حصل الأديب والمفكر الكبير "زكي مبارك "على درجة الدكتوراة ..فتلقب اسمه بالدكتور زكي مبارك ..
وبعدها حصل على عدة درجات دكتوراه ..
حتى أطلق عليه لقب " الدكاترة " زكي مبارك ..
ولما ضاقت الألقاب على الاسم..فصار زكي مبارك يُكتب اسمه مجرداً من اللقب ..
وكذا كان عميد الأدب العربي الدكتور "طه حسين" ..
كان ينطق اسمه مجردا من ثمة لقب في برنامج اذاعي شهير عن اللغة العربية ..
صار الاسم المجرد أشد دلالة من الألقاب ..
أما الكاتب والأديب والمفكر الكبير "عباس محمود العقاد" فهو وإن لم يحصل على ثمة شهادة دراسية إلا أن مقامه كان يقارع ويضارع ما لا يقل عن مائة من حاملي شهادات الدكتوراة في عهده ..
وعلى ذلك قِسْ من أهل الأدب والفكر والعلوم في مصر والعالم العربي مما لا يتسع المقال ولا المقام لذكرهم ..
وعلى ذات الشاكلة والنهج كان "علماء الأزهر الشريف" لا يقلون اسما ولا وزنا عن غيرهم ومنهم :
فضيلة الإمام الأكبر الشيخ "عبدالحليم محمود"
وهوالذي حصل على درجة الدكتوراة من فرنسا سنة 1940 م فى الفلسفة الاسلامية من آثاره العلمية التصوف عند ابن سينا فلسفة ابن طفيل الإسلام والعقل التصوف الإسلامي الحارث بن أسد المحاسى رسالة دكتوراه بالفرنسية الفلسفة اليونانية مترجم عن الفرنسية ..
ومنهم الشيخ الدكتور "عبد الرحمن بيصار"
الذي حصل عل الدكتوراه بتفوق فى الفلسفة العامة من كلية الآداب بجامعة أدنبرة ثم عاد أستاذا بكلية أصول الدين وفى سنة 1955 اختير مديرا للمركز الإسلامي بواشنطن حتى عام 1959 وتدرج حتى عين شيخا للأزهر الشريف ..
كما تألفت جبهة علماء الأزهر من علماء غالبيتهم من الحاصلين على درجات الدكتوراة والأستاذية ومنهم :
الدكتور نصر فريد واصل
والشيخ محمد الغزالي
والأستاذ الدكتور محمد السيد جبريل
والأستاذ الدكتور عبدالحي الفرماوي
والأستاذ الدكتور طه ريان
وفقيه السنة الشيخ سيد سابق
وغيرهم وغيرهم مما هو مفصل بموقعي الأزهر الشريف وجبهة علماء الأزهر ..
وبمناسبة الألقاب
فإنه يحضرني مشهد طريف أتذكره دوماً من فيلم "الأيدي الناعمة " الذي يعالج أزمة تشبث باشاوات ما قبل الثورة وغرامهم بالألقاب حتى ولو ماتوا جوعى !! .
وقد تقدم أحد الحرفيين (ميكانيكي) ليخطب ابنة الباشا المفلس وقد قدمت البنت حبيبها لأبيها بوصفه "دكتور" فسأله الباشا دكتور في ماذا ؟ فقال له أنه دكتور في (حتى)!!!
وقد اندهش الباشا طالباً تفسيراً .. فقال له "الميكانيكي" :
ألم تسمع عبارة ( أكلتُ السمكة حتى رأسها) أهو أنا بقى دكتور في كلمة "حتى" !!!!
ومن يومها
ورغم قيام ثورة أو "حركة" يوليو 1952 وقد أعلنت إلغاء الألقاب فيما عدا الألقاب العلمية والوظيفية ..
ومع مرور الزمن وعشق الناس وغرامهم بالألقاب باعتبارها نوعاً من إظهار الاحترام حينا وإظهار الوجاهة أحياناً ..
فقد بدأت الألقاب تعود رويدا رويدا لتغزو المجتمع خاصة مع الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات ووثوب طبقة الحرفيين والمهنيين بما حققته من مكاسب اقتصادية تشبه الطفرة الكبرى ...وتصدرها واجهة المشهد الاجتماعي على حساب الطبقة الوسطى المحافظة وبداخلها الطبقة الكادحة الأكاديمية ..
وقد صارت تلك الطبقة المتصدرة للمشهد الاجتماعي في حاجة إلى تعزيز نفسها بواجهة أخرى من الألقاب تماثل الوضع الجديد لها ..
لذا انتشرت في المجتمع موجة من الألقاب تطلق على الحرفيين ..
حيث صار يطلق على السباك أو الميكانيكي المبتدئ لقب "هندسة" والهاوي لقب " باشمهندس" والمحترف لقب "دكتور"!!!
وهكذا بدأت كل طبقة تبحث لها عن ألقاب تخلعها على نفسها دون ضابط أو رابط ..
وبمناسبة الضابط ..
فالضباط أيضا يتنادون أو يخاطبهم "حتماً" المواطن بلقب البك أو الباشا أو سعادة الباشا .. وكذلك أعضاء الهيئات النيابية وغيرهم ..
وهكذا فإن انقلاب تركيبة المجتمع جعلت الطبقات الحرفية والمهنية المتصدرة للمشهد تبدأ في شراء الألقاب لنفسها ولأبنائها ..
وانفتح لها الباب عن طريق إعلانات كالسلع عن بيع شهادات أكاديمية تصدرها بعض المعاهد أو الكليات المجهولة بدول الشرق كبولندا والمجر وبلغاريا وغيرها مقابل مبالغ مالية كبيرة لا تعني بمحتواها بقدر ما تعني بالثمن المدفوع فيها ..
وهكذا يسافر الأبناء ويعودون إلى أرض الوطن حاملين شهادات الدبلومات والدكتوارة في شتى المجالات الطبية والمهنية والأكاديمية وغيرها ...
وهو ما فطنت له الدولة أخيراً .. وبيدها لا بيد عمرو " الذي هو المجر أو بلغاريا أو بولندا أو غيرهم "
لذا فقد أنشأت جامعات ومعاهد خاصة تمنح الشهادات العليا لكل من يدفع ولا يشترط كفاءة ولا دياولو ..
وهو الأمر الذي انعكس على التدني غير المسبوق في المستويات العلمية ومستويت الكفاءة لدى أرتال وجيوش الخريجين الذين يحملون شهادات "علمية" براقة بينما مستواهم لا يزيد أبداً عن المستوى العلمي للدكتور "حتى" الميكانيكي !!
حتى أنه من بالغ الطرف ومن مرير السخرية أن أجهزة الأمن قد ألقت القبض على طبيب مزيف افتتح عيادة في قلب القاهرة ومارس نشاطه بل وأجرى عمليات على مدى أحد عشر عاماً في أدق التخصصات الجراحية " المخ والأعصاب " وهو لا يحمل مؤهلاً دراسيا ولا ترخيصاً بمزاولة المهنة ... وتم اكتشافه بمحض الصدفة وقد تكررت هذه الواقعة أكثر من مرة ..
وبالطبع فكما سادت هذه الأيام موجة الفن والأغاني الهابطة والمطربين أنصاف الأكمام المدعمين بأجهزة ضبط وتحلية الصوت والمعتمدين على مدى إظهار المفاتن الأنثوية والذكورية أيضا في استربتيز تنافسي مهين على حساب زمن الفن الجميل ...
فإن طبقة دكاترة (حتى ) وأضرابهم قد ملأوا الساحة وتصدروا المشهد الاجتماعي واضعين على صدورهم لافتات الدكتوراه مضاءة بالنيون !! حتى لكأنك لا تلحظ من أحدهم سوى اللقب ولا شيء بعده ..
فاللقب هو جواز المرور ..
أما إلى ماذا ؟ فلا يشترط .. أما أعمالهم ومآثرهم فلا تسلني أين الهوى!!
أما كيف تعرفهم ؟ فكما قال سقراط .. تكلم أعرف من أنت ...
هنا يبز ويبزغ الفارق كالفالق بين هؤلاء وأولئك ..
بين أولي النهى من الأجلاء الذين أفاء الله عليهم من فضله فبلغوا في طرائق العلم شأواً وضعهم في مصاف من عناهم الله في كتابه الحكيم ( إنما يخشى الله من عباده العلماء)...
لذا يظهرون دوماً في سمت المتواضع رفعة والخاضع سُمواً والمترفع عن الدنايا والملتفت عن الصغار والصغائر ..
لذا لا تصدر عنهم نابية من القول ولا ينزلون أبداً إلى درك الانحطاط ولا يتلفظون بقول الجهلاء ..
وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ..
في حين ينكشف من عداهم ومن عاداهم من حملة الشهادات خاصة شهادات (حتى) وأضرابهم الذين لا يملكون حين المقارعة والمحاورة إلا السباب والشتم والقذف في رجال لا يبلغ كل حملة ِشهادات (حتى) قلامة ظفر أحدهم ..
فهم (أصحاب حتى) مجاهيل علم يحملون في أيديهم شهادات.. ويضعون على صدورهم لافتات ألقابهم التي تسبق أقدامهم في كل خطوة يخطونها ...
بينما تنتفخ عقولهم بمفاهيم طبقة الانفتاح بأخلاقياتها الرديئة فتجدهم منكشفين حين يعرض لهم موقف أو يتناولون قضية فكرية أو ما شابه .. فبدلاً من أن يدلوا بدلوهم "الدكاتري العلمي" من حيث تناول تلك المسألة بنقد بناء يثري القارئ أو المهتم ويستمدد منه فهماً وعلماً ورأياً ورؤية تقلب وجه المسألة من حيث اتفاقه أو اختلافه مع أي من أطرافها تجده يسب ويشتم بألفاظ يترفع عنها حملة حقائب الركاب في محطات القطارات ...
وذلك من قبيل وصف العلماء المحترمين بألفاظ الاتهام بالغوغائية والجهل والغباء ووصفهم بأبيات شعرية بها اسقاط وتشبيه لهم بالحيوانات وما إلى ذلك ..
وكان أجدر بهم باعتبارهم من الطبقة " العليا" المستنيرة المستضيئة بنور العلم والفهم السليم أن يقارعوا الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق والدليل بالدليل ليستبين للناس الرشد من الغي ..وليفرق الغث عن الثمين... وليعلم الناس أي الفريقين أهدى سبيلا..
أما أن تكون حجتهم مقتصرة في سب العلماء ..
ومختصرة في شتمهم والنيل منهم ..
ومبتسرة في قذفهم برديء الخصال وقميء النعال..
فهنا يكون الإفلاس بذاته وهنا تكون أمام حالة من حالات "حتى" بعينها ..
فماذا نقول ..
بلد بتاعة "شهادات " بصحيح ..
على رأي الممثل عادل إمام !! ..
التعليقات (0)