دائما ما تكون الدماء هي وقود انتصار الأمم والشعوب , وعادة لا ينال المسلمون حقوقهم وحريتهم وكرامتهم إلا إذا دفعوا ثمنها من دمائهم , وما نال شعب مسلم حريته من جلاديه من العدو الداخلي أو الخارجي إلا ببذل المزيد من دمائه الطاهرة الذكية .
ولعل أغلى الدماء التي تبذل في سبيل الحرية والكرامة هي دماء العلماء التي تشعل الحماس في قلوب الشباب وتجعلهم مقبلين على التضحية بكل غال ونفيس بعدما يبذل العالم دمه ثمنا لوقوفه بجانب كلمة الحق وإقامة العدل .
وعلى الرغم من وجود العالم الذي تزل قدمه ويُفتن في دينه برغبة أو بإكراه , فيمالئ السلطان الجائر ويحل له ما حرم الله من ظلمه للعباد واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم , وفي وجود مثل هذا العالم تهن قوة الناس ويضعف موقفهم ويُزلزل ثباتهم وتخر عزائمهم .
ولكن عالما واحدا ثابتا على دينه وعلى مواقفه مؤيدا للحق والعدل يجهر بكلمة الحق ولا يخشى في الله لومة لائم كفيل بأن يثبت الله به الأقدام ويربط به على القلوب فتشتد العزائم لمقاومة الظالمين .
ويكون تأثير كلمات العالم أعظم ما تكون حينما يدفع حياته ثمنا لها ويسيل دمه في سبيل غايته فيموت هو شهيدا وتبقى كلماته تلهب الأرض نارا من تحت أقدام قاتليه , ولا يهدأ دمه الثائر إلا بالانتقام ممن قتله .
ومن هؤلاء العلماء الذين ثبتوا أمام طغيان الباطل الشيخ إبراهيم السلقيني مفتي مدينة حلب وهو الرجل الذي تخطى السابعة والسبعين عاما الذي شارك علماء حلب في قول كلمة الحق أمام سلطان جائر فشارك في إصدار أكثر من بيان حول ما يجري في سورية منكرين على مجرمها سفك دماء السوريين محملين القيادة السورية المسئولية في ذلك , مطالبينهم بإفساح المجال لحرية التعبير والرأي وبمنع الدولة وأية قوات أخرى من التصدي الشرس للمتظاهرين السلميين وإنهاء الاعتقالات التعسفية وإطلاق سراح معتقلي الرأي كافة والإسراع بتعديل الدستور .
وفي آخر صعود له على المنبر في شهر رمضان الماضي , وفي خطبته الأخيرة التي لقي بعدها ربه انتقد بشدة وبثبات المؤمن وبثقته في ربه وخالقه , انتقد تعامل الأمن السوري مع الاحتجاجات التي تعم البلاد مطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد , وأعلن أن هذا الفعل ليس له سند شرعي , وان ما يزينه العلماء للحاكم الظالم هو محض بهتان ليس له من الدين سلطان .
ففي الليل داهمت قوات من المخابرات السورية منزل الشيخ وهددته بمنتهى الغلظة فما تركته إلا وقد أصيب بجلطة في المخ نقل على أثرها إلى المستشفى حيث مات هناك بعد عدة أيام , وتشير القرائن كلها إلى تورط السلطة في قتله.
وفور إعلان استشهاده يوم الثلاثاء الماضي انفجرت حلب واشتعلت مصممة على عدم الرضوخ والإذعان للظلم والطغيان .
ونقلت الخبر عدة صحف عربية وأجنبية وقالت أن " المفتي السلقيني توفي في المستشفى في ظل إجراءات أمنية مشددة، وما إن انتشر خبر الوفاة حتى تحول الهدوء الذي ساد المركز التجاري لمدينة حلب السورية إلى أكبر مظاهرة في المدينة منذ بدء الاحتجاجات قبل ستة أشهر في البلاد " .
وأكد عدد من المراسلين أن قوات الأمن السورية دخلت الجنازة بلباس مدني وهاجمت المشيعين الذين هتفوا ضد النظام داعين إلى شعار "الموت ولا المذلة" , معلنين أن استشهاد الشيخ السلقيني قد أعاد الروح والحماسة إليهم ولن يتوقفوا حتى يزول هذا الظالم المستبد
رحم الله الشيخ سيد قطب حينما قال عن كلمات ومواقف العلماء " ستظل كلماتنا عرائس من شمع حتى نرويها بدمائنا .. فإذا متنا في سبيلها .. دبت فيها الروح لتحيا من جديد.. "
ورحم الله الشيخ السلقيني وتقبله في الصالحين
التعليقات (0)