مواضيع اليوم

دفاعا عن الهيئة العليا للانتخابات التونسية...

جمعة الشاوش

2011-05-25 09:50:58

0

قد يوحي العنوان برغبة في مغازلة الهيئة العليا للانتخابات "لحاجة في نفس يعقوب" وما أنا بيعقوب ولا حاجة لي سوى الاقتناع بوجاهة المبررات التي اعتمدها من تبرؤوا أو رفضوا مقترح ذات الهيئة "الغلبانة" بتأجيل الانتخابات،والرافضون هم عدد كبير من الأحزاب ومواطنون وحكومة ورئيس جمهورية الذي "تولى إمضاء أمر يوم 20 ماي 2011 ليصدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية يوم الثلاثاء 24 ماي من نفس السنة يقضي بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي يوم 24 جويلية 2011.
لا يجوز أن نشكك في وطنية الأحزاب ورغبتها في أن تتنافس من أجل شرف الإسهام في المهام التي ستوكل للمجلس الوطني التأسيسي وإن كانت مهامه لا نعرف عنها معلنا "بصريح العبارة" غير صياغة الدستور الجديد والمصادقة عليه...ونتفهم تذرّع العديد منها برفض تأجيل الانتخابات خوفا من مخاطر مفترضة قد تنجرّ بسبب التأجيل فضلا عن اعتبارات أخرى نستشفها من التلميح أكثر من التصريح في البيانات الحزبية والحوارات الإعلامية .
أكاد أجزم أنّ أغلبية التونسيين يُخيّرون أن تجري الانتخابات يوم 24 جويلية 2011 بل إنهم يرغبون أن تتمّ اليوم قبل الغد،إن لم نقل في التاريخ الذي انتهت فيه "الشرعية الدستورية" للرئيس المؤقت.أما ما يفسر هذه الرغبة فقد لا أجانب الصواب إن ادّعيت أنها محكومة بأسباب كثيرة وأحيانا متباينة أسلّم بعجزي عن الإتيان على جميعها،لكني أجازف بذكر بعضها ملتمسا العذر عند الخطإ (ومن اجتهد وأخطأ فله أجر راجيا ألا أحرم منه إن لم يحالفني التوفيق فأؤمّل في نيل الأجرين)...
لدى الكثير من التونسيين تعطّش للاستمتاع بنخوة ممارسة الحق الانتخابي كما أملته ثورتهم العظيمة دون تشويه ولا نقصان وفي أقرب وقت،بل اليوم قبل الغد بعد أن تعذّر إنجازه بالأمس.
إنّ الانتخابات تعني،فيما تعنيه،الانتقال من مرحلة إطاحة الثورة بالمتداعي للسقوط والفاسد إلى مرحلة بنائها للصالح حتى لا يبقى الحال على ما هو عليه من مراوحة في نفس المكان انشغالا بلعن المطاح به وغير المأسوف عليه دون الشروع في الانصراف إلى اختبار القدرة على تحقيق أهداف الثورة وما أكثرها استحقاقات جدية ورؤى وأماني وأحلام جماعية وفردية.
أحسب أن هناك رغبة جامحة في طي الصفحة القاتمة البغيضة وفتح صفحة جديدة ناصعة مشرقة تتسع لاحتضان وطن يحبه الجميع لأنه يحتضن الجميع ولا يلفظ إلا المتآمر على شرفه ولا أظنّ أنّ الوطن الذي يتسع لكل أبنائه ثمة من يخونه...الانتخابات مدخل للإطلالة على ذات أفق جميل واعد،إذن لمَ لا تكون اليوم ؟..لمَ ينكّد البعض على الشعب بالإصرار على تأخيرها مهما كانت وجاهة المبرّر؟...ألا يكون الإذعان لإتاحة الفرصة للشعب كي يفرح اللحظة خيرا من تأجيل ذات الفرحة لموعد لاحق قد لا يفي بوعوده؟..
