دلائل عدالة الله ((العدل الإلهي))
1- الحسن والقبح العقليان
لابدّ لنا مبدئياً أن نعرف أنَّ عقلنا يدرك الى حدّ كبير "حسن" الاشياء و"قبحها"، وهذا هو ما يطلق عليه العلماء اسم الحسن والقبح العقليين.
فمثلاً، نحن نعلم أنَّ العدل والاحسان أمران حسنان، وإنَّ الظلم والبخل أمران قبيحان، وحتى قبل أنْ يتحدث الدين عن هذه الأُمور فإنَّنا نعرفها، على الرّغم من وجود أُمور اُخرى لا تكفي معلوماتنا لادراكها، بل لابدّ لنا أنْ نستعين بارشاد الانبياء والقادة الالهيين.
ولذلك فمن واضح الخطأ ما ذهب إليه الاشاعرة المسلمون من إنكار الحسن والقبح العقليين، وقالوا بأنَّ طريق معرفتها حتى في حالات واضحة مثل العدل والظلم هو حكم الشرع والدين، وذلك لأن عقلنا إذا لم يكن قادراً على ادراك الحسن والقبح فكيف يتسنى لنا أنْ نعلم بأنَّ الله لا يمنح الكاذب القدرة على الاتيان بمعجزة؟
لكننا إذا أدركنا أنْ الكذب قبيح، ويستحيل صدوره عن الله، أدركنا أيضاً أنَّ وعد الله حق، وقوله صدق، فلا يمكن أنْ يؤيد الكذب بأنْ يمنح الكاذب القدرة على القيام بمعجزة.
هنا يمكن الاعتماد على ما ورد في الشرع والدين، ونستنتج من هذا أنَّ الاعتقاد بالحسن والقبح العقليين أمر ديني.
نعود الآن الى دلائل العدالة الالهية، ولادراك هذه الحقيقة يجب أنْ نعرف:
2- ماهو مصدر الظلم؟
مصدر الظلم يمكن أنْ يكن أحد الأُمور التّالية:
أ- الجهل: قد نجد ظالماً لا يدرى أنَّه يظلم فعلاً، ولا يعلم أنَّه يدوس بقدمه حقوق الآخرين. إنَّه جاهل بما يفعل.
ب- الحاجة: قد يطمع المرء في ما يملكه الآخرون، فيوسوس له الشيطان أنْ يستحوذ عليه، ولو لا الحاجة لما كان هناك ما يحمله على الظلم.
ج- الانانية والحقد والانتقام: يحدث أحياناً أنْ لا تكون الاسباب المذكورة سابقاً هي الدافع على الظلم، بل يكون السبب هو الأنانية أو الحقد أو حبّ الانتقام، فيعتدي على حقوق الآخرين، أو قد يكون السبب هو حبّ الاحتكار.
د- العجز والضّعف: يحدث أحياناً أنْ لا يكون المرء راغباً في التقصير بحق الآخرين، ولكنه لا قدرة له على الامتناع عن ذلك فيرتكب الظلم.
غير أنَّ هذه الصفات القبيحة والنقائص لا وجود لها في ذات الله المقدّسة، لانَّه عالم بكل شيء، وغني عن كل شيء، وقادر على كل شيء ورحيم بالعالمين رؤوف، فلا حاجة له بالظلم.
إنَّ الله غير محدود الوجود، ولا تحدّ كماله حدود، ولا يصدر عنه سوى الخير والعدل والرأفة والرحمة. ولكنه اذ يعاقب المسيئين فذلك بسبب أعمالهم، كالذين يستعملون المواد المخدرة أو يشربون المشروبات الكحولية، فيصابون بمختلف الامراض القاتلة نتيجة لذلك.
يقول القرآن المجيد: ﴿هلْ تُجْزَونَ إلاّ ما كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾(النمل:90)
3- القرآن وعدالة الله
يولي القرآن الكريم هذه المسألة اهتماماً كبيراً. فيقول في أحد المواضع: ﴿إنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أنْفُسَهُم يَظْلِمُونَ﴾(يونس:44).
وفي موضع آخر يقول: ﴿إنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة﴾(النساء:40)
وبالنّسبة الى الحساب والجزاء يوم القيامة يقول: ﴿وَنَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ لِيَومِ القِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً﴾(الأنبياء:47).
بديهي أنَّ القصد من الموازين هنا هي وسائل القياس، لا الموازين الاعتيادية.
4- الدّعوة الى العدل
قلنا إنَّ صفات الانسان ينبغي أنَّ تكون انعكاساً لصفات الله، بحيث تنعكس صفات الله على المجتمع الانساني برمته. وبناءً على ذلك فإنَّ القرآن، بقدر توكيده العدالة الالهية، يؤكد أيضاً سيادة العدل في المجتمع وفي كلّ فرد فيه. كثيراً ما يشير القرآن الى الظلم باعتباره سبب فناء المجتمعات البشرية، ويرى عاقبة الظالمين من أفظع العواقب.
في معرض بيان مصير الاقوام السالفة يطلب القرآن من الناس أنْ يعتبروا بتلك الاقوام وكيف نزل بها العذاب الالهي بسبب ظلمها وفسادها وقضى عليها، فيدعوهم الى أنْ يتجنبوا مصير تلك الاقوام.
ويصرح القرآن بأحد مبادئه الرئيسة فيقول: ﴿إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحسَانِ وَإيْتَاءِ ذِيالقُرْبى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْي...﴾(النحل:90).
من اللافت للنظر أنَّ الاسلام كما يرى الظلم عملاً قبيحاً، فكذلك تقبّل الظلم والخضوع له عمل مرفوض أيضاً، كما جاء في الآية 279 من سورة البقرة: ﴿لاتَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾.
إن الاستسلام للظالمين يعني القبول بالظلم ونشره واعانة الظالم عليه.
سلسلة دروس في العقائد الاسلامية،آية الله مكارم الشيرازي ، مؤسسة البعثة،ط2.ص226-230
شبكة المعارف الاسلامية.
التعليقات (0)