قال لي صديق : هل سمعت كلام الدكتور ناصر العمر بحق وزير التربية والتعليم ؟ فقلت : لا .. خيرا إن شاء الله , وماذا قال الشيخ العمر ؟ قال : لا أستطيع أن أوجز ..عليك أن تسمعه أنت , بل