ثمة أسباب أخرى قد يتفق بشأنها أناس وقد يختلف في دواعيها آخرون:من ذات الأسباب التوجّس من حالة اللاشرعية ومن الانفلات الأمني والارتباك في اتخاذ القرار الصائب والخوف من خفوت جذوة توقد الثورة الشعبية وبالتالي استدراجها لأطماع نخب سياسية وإيديولوجية ،فضلا عن الوضع الإقليمي المتفجر الذي لا يساعد على الاطمئنان إلى نتائجه وبالتالي الانعكاس سلبا على الوضع الداخلي الهشّ...
إضافة لكلّ ذلك،بل في مقدّمة الهواجس المطروحة، الانطباع الحاصل لدى شرائح واسعة من المجتمع بأنّ الثورة لم تف بوعودها المستعجلة والأكيدة بما يتصدر أولويات هذه الشرائح وتحديدا لدى الشباب العاطل الذي طحنته البطالة ولا تزال تدفع الآلاف منه على الاحتجاج والغضب بشتى الوسائل بما في ذلك ركوب الآلاف "قوارب الموت" بحثا عن "الجنة المفقودة" في بلدان الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط...
أين الشغل؟..أين تحسين دخل الشغالين؟..أين الاستثمار؟..أين التوازن الجهوي؟..أين استحقاقات العدالة الانتقالية؟..أين الأمن؟..أين فارس الأحلام؟..أين الراحة والاستجمام في جنة الأحلام كما كان يُؤمِّل الكثيرون من ثورة عظيمة ميمونة؟..
يُجيب الساسة مزايدين بعضهم على بعض وقد ركبوا الثورة للتوّ دون الاطمئنان إلى أنها انصاعت لغاياتهم وأغراضهم:انتخبونا لنغدق عليكم الحرية والكرامة ولنغمركم بعطائنا الوفير فنعالج أوجاعكم ونزوّج عوانسكم ونملأ جيوبكم مالا وقلوبكم حبا ونمتّعكم بالسباحة في شهر رمضان إن أنجزنا الاستحقاق الانتخابي في 24 جويلية 2011...
ألا يكون،إذن،أغلب التونسيين معذورين في التطلع إلى الاستحقاق الانتخابي اليوم قبل الغد؟...
لكن ما الجرم الذي اقترفته "الهيئة العليا للانتخابات المستقلة" وهي التي مضى على انتخابها أقلّ من أسبوع يتيم حين تجرّأت لتصدم الجميع بالقول أنها بالنظر للحيّز الزمني الضيق المكبّلة به لا تقدر على الإيفاء بالتزاماتها وفاء للثورة في تنظيم انتخابات والإشراف عليها بكل استحقاقاتها،وفقا لمعايير الدول الراسخة في الديمقراطية،وأنها تقترح تأجيلها لبضعة أسابيع تقديرا لجسامة المسؤولية التي تحمّلت أعباءها عن طواعية أمام الشعب والتاريخ الذين لا يرحمان ولا يغفران استهانة بالأمانة أو ارتجالا في الأداء أو خدشا في أوّل عرس يحتفل به التونسيون بعد الثورة ويُصرّون على أن يكون عرسهم لا يفسده عليهم سوء تقدير ولا يُعكّر صفوه أداء رديء؟...
هل ذات الهيئة مطالبة بأن تتحمّل وزر الأشهر التي ضاعت على الإعداد للانتخابات لأسباب سواء أكانت وجيهة أو غير وجيهة أو مفتعلة أو حتى قاهرة ؟...
أليست النخب السياسية في الحكومة وخارجها التي تصدّرت المشهد السياسي وصالت وجالت متبرّكة بالثورة هي التي لم تهتد إلى الصيغة المثلى التي تجعل من الاستحقاق الانتخابي في مقدمة الأولويات تزامنا مع الاهتمامات الأخرى بما يوفّر متسعا من الوقت لهيئة نحمّلها لوحدها أمانة مسؤولية تاريخية حتى إن طمأناها بأننا لا ندّخر جهدا حكومة وأحزابا وسائر مكونات المجتمع المدني من أجل مساعدتها...هذه الطمأنة لا تعفي المؤمَّن على أمانة هي على غاية من الحساسية والدقة من مسؤوليته الجسيمة التي لا تحتمل الارتجال وسوء الإعداد والخطإ بما يترتب عليه إثبات العجز عن تنظيم انتخابات تليق بتطلعات شعب "هرمت" أجيال منه من "أجل هذه اللحظة التاريخية".
