يبدو ان حتمية صعود المد الاسلامي من جهة ..وكون الانظمة القمعية الاستبدادية هي الدريئة التي تمنع وصوله الى الحكم من جهة اخرى..مسألة واجبة الحدوث حتى انه ان لم يكن موجودا..لاخترعناه..كما يقول الراحل نزار قباني..
فرغم خفوت صوتها..وضياعه في خضم الزخم الهادر الذي تمثله ارادة الشعب المصري في التغيير والحرية والانعتاق..لا يمكننا ان نعد التحركات الليبية تجاه استقطاب حركة النهضة الاسلامية التونسية ..اوالاشارات التي صدرت عن وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي والتي تحدث فيها عن ان الانتفاضة المباركة في مصر ستساعد في اقامة ما اسمه شرق اوسط اسلامي كبير..الا كاول محاولة هجوم ارتدادي كبير على الهوية الوطنية والليبرالية للانتفاضات الشعبية العربية في تونس ومصر..
فيبدو ان الانكشاف الكبير لحجم التيارات الاسلامية على الساحة الشعبية العربية ..وسقوط النظرية التي كانت تروج لها الانظمة حول سيطرتهم على الشارع..وغيابهم المدوي –حد المفاجأة-عن الحراك التأسيسي الثوري الذي قاد الاحداث واوصلها الى النقطة التي تمكن الجماهير من حصاد نتائج صبرها وكفاحها..وتأخرهم وانحشارهم في زاوية الملاحقة اللاهثة لقيادة التيار الليبرالي الوطني الشاب.. الذي يمتاز بالوعي التام بمنطق وسيرورة واليات النضال الثوري في اسمى صوره..ونوعية الشرائح التي تصدت لمثل هذا العمل الجبار.. رغم الاطمئنان على هامشيتها السياسية بسبب استهدافها المنتظم من قبل الانظمة الحاكمة في وعيها وكرامتها وانتمائها الوطني..
نقول..ان هذه المعطيات يبدو انها قد افقدت بعض الانظمة والقوى الاقليمية قدرتها على القراءة السليمة للاحداث ودفعها الى نوع من محاولات الوصاية الاختطافية التحريفية لمسار النقاء الثوري الذي تمثله الانتفضات الشعبية القوية والصلبة والسلمية في آن..
ويبدو ان سقوط ثنائية الاستبداد مقابل المد الاسلامي..والتي ساهمت انظمة الحكم الديكتاتورية في تسويقها كشعار مركزي ستراتيجي اعلى ..استجلابا واستدرارا للدعم الغربي للتأبد بالسلطة تحت دعاوى حماية المصالح الغربية في المنطقة..كان من اكثر الامور التي اصابت مقتلا في جسد الديكتاتورية العربية والاقليمية وولدت ارتباكا واضحا يمكن ان نلاحظه من خلال استجداء لقطات الصلوات الجماعية او محاولة التنقيب عن القيادات الاسلامية واستنطاقها المتوسل لبعض الشعارات التي يبدو انها اختفت تماما من الخطاب السياسي المعبر عن ارادة الجماهير العربية الثائرة..فاسحة المجال امام الشارع ليحدد اجندات الحركات الليبرالية والاسلامية معا..
فالخطاب الاسلامي المعاصر..وبلا ادنى انتقاص من الجهد العلمي الطويل للحركات السياسية الاسلامية..ودون اغفال تعرضه للتضييق الطويل والمناهضة من قبل الانظمة الاستبدادية التي حصرته في زاوية الترويج لمبادئها الفاسدة في الحكم..-يعاني من عدم قابليته للتسويق الجماهيري المعاصر..كاولويات ومنتهيات..ويتقاطع في بعض-او جل- خطوطه مع خطاب الشارع وأولوياته.
إضافة إلى مشاكل البطالة والفقر وغياب العدالة الاجتماعية التي كانت العامل المساعد الاول في إشعال الحريق الكبير..كانت من الامور الاكثر دنيوية قليلا مما يمكن ان تقدمه الشعارات الاسلامية التي تتحدث عن مجتمع طوباوي غير قابل للتحقق..او عدم توفر اشتراطاته حاليا على الاقل..
كما ان المجتمع العربي المسلم غير غافل عن ان اغلب الاليات التي يحكم بها بالحديد والنار واستلاب الارادة الوطنية هي من منجزات الفكر الاسلامي المدعوم من قبل السلطان..كما ان اغلب الحركات الاسلامية تدعو الى نوع من المهادنة مع الحكم –حتى وان كان جائرا-بينما يرتكز المشروع النهضوي العربي على المبادرة الفورية لازالة هذه النظم السياسية العربية الفاسدة والتابعة واستبدالها بنظم تكتسب شرعيتها من ارادة الامة الحرة المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع في انتخابات حرة نزيهة
يحسب للقوى الاسلامية عدم انجرارها نحو مخططات استغلالها كوسيلة استعداء للقوى الكبرى تجاه الحراك الشعبي الثوري..وتماهيها مع خطاب الشارع في وجوب التغيير المرتكز على الخيارات الوطنية العليا..وما تصريح السيد الغنوشي"الشريعة لا مكان لها في تونس"او البيانات والاعلانات التي صدرت من بعض قيادات الاخوان المسلمين بتغليب الحل الوطني المناهض للديكتاتورية ..والمضي بمشروع وطني يفضي الى انتخابات حرة مقننة بدستور متفق عليه..الا دليل على ان الشارع الثائر قد اخذ يفرض رؤيته على مجرى الاحداث..وهذا الواقع نتمنى له ان يستمر لحين استكمال متطلبات المشروع الوطني الحر..وبعدها سيكون الاحتكام الى صوت الفرد الواحد الحر..
التعليقات (0)