علي جبار عطية
ــــــــــــــــــــــــ
aliatia123@yahoo.com
كاتب وصحفي عراقي
يقول محدثي: لم يخدعني مظهر ذلك الرجل ولامرافقية ولا نظارته ولاحقيبته الدبلوماسية حين رأيته في مكتب السكرتارية ينتظر دوره للدخول ليقابل السيد الوزير، كان مساعداه يصران على ترديد لقب (دكتور) بمناسبة وبدون مناسبة عاضين على شفاههم من التكلف.
وكان هو يتحدث بالموبايل وارى ان هاتفه لايعمل لكنه يتعمد اسماع الحاضرين انه يتكلم مع شخص مهم! وياتي مساعداه ليسجلا ملاحظات وارقام ثم يرددون (دكتور.. سيأتي دورك).
يضيف محدثي: نظرت الى شاربيه الغليضين وكرشه المتمرد على حزامه الجلدي فصار عندي شعور ان هذا الشخص ليس دكتورا وان كان دكتورا فهو دكتور (حواسم)! وصدق ضني بعد دقائق حين حين غادر هذا الشخص المكان بعد ان تأكده ان السيد الوزير لن يقابله وكانت المفاجاء ان شخص من منتسبي الوزارة يبحث عنه فقد جاءتهم معلومات ان شخصا بالمواصفات التي ذكرتها هو شخص محتال كانت وظيفته السابقة نائب ضابط مطرود من الجيش يمارس الان عمليات الاحتيال!
ولم ينسى محدثي ان يعلق لقد فضح هذا الشخص تكلفه وتصنعه والدكتور دكتور بعلمه وتواضعه وبساطته لا بهذه البالونات التي لاتصمد امام وخز الحقائق.
هذه الحكاية نقلتني الى موضوع البساطة في التعامل مع الاشياء فكثير من الناس يربط بين التطور والتعقيد ومن طبيعة الاشياء ان متطلبات الانسان تغيرت كثيرا، وتعددت وتنوعت فما كان يطلبه انسان العصر الحجري بل الملك في العصر الحجري اصبح اليوم في متناول الجميع وحين يقراء المراء اليوم ماكان يحصل عليه الملك او الخليفة قبل الف سنة من ملبوسات او ماكولات وماء مثلج يجدها متوفر لكثير من الشعوب التي عندها المواطن افضل من الوطن.
نعم.. حياتنا تعقدت بالتطور العلمي والتكنولوجي ولكن هذا لايعني ان يكون ذلك على حساب الانسان.
لم يفهم البعض ان التكنلوجيا هي وسيلة لخدمة الانسان لاهدفا بحد ذاته فعلى سبيل المثال ليس اقتناء الهاتف النقال او الكومبيوتر او اية وسيلة اتصال متطورة من باب الوجاهة الاجتماعية بل ان هذه وغيرها وسائل لتسير الحياة وتذليل الصعوبات لغيات مهمة ولا كما يحصل من التمترس خلف هذه الوسائل وجعلها هي المتحكمة في سلوك حاكمها الانسان.
هل احسست براحه حين تسكت المولدة الكهربائية والثلاجة وباقي الاجهزة التي تحدث الضجيج وخاصة عند انقطاع الكهرباء؟
هل سمعت بعدها الى تغريد الاشجار وتغريد البلابل؟ ستقول أية بلابل هذه والانفجارات غطت اصواتها، على اصواتها على اصوات الجمال ولكن مع ذلك فان الاحساس بالارتياح يولد بعد كل سكوت للتكنولوجيا.
قرأت قبل ايام ان ""دار الافتاء"" في مصر تخطط لاطلاق قمر صناعي لرصد الهلال في غرة كل شهر لحل مشكلة الخلاف في تحديد اوائل الشهور مع العلم ان هذا لن يحل المشكلة لان مسألة تحديد الهلال هي مسألة تعبدية وليست فلكية والرؤية الشرعية تكون بالعين المجردة ولا ادري سر هذا اللجوء الى تحمل تكاليف باهضة لمسألة احلى مافيها هذا التهيؤ النفسي لقدوم الشهر ووداعة خاصة شهر رمضان المبارك بلا نمطية قاتلة.
تذكرت في هذا الخبر تعليق احد الصحفيين الفرنسيين الذي سمع ان مجلس البلدية قرر صرف مبلغ ضخم لاقامة تمثال لهذا الشاعر في ساحة المدينة وقد علق الشاعر انه مستعد للوقوف بنفسه في ساحة المدينة اذا دفعوا له هذا المبلغ.
لو سألت اي شيخ اوشيخة من معمري القرن الماضي لوجدت الناس كانوا سعداء للغاية برغن بساطة ماكلهم وملبسهم ومسكنهم والسر لايكمن في افتقارهم للتكنولوجيا فحسب بل لان السعادة احساس داخلي قبل اي شي، سعادة في النفس والعقل والمشاعر والافكار، حيث لاتجد فيها شخصا مثل ذي الكرش الذي ابتدات به المقال يضطر فيه الى الاحتيال بحثا عن سعادة زائفة، فالذي يهتم بانماء بطنه لايمكنه ان ينمي عقله.
التعليقات (0)