لئن صحت قراءة واقع الحال كما سبق،فإنّ اقتراح الهيئة العليا للانتخابات بتأجيل الانتخابات قد تُفَسَّر أسباب رفضه على أنه دعوة لتعاطي جرعة دواء طعمها مرّ ومنفّر لكنها ضرورية على طريق العلاج الصحيح...وعليه وجب أن يتجنّد للغرض أهل الذكر النزهاء ومن انخرط في جهدهم من العارفين من أجل التبصير بما تستوجبه انتخابات جادة من جهد ووقت،وهي مهمة يبدو أنه غير مرغوب فيها ولا يقدر على الانخراط فيها إلا من لا يخشى لومة لائم في الحق وليس معنيا بحسابات الربح والخسارة الذاتية.
أما إن كان وراء اقتراح تأجيل الانتخابات نوايا أخرى غير المعلنة فإنّ المسألة تصبح أفدح وأخطر...أي أنّ نزاهة الهيئة العليا للانتخابات شابها ارتياب وأن حيادها مشكوك فيه وأنّ استقلاليتها مقدوح فيها...بما يعني أنّ ذات الهيئة،منذ البدء،ارتجّ الصرح الذي تأسست عليه حتى إن كان الأمر لا يعدو أن يكون قراءة بين السطور.فلا معنى لانتخاب تشرف عليها هيئة تُوضَع مصداقيتها محلّ تساؤل أو شكّ قبل أن تبحر في مباشرة مهامها...وخير لها،في رأيي المتواضع،أن تنسحب وتختفي من حلبة صراع تؤشّر على شراستها...
على أنه وجب التوقّف،من جديد، على موقف الحكومة "المحرومة" من قطف ثمار الاستحقاق الانتخابي(التزم أعضاؤها بعدم الترشح للانتخابات القادمة)،حيث بدا موقفا منخرطا في جوهره في لعبة تقاذف الكرة لوضعها في شباك الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد يُفَسَّر بالتخوّف من ردود فعل قد لا تسرّ الجميع...مع ذلك نسجّل للحكومة تلميحا لا يخلو من "شفقة" على هذه الهيئة "المنكودة الحظ" في بيانها الذي يجمل جوهر الإشكالية بموقف يقول:"...ناقش المجلس (مجلس الوزراء) مطولا الاقتراح المذكور الصادر عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وأوصى..."باحترام الالتزامات المتعلقة بموعد الانتخابات المحدد ليوم 24 جويلية 2011...
أي "عاش من عرف قدره" فالحكومة لا حول لها ولا قوّة أكثر من أن "توصي" لا أن تقرّر أو تفرض إذ هي ليست من مشمولاتها الإشراف على الانتخابات..."ومن أنذر فقد أعذر"...

أما إن أذعنت الهيئة العليا للانتخابات للضغوطات المسلطة عليها،وخيرت "المجازفة" على الاستقالة اعتمادا على طمأنتها بمساعدتها على ربح الوقت الضائع،فهي تكون بذلك قد أعادت الكرة إلى مرمى قاذفيها ولسان حالها يقول:"لقد نبّهت وأنذرت،ومن أنذر فقد أعذر..."

والنتيجة أن انتخابات المجلس الوطني التأسيسي تكون قد حافظت على مصداقية الالتزام بتاريخ موعد اتّفق عليه،وهو ما يحفظ للحكومة "ماء وجهها"،لكنها قد لا تكون في الموعد مع حسن الأداء وتطلعات الشعب التونسي إلى انتخابات راقية جديرة بثورته العظيمة، أي أنها قد لا تكون على موعد مع التاريخ...




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !