مواضيع اليوم

دموع القمر

عبدالسلام كرزيكة

2009-08-04 13:11:20

0

 

دموع القمر (قصة قصيرة)

(01)

 ((... لن تغيٍِر شيئاً ما دام الحجرُ مُستقرٌ في قعر الوادي ...)) ، عبارةٌ لم يفهمها يوماً ، سوى أن أمه ترددها أمامه مراتٍ عديدة كلما رأت ملامحه تلونت بمساحيق الحزن والكآبة ، فلم يتبادر إلى ذهنه أبداً أن أمه ترى في عينيه ما يُحاولُ جاهداً إخفاءَهُ وراء جدار الصمت الكئيب الذي يُلازمه ، ولم يعلم أن العُيون - وخاصة عيونه - عاجزة عن كتمان سره ، حين تدعُ دمعة نافرة تفلت وتطل خلف ستائر رموشها الهُلامية الرقيقة ، لتكون بسقطتها تلك رسالة تغذيها الشمس بشعاعها فتتلألأ كما جوهرة تستهوي عيون أمه قبل أن تقعَ ، ويختفي بريقها غوصا في الرمالِ أمامه ، عائدةً إلى العدم.

(02)

إستلقى في الوادي على ظهرهِ ، وعقد يديه المبسوطتين ووضعهما تحت رأسه الحاسر ... ظل يُراقب القمر لأمدٍ بعيدٍ ، قبل أن ينبعث صدى العبارة بداخله : ((...لن تغير شيئاً مادام الحجرُ مُستقرٌ في قعر الوادي ..)) ... وظل الصدى يدُق .. ويدُق مثل الناقوس ، ومثل الأجراس ... ، فهب جالسا في حركة سريعةٍ وجُنونية ، ورفعَ رأسه نحو السماء ليبث شكواه للقمر الخالد ، فهنا فقط يتحطمُ جدار الصمت المنيع ، وفي هذا الجو البهيج تجِدُ كلماته مُتنفساً فتتسللُ بخجلٍ مِن بين شفتاه :

- مَن قال بأن مصيري مربوطٌ بـ  ً ماتة  ً إلى الأبد ؟

- وبأن مُستقبلي مرهونٌ بالعيشِ معها تحت سقفٍ واحد ، حتى ولو كان ذلك ضد رغبتي ؟

ـ ثم مَن هم حتى يُقرروا مصيري ؟ ومَن أعطاهم حق تقييدي بإنسانةٍ لا تربطها بي سوى علاقة القرابة العائلية ؟

أهذا عدلٌ يا قمَرَ زماني وحاكم الأماني ؟

إنتظرَ جواباً لأسئلته الكثيرة ، لكن القمر لازم الصمت ، وأبدى تعاطفه بأن شق طريقه وسط الغيوم المُتناثرة في صحنِ السماء ، وأطبق على نفسه جُفون الظلمات ، ليصِلَ إليه شذى قطراتٍ من المطر أحس بها على ساعِدَيه..

شبك يده بعصبية ، وضرب بها وجه الرمل تعبيراً عن الإحتجاج..

(03)

ظل  ً آمو ً يُراقبُ الجو الكئيب ، فتضاعف حزنه الدفين ، إنه الآن وحيدٌ وفي معزلٍ عن أبناء قبيلته الذين يحاولون أن يفرضوا عليه عُرفاً لم يستطع مُجاراتهم فيه ، كما فعل في باقي الأعراف ، وما أكثرها ؟....حتى القمر الذي يجد العزاء في مُحاكاته ، والذي كان يُحادثه منذ لحظاتٍ قد اختفى .. نعم أين القمر ؟ ...

وأخذ يتحسسُ إحدى سواعدِهِ ليستشعرَ عن مكان تساقط القطرات .. إنها ليست مُجرد قطرات .. فهي دُموع .. كما أنها ليست مُجرد دُموع ، لأنها دُموع القمر .. وهو الوحيدُ مَن نال تعاطف القمر .. وتعازي القمر.

تاج الديــــن : 2009




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات