دلدار فلمز في معرضه الأخير...الفراغ مجسدا في وجه
محمد ديبو
لوحات لاعناوين لها, مفتوحة على احتمالات النسيان, تشرد باتجاه عدم معلوم, كي تحكي خواء الوجه ووجه الخواء, معرشة من خلاله على الخواء الأكبر الذي يلف أرواح وبيوت ومدن ويسحبها نحو جحيمه المدهش بعريه وبلادته المقاربة لتخوم الموت.
هذا مانطالعه للوهلة الأولى في لوحات الفنان التشكيلي دلدار فلمز المعروضة في صالة نينار(1 حتى 30 نيسان), حيث تعبر بنا اللوحة من شواطئ الطمأنينة باتجاه مستنقعات الشك لتخلخل بلادتنا وتفتح أعيننا على حجم مايتدمر من إنساينتا , وحجم ماينزف من أرواحنا دون أن ندري.
تضعنا لوحة دلدار أمام ذاتنا وجها لوجه, نتأمل حالنا وحال وجوهنا في لوحة ممهورة بختم السواد الذي لايترك منفذ أمل.
وجوه مشوهة, تختفي ملامحها وتتضخم حواسها, حيث نجد وجها بأنف ضخم أو فم ضخم يلغي كل ملامح الوجه, أو وجها تختفي كل ملامحه إلا من تلافيف مخ ضامر منزوي في خلفية اللوحة, في دلالة على مدى تضخم أنانا مقابل صغر تفكيرنا وسخافته, الأمر الذي يحيل إلى مدى انغماسنا في حياة الفراغ , لنصبح أهل الفراغ وسكانه في آن.
تكمن أهمية الفن عموما في مدى خلخلته للبديهيات وهتك المقدسات , سعيا منه لكشف الزيف وتصحيح خلل العالم الذي لن يصلح.
وهنا نجد لوحات عارية, صادمة للوهلة الأولى, ولكن تفحصا ثانيا وثالثا سيقودنا إلى مزيد من المصالحة معها, ستفتح لنا اللوحة أبوابها ومفاتيحها لنرى جزءا منها فينا, عندها قد نبكي, وقد نصرخ , وقد نشتم, ثم نهدأ ونستحم في ألوان نتطهر بها من أوساخ عالمنا.
رجل يلبسه قرن في دلالة واضحة, على حجم الخيانات التي يتعرض لها, ليس من زوجته فحسب, بل من كل من حوله.
القرون الظاهرة في اللوحة لاتحيل إلى خيانة عادية فقط بالمعنى الشعبي المتداول, بل تشير إلى خيانات أكبر وأفظع, خيانة على مستوى الروح والوطن والأهل وكل من لم نتوقع منه إلا الوفاء, فإذا بخناجره تنغرس في صميم القلب لتقتل دون أن تنبه!
الأكثر جمالا في لوحة دلدار هو تركيب القرون للمرأة أيضا, إذ جرت العادة أن القرون للرجل, ولكن هنا نجد قرونا للمرأة في دلالة واضحة على مدى ماتتعرض له المرأة من خيانة ذاتها بالدرجة الأولى, قبل خيانة زوجها ومحيطها ووطنها وورحها.
حيونة الإنسان
تأخذ الكثير من الوجوه شكل وجوه أقرب للحيوانات, كأن يأخذ وجه امرأة شكل قطة أو بومة , الأمر الذي يحيل إلى هبوط في مستوى القيم ومستوى ماوصلنا إليه, حيث نتذكر ونحن نرى اللوحات كتاب الراحل ممدوح عدوان "حيونة الإنسان".
لوحة هذا التشكيلي القادم من مدن الفراغ, تقيم تناصا واضحا مع مرجعيات ثقافية متعددة, تشتغل عليها بعين الفنان المدربة على اقتناص رؤيا الأشياء المهملة في حياتنا.
وتتجه اللوحة أحيانا عبر استخدامها الكولاج نحو إظهار مرجعيتها الثقافية لتساعدها في البوح بمستحيل لايمكن البوح به, حيث نجد الشعر والصورة وأشياء عادية ملتقطة من طريق ما أو رصيف لتدخل اللوحة كي تقول لنا أن الفن يكمن هنا في الهامش والمختزل والمهمش واللا مقروء.
دلدار تحية لك, لأنك أضأت أروحنا وكشفت خواءنا المزمن.
دمشق 2/4/09
نقلاً عن موقع "شوكوماكو "
التعليقات (0)