مصعب الهلالي:
(دَوَاعِي الحَـذَرْ فِي فـَتـْوَىَ البَظَـرْ)
[الجزء الأول]
جاء إعلان الإمام السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة المعارض لظاهرة الختان (الخفاض) للأنثى بشتى أنواعه .. جاء دعما مؤازرا ومناصرة قوية للعديد من المدافعين عن حقوق الإنسان بوجه عام وحقوق الطفل والمرأة بوجه خاص .
بل ويشكل هذا الرأي “المهدي” كونه قد صدر من زعيم له وزنه السياسي بوصفه تقلد منصب رئيس الوزراء خلال عدة عهود ديمقراطية حزبية بالإضافة إلى وزنه الاجتماعي والديني الساطع غير المنافق ، وكذا يتمتع حزبه ودون أدنى مجال للشك منذ عام بالأكثرية المطلقة في ظل أي انتخابات تشريعية سياسية حرة نزيهة … جاء إعلانه هذا يشكـّل زخماً ونقلة نوعية لهذه المشكلة من بساط البحث الأهلي التطوعي المغلوب على أمره في بلدان العالم المتخلف وأنظمتها الشمولية الباطشة المصادرة لحرية الراي إلى أروقة النقاش والقرار السياسي النخبوي والتنفيذي الفاعل على الأرض في آن واحد .
وسواء طال الزمان أو قصر وإنقشع الظلام في نهاية الأمر فقد اصبح هذا الموقف الذي أعلنه الإمام “سَـلَفٌ ودَيْـن” في عنق أمانة حزب الأمة وطائفة الأنصار ومُلزمين به من القمة وعلى مستوى القواعد إن عاجلاً أو آجلاً. وإن مجرد تطبيق طائفة الأنصار بملايينها العددية لهذه الفتوى الصادرة من إمامهم تعتبر نصراً لكل المجاهدين من أجل حرية المرأة ورفع الوصاية الذكورية عنها بعد أن أصبحت ومن واقع خروجها للتعليم والعمل صنوا للرجل في كل المجالات وحتى لا يغرق المجتمع في حالة إنفصام وردّة حضارية مُعطِّلة.
وبرغم التأييد الذي وجده السيد الصادق المهدي في معارضته للبس المرأة النقاب إلا أن أمر ارتداء المرأة للنقاب يبقى محل أخذ ورد ، كون أن التي ترتديه هي إمرأة راشدة مسئولة عن تصرفاتها ولها حرية المعتقد والقناعات … ولاشك ان السيد الصادق كان يضع هذه الحقيقة في الحسبان بوصفه أحد الأركان الفكرية والتنفيذية التاريخية للحرية والممارسة الديمقراطية في المجتمع السوداني . وأن المقصود هو عدم إلزامها في الاتجاهين السالب منه والموجب إرتداءاً وتخلياً على حد سواء.
وأما الجانب الأمني في مسألة ارتداء النقاب ، فهي مشكلة ربما كانت الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية هي المنوطة بها ، وربما غداً حين يغزو العاصمة “خليل إبراهيم” آخر برجال يلبسون أزياء نساء منقبات .. ربما وقتها وساعتها فقط يدرك المؤيدين للنقاب مدى خطورته فيخرجون أضابير ((فقه الضرورة)) من الأدراج ويصدرون قراراً ثورياً وفقهياً فورياً ليس بعدم ارتدائه فحسب وإنما بحظر استيراده ولسان حالهم يردّد ((يا روح ما بعدك روح)).
وعلى أية حال فإن أمر النقاب يختلف اختلافا جذريا عن أمر الخفاض لماذا؟ لأن الخفاض يجري للأنثى وهي طفلة لا حول لها ولا قوة ، في مرحلة لا تدرك فيها ما يدور حولها . ولو جرى تخييرها لما عرفت كيف تختار . فهي لا تدري الصالح من الطالح بالنسبة لها . وبالتالي فإنّه يشكـّل بالفعل اعتداء جنائي صارخ على جسدها بغض النظر عن التبريرات التي يطلقها الفقيه الفرعوني وذلك لعدة أسباب يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
1) أن رجال الدين المؤيدين للخفاض لم يستشيروا المرأة في قرارهم الخاص بجزء هي الأدرى به … ثم من جعل الرجل مسئولا عن بظر المرأة ؟؟
وهل لو اجتمعت نساء متخرجات من كليات أصول الدين وأصدرن فتوى بإستئصال نِصْف ذكَر الرجل أو قطع رأسِه أوْ طَحْنَ بَـيـْضِـهِ ونَـتْـفَ لـِحْيـَتـِه بدعوى التقليل من شهوته وإزعاجه .. هل تصبح فتواهن جائزة ؟؟ ….. ولماذا لا تزال لجان الفتوى مقتصرة عضويتها على الرجل وحده ؟؟ في حين يتبجح خطباء المساجد والساسة بأنّ المراة نصف المجتمع . ويقنن الدستور لها ربع المقاعد في البرلمان …. بل وفي الوقت الذي أثبتت فيه المرأة أنها صنو الرجل في التعلم والذكاء . وتتقلّد الان منصب القاضي والوزير والوالي والطبيب والسياسي الحزبي ولواء الشرطة والسفير والأستاذ الجامعي وهلم جرا ….. ثم بعد كل هذا نحجر عليها في بظرها ؟؟؟ إنه بالفعل أمر مؤسف مضحك مخجل ومتناقض على حد سواء ….
ومن ثم فينبغي أن يكون للمرأة نسبة النصف في لجان الفتوى حتى تستقيم الأمور في العالم الإسلامي ومجتمعاته (ونحنُ أوْلَىَ) ، بدلا من هذا العبث الحالي الغير مبرر ولا طائل منه في كافة المجالات الحياتية . والذي حين عجز عن إقناع العقل لجأ إلى العصا ونفوذ الحكومة والشرطة لتنفيذ أرتداده الحضاري ونزعته الظلامية المتاصلة.
2) جميعنا يدرك مدى عقدة رجال الدين من المرأة وابتعادهم عنها منذ نعومة أظفارهم . والنظرة الدونية التي ينظرون بها إليها خلال تدرجهم التعليمي والدراسي في الثانويات ومرحلة الدراسة الجامعية ونفورهم منها وابتعادهم عنها وتفضيلهم العيش داخل بؤرة مجتمع ذكوري لا توجد به إناث ، سواء خلال مرحلة الدراسة أو العمل. ومن ثم فلا يمكن لأمثال هؤلاء أن تكون لديهم فكرة واقعية بنفسيات المرأة التي تعيش بين ظهرانيهم . وكل الذي استقوه منها إنما كان من وحي كتب السلف التي مضى عليها أكثر من ألف وأربعمائة عام تغيرت فيها الكثير من الحقائق والمعطيات . فبـعـد أن كانت المرأة قابعة في البيت أصبحت زميلة في الدراسة وزميلة في العمل رئيسة ومرؤوسة.
3) الشيء المثير للجذر في “فتوى البظر” هو أنّ أعضاء لجان الفتوى في السودان ومن خلال أعمارهم فإن زوجاتهم بكل تأكيد من ذوات الخفاض الفرعوني اللواتي فقدن أبظارهن في الطفولة المبكرة ومن ثم لا يجوز الأخذ برأيهن في أمر يجهلنه …. وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أين شاهد هؤلاء ومؤيديهم من خطباء الجمعة في المساجد .. أين شاهدوا البظر ؟ وماذا يعرفون عنه ؟ وأين احتكّـوا به وكيف ؟ حتى يخرجوا علينا بهذه الآراء العجيبة عنه . وعن كونه هو الذي يتحكم في شهوة الفتاة دون خبرة وممارسة عملية مسبقة ؟؟؟ ..
فإذا اعترف هؤلاء أنهم لم يشاهدوه أو يحتكّوا به عن قـُرْب وأنهم سمعوا به ليس إلاّ ، فهذا هو العذر الأقبح من الذنب …. ونقول لهم بالمقابل ((ليس من سمع كَمَنْ رأى وإحْـتـَـكّ يا مولاّنا )) ومن ثم لا تجوز الفتوى في أمر مجهول شكلا وموضوعا بالنسبة للمفتي.
4) إن رجال الفتاوي وخطباء المساجد الذين هاجموا موقف الإمام الصادق المهدي ، لا يزالون يحكمون على المرأة بنقصان العقل وأنها في حاجة إلى وصاية على الرغم من أنها وفي مجال الدراسة الأكاديمية على سبيل المثال أثبتت أنها الأذكى والأقدر على الحصول على درجات أعلى منهم هم أنفسهم هؤلاء مدعي العلم والمتمسكين بالوصاية . وكذلك الحال في مجال الإدارة . بل وحتى في مجال الإَطلاع بمسئولية التربية والتمسك بالحياة الأسرية تبقى المرأة هي الأكثر قدرة من الرجل على تحمل المسئولية . وكم من رجال هربوا من البيت تاركين أسرهم نهبا للضياع ولم يعد يعرف لهم مكان أو عنوان لاسيما بعد الأزمات الاقتصادية الطاحنة منذ عام 1980م وحتى تاريخه . ولكن الأم وحدها هي التي صمدت وتحملت وركبت الصعب في سبيل الحفاظ على أسرتها. فمارست التجارة البسيطة والخدمة في البيوت لإعالة أطفالها …. فهل يأتي الرجل بعد كل هذا ليتبجح بأن الأنثى في حاجة إلى وصي؟
5) لو كانت المرأة والأنثى في حاجة إلى وصي كما يدعي خطباء المساجد الجهلاء وغيرهم من تجار وموظفي الفتاوي .. فأنتم الآن جزء من نظام حكم دولة إسلامية تحكم بإسم الدين .. فلماذا لا تبسط الدولة وصايتها المالية والصحية والاجتماعية على كل الأرامل والمطلقات واليتامى . وتدفع لهم رواتب شهرية سخية من واقع تكاليف المعيشة الحقيقية . وتفرز لمثل هذه الأسر التي تخلى عنها أو مات عائلها (الرجل) منازل حكومية من أموال الخزينة العامة (الإسلامية) ؟؟…. أم أن المسألة في نهاية الأمر مجرد كلام في كلام وتخليل لحى وإسباغ وضوء وقيام وركوع والسلام ؟؟
بالفعل يبدو هؤلاء المتاسلمين الجُدد على قناعة زائفة بأنّ خلق الله الجوعى سيشبعون من صلاتهم ويرتوون من ماء وضوئهم .. ألا يعرف هؤلاء المتأسلمين أن صلاتهم هذه إنما هي لأنفسهم . وأن الناس لا حاجة لهم في صلاتهم بقدر ما هم في حاجة إلى العدالة وأن لا ينهى المسئول عن شيء ويأتي بمثله عار عليه إذا فعل جبانا؟؟
6) إنّ “فتوى البظر” التي أصدرها المجمع الفقهي بشأن إباحة خفاض الأنثى وبتر جزء من بظرها . وعلى الرغم من أنه شفعها بالتفرقة بين الختان الفرعوني وما سمي بختان السُنـّة (المفترى عليها) . فإنه في النهاية يبقى خفاض ويفتح باباً واسعاً كي يرتكب الجهلة والحمقى من الآباء والأمهات جريمتهم النكراء في جهاز الطفلة التناسلي .. وجميعنا يعلم أن الجهاز الطبي الرسمي ليسوا ملائكة وأن الرشاوي باتت تفعل فعل السحر وسط الأجهزة التنفيذية . وكذلك نعلم أن القابلات الصحيات كذلك لسن متوفرات في القرى والحلاّل والأرياف السودانية بسبب تدني الخدمات الطبية والفساد المالي والإداري وسرقة المال العام الذي لحق بهذا المرفق وضرب بأطنابه عليه …..
فكيف ستعرف السلطات ما إذا كان الخفاض الذي جرى للطفلة فرعوني أو سنة ؟؟ هل سيتم تعيين مفتشين حكوميين يفتشون على الخفاض بمُسَمّى “مُفَتِّشْ بَظَـرْ” ويخصص لهذه الوظيفة جانب مقدر من الميزانية العامة للدولة أم ماذا ؟؟
أخشى أنه لو تم تقنين ذلك لإرتشى هؤلاء المفتشين كذلك . فقبض الرشَى أصبح في بلادنا أسهل من الحصول على كوب ماء صحي ونظيف. .. بل والمضحك أنها وفي خلال هذا العصر الإسلامي باتت تـُدْفَعُ وتُجْـبَى في الشارع العام وبمفاخرة على عينك يا تاجر ، بعد أن كانت تدفع قديما في الخفاء على نطاق محدود وبإستحياء.
7) ثم لا أدري من أين جاءت تسمية الختان السنة هذه ؟؟ هل يظن المتأسلمين الجدد أنهم وحدهم الذين يحفظون سورة الفاتحة والصمد والفلق والناس ويؤدون الصلوات الخمس ؟؟؟ …… إن الذي ورد في الصحاح بشأن الختان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان بشأن الخليل إبراهيم عليه السلام الذي ختن نفسه بالقدوم بعد أن أمره الله بذلك وقد بلغ سنه آنذاك 80 سنة.. ولم نسمع في السنة ولا في الإسرائليات أو حتى كتب الزاملتين أن سَارَةَ رضي الله عنها أو هَاجَـرَ رضي الله عنها . أو غيرهن من نساء الخليل ابراهيم عليه السلام قد جرى خفاضهن .. وكل الذي تواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على إمرأة في المدينة المنورة كانت تختن الإناث فقال لها خففي أي بما معناه لا تأخذي من البظر الكثير. ولكن هذه الواقعة اختلف على صحتها علماء السلف وفقهاء السنة . .. بل ويثور هنا تساؤل آخر وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بمكة قبل الهجرة 13 سنة ، فلماذا لم نسمع أنه جرى خفاض بنات من أسلم بمكة قبل الهجرة أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى المسلمين في مكة بالخفاض . وهل انتظر الإسلام طوال هذه السنوات إلى أن مرّ صلى الله عليه وسلم مصادفة بإمرأة من الأنصار تمارس خفاض الإناث بالمدينة المنورة اقتداءا بيهودها ، فقال لها مقولته المختلف على صحة رفعها وإسنادها بين فقهاء السلف ؟؟ .. ما هكذا عودنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هكذا يتخذ قراراته ويرسخ سنته على هذا النحو الارتجالي والرد إنفعالي .
إنه أمر غير منطقي من كل جوانبه وأفتراء وإفتئات على السنة النبوية المطهرة السمحاء من قبل جهلة أو موتورين ذكوريين تحاولون الاستناد على واقعة ليست حقيقية ولا منطقية.