76.8%، والأزمات الاقتصادية 76.5%().
ويرى الباحث أن هناك مجموعة من البرامج الحوارية المهمة في هذا المجال، فقد تصدى برنامج القاهرة اليوم الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب خلال مجموعة من الحلقات لعدد من قضايا الفساد سواء المهني أو الأخلاقي أو المالي وأتاح الفرصة لأطراف كل قضية الدفاع عن وجهة نظره بكل حرية، سواء بالحوار المباشر داخل إستوديو الهواء والتقارير المصورة.
ويُعد برنامج "العاشرة مساء" الذي يذاع على قناة دريم والذي تقدمه الإعلامية منى الشاذلي، إطلالة ناجحة لبرامج الاستقصاء الإعلامي وفتح ملفات قضايا الفساد مثل تجاوزات رجال الأعمال، والفساد التعليمي، وري الأراضي الزراعية بمياه الصرف الصحي، وتلوث الدم، وتجاوزات أعضاء مجلس الشعب، وفساد الأجهزة المحلية وغيرها.
وقام برنامج "90 دقيقة" الذي يبث على شاشة قناة المحور الفضائية والذي يقدمه الإعلامي معتز الدمرداش، من خلال بحثه عن الحقيقة فيما يحدث من وقائع ومواقف داخل المجتمع المصري سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وتعرضه لقضايا الرأي العام، وإستضافة الشخصيات المرتبطة بهذه القضايا، ومن أمثلة هذه القضايا الملف الصحي والعلاج على نفقة الدولة، والفساد التعليمي، والعاملون في الضرائب العقارية، والنقابات المهنية، والأحياء الشعبية، والأغذية الفاسدة، وأكياس الدم الفاسدة.
وقدم برنامج "البيت بيتك" الذي يقدمه كل من الإعلامي محمود سعد وتامر أمين وخيري رمضان العديد من الحلقات التي تناولت أشكال وصور الفساد المختلفة في المجتمع، من أجل كشف حقائق الأمور للجمهور المشاهد، وأهم القضايا التي تناولها البرنامج خلال عام 2009 وجاء في مقدمتها تقرير لجنة الشفافية عن الفساد في مصر ليضع أمام المسئولين والحكومة أشكال الفساد المختلفة، ومن جانب آخر ناقش البرنامج قضايا الأغذية الفاسدة وكيفية حماية المستهلك، والفساد في الأدوية، والغش الصيدلي، والتصدي لظاهرة استخراج مخازن الأدوية والتي لها الحق في استيراد الدواء من الخارج، ولم يهمل البرنامج جميع صور الإهمال والتسيب في الهيئات الحكومية المختلفة، والكشف عن حقائق تهريب رغيف العيش المدعم بالصوت والصورة من خلال تسجيلات المواطنين لعمليات التهريب ومن خلال تقارير البرنامج التي كشفت عن سوء حالة رغيف الخبز وسوء صناعته وسوء توزيعه في المناطق العشوائية، والإهمال الصحي الذي أصاب سكان البرادعة بالتيفود، كما ناقش دور الديمقراطية في مكافحة الفساد.
وتعمل هذه البرامج الحوارية في ظل هامش كبير من الحرية، لم يكن موجوداً من قبل وهو ما ساعد هذه البرامج أن تستضيف نخبة من الضيوف ذوي الآراء والاتجاهات المعارضة لسياسة الحكومة وهو ما يضفي مزيداً من العمق والشفافية في وجهات النظر المختلفة مما يعود على الجمهور المشاهد بحالة أوسع وأعمق من الفهم والإدراك لتلك القضايا المعروضة في هذه البرامج، حتى أصبحت البرامج الحوارية في التليفزيون المصري أو الفضائيات العربية مصدراً رئيسياً مهماً للمشاهد لمعرفة الجوانب المختلفة للقضايا المجتمعية وخاصة قضايا الفساد، التي تتسم بدرجة كبيرة من الشهرة والجاذبية نظراً لارتباطها بشخصيات مشهورة أو موضوعات تهم المجتمع المصري.
وهذا يؤكد الدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام في محاربة الفساد وإحداث تحولات نوعية في وعي المواطنين بمشاكلهم، إلى جانب أنها تشكل عامل ضبط للسلطة الحاكمة وللإدارة الحكومية في أداء وظائفها، كما يؤدي الإعلام بمختلف وسائله دوراً هاماً في نشر ثقافة المال العام، والحقوق المجتمعية، وتوضيح تأثير الفساد على حياة الأفراد ومستوى الخدمات العامة المقدمة لهم().
سلبيات المعالجة الإعلامية لقضايا الفساد:
على الرغم من الدور الرائد لوسائل الإعلام في مواجهة قضايا الفساد، لكن في السنوات الأخيرة، ظهرت الكثير من الانتقادات الموجهة إلى وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لا تقوم بدورها في كشف الانحرافات والفساد وسوء استغلال السلطة، وأن الفساد يضرب بجذوره في الكثير من المؤسسات الأمريكية لكن وسائل الإعلام لا تستطيع الكشف عن ذلك نتيجة لسيطرة الشركات متعددة الجنسيات على وسائل الإعلام().
فالممارسة الطويلة للفساد من قبل الأنظمة والمؤسسات، وضمان استمرار وحماية مصالح القائمين على نهب المال العام، والدفاع عن أوضاع الفاسدين، لم يعد مناسباً الاكتفاء برشوة أجهزة الإعلام للسكوت والتغاضي عن النهب، بل نظمت مراكز الفساد مؤسسات إعلامية خاصة بها، وأصبحت تلك المؤسسات، ميليشيا مسلحة بقوة الوسائل الإعلامية، ولم يعد الفاسدون يخشون تعرضهم للمساءلة والنقد، بل استخدموا هذه الوسائل الإعلامية للجم معارضيهم وابتزازهم وتخويفهم، كذلك في تبييض صفحات سلوكهم وسمعتهم عند الرأي العام والدفاع عن مصالحهم، وفي روما، على سبيل المثال عام 2002، خرج نصف مليون إيطالي في الشوارع، وكان هدفهم رئيس الوزراء الإيطالي برلسكوني ونددوا بالعدوان على حرية الإعلام من قبل الحكومة، وضد احتكار برلسكوني لوسائل الإعلام، ولاسيما بعد انتخابه لرئاسة الوزراء، وتوظيفه ثلاث محطات تليفزيونية خاصة يمتلكها، بالإضافة إلى سيطرته على ثلاث قنوات تليفزيونية حكومية أضحت جميعها، تدافع عن فساد الحكومة وتحمى الفاسدين، وتمارس الابتزاز ضد من ينادي بالإصلاح().
ويرى نعوم تشومسكي وهيرمان أن حرية وسائل الإعلام الأمريكية محدودة، ولا تتحدى القواعد الأساسية للسلطة السياسية والاقتصادية، وأنها تنتقد إدارة النظام بدلاً من أن تنتقد النظام نفسه()، وهذا يعني أن وسائل الإعلام لا تقوم بدورها في الحفاظ على مصالح المجتمع، وكشف الانحرافات والفساد سيؤدي إلى تزايد الفساد في المجتمع، وأن قيام وسائل الإعلام الأمريكية بالتركيز على عرض صورة متفائلة للاقتصاد الأمريكي وصورة مبهرة للحياة الأمريكية وهذا يؤدي إلى إخفاء الكثير من أوجه الفساد، وهذا ما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق، فقد كان الفساد يضرب بعمق في كل أجهزة الدولة والمجتمع، ووسائل تظهر الصورة عكس ذلك().
وانتشرت عدوى توظيف وسائل الإعلام ورشوتها في أغلب دول العالم، لخدمة الحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية وحتى النقابية، وأصبحت الصفقات المشبوهة مفضوحة بين المرشحين، وبين أجهزة الإعلام، وعلى الرغم من صدور مواثيق شرف للعمل الإعلامي والصحفي، سواء تلك التي صدرت عن الاتحاد العام للصحفيين العرب، أم عن منظمات حقوق الإنسان، فإن الفساد ما يزال يضرب بأطنابه في مؤسسات الإعلام، ويتحول إلى منهج يحمي فكرة الفساد ويسوقها ويشجع أصحابها على المواصلة وتحدي المجتمع، إذ لا يقف الإفساد في حدود التستر على الفساد، بل تعدي ذلك إلى تبرير الفساد، وإلى حماية الإجراءات والقوانين التي تشكل بيئة لتكاثر الفساد().
ومع ذلك فإن التنافس بين وسائل الإعلام التقليدية ووسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت والبحث عن وظائف جديدة لوسائل الاتصال التقليدية (الصحافة- والإذاعة والتليفزيون) سيؤدي إلى التفكير في تطوير وظيفة الوسائل الإعلامية التقليدية في كشف أوجه الانحرافات والفساد، لكن ذلك يحتاج إلى تطوير المسئولية الأخلاقية للإعلاميين في القيام بهذه الوظيفة لصالح المجتمع، وهذا ما عجزت عنه المواثيق الأخلاقية حتى الآن، كما أن تطوير أخلاقيات الإعلام بشكل عام يمكن أن يؤدي إلى تطوير الصحافة الاستقصائية ووسائل الإعلام الأخرى، ففي كثير من الحالات يتم انتهاك أخلاقيات أخرى مهمة للقيام بوظيفة كشف الانحرافات والفساد مثل حق الخصوصية، وهو ما يؤدي إلى التقليل من مصداقية وسائل الإعلام وبخاصة الصحافة الاستقصائية




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات