الدين عقيدة ومنهج وسلوك... فالعقيدة تخص النفس البشرية وليس للبشر الآخرين فيها نصيب أي أن القناعة بدين أو آخر أو حتى فكرة الإلحاد فكرة عقلية لا تؤثر في الغير وهي خاصة بكل إنسان كجزء من فكره الخفي الذي لا يطلع عليه أحد وهي بهذا المفهوم ليست نافعة أو ضارة للغير...وأما المنهج فهو القانون الذي يضعه (الدين) ليحكم السلوك الاجتماعي سواء التزم به أتباع الدين أو لم يلتزموا...وأما السلوك فهو التطبيق لمنهج الدين وتحدده الشريعة, كما يحدد القانون الوضعي سلوك البشر في أي مجتمع...وهذا الجزء هو الذي ينفع ويضر ويهتم به الناس...ومن مقومات التدريب على اتباع المنهج أو القانون هو العبادات في الدين وإقامة الحدود في الدنيا كقطع يد السارق أو قتل القاتل أو جلد الزناة... أو الثواب والعقاب الفوري في حالة القانون الوضعي بالسجن أو الإعدام أو الغرامة...بمعنى أن العبادات المفروضة على المتدين هي تدريب له على اتباع المنهج وجعل إرادته رادعا ذاتيا في حالة ما يستحق العقاب وحافزا له في حالة ما يستحق الثواب...ومن بعض العبادات ما يجعل الصلة وثيقة بين المنهج والسلوك بحيث يجعل الرابط عضويا كما في حالة الزكاة مثلا فإنها عبادة ذاتية وفي نفس الوقت صلة اجتماعية وهذا هو الفرق بين عبادة الزكاة وبين الصلاة أو الحج أو قراءة القرءان...وبالنظر إلى دوافع اتباع الأديان نجدها تختلف اختلافا بينا بين الأشخاص بحيث لا تنطبق حالة إنسان على حالة آخر لأن اتباع الدين له دوافع مختلفة يؤدي خلطها إلى توافقات وتبادلات لا نهاية لها ولذلك ففكرة التدين متعددة بعدد البشر ونذكر من دوافع التدين ما يبدأ بالنفع الشخصي وإرضاء الكبار كما في حالة الصغير الذي يصلي ليرضي والده أو البالغ الذي يصلي ليرائي أو ليحقق مكانة تساعده على نجاح عمله كالتاجر الذي يلتزم بالصلاة في أوقاتها ليفوز بثقة الناس أو كشاب يريد أن يفوز برضا الأصهار المستقبليين وينتهي بأعلى الدرجات وهي العبادة الخالصة لوجه الله وهي قليلة بالطبع في نفوس البشر..... ولا تخلو نفس سوية من هدف بشري يختلط بالهدف الأسمى من العبادة بدرجات متفاوته...وحين نتذكر حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) نجد أن الهدف هو التعايش الذي يرضي العباد ويؤمن أموالهم وأعراضهم ويفشي السلام بين الأشخاص والأمم ....وليست تصرفات الخارجين على مناهج الأديان حجة على المناهج وإنما هي حجة على الأتباع أنفسهم .....كما نقول إن قانون المرور جيد ولكن السائقين لا يلتزمون به فحق على المخالف أن يعاقب لا أن نعيب قانون المرور..... ويؤكد هذه الفكرة أن كل الأديان السماوية ودعوات المصلحين الاجتماعيين وإن كانوا ممن أرسلهم الله في الدنيا بغير رسالة نبوئية تدعو إلى الخير وتحذر من الشر بكل أشكالهما...فمن الحكمة أن يهتم الناس بجانب السلوك في الأديان وفي القانون الوضعي لأن السلوك هو المؤثر في الحياة الاجتماعية وليست العقيدة ...فإنك حر في الاعتقاد ولست حرا في التصرف (فمن شاء فليؤمن من شاء فليكفر) ولكن لا يتعدى تابع دين على آخر متدينا كان أو ملحدا ولا يعتدي كافر أو ملحد على أحد متدينا كان أم كافرا ولنتذكر جميعا أن الحدود في الإسلام شرعت للمحافظة على حقوق البشر وليست للمحافظة على العقيدة لأن الحساب على العقيدة يوم الحشر حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا
التعليقات (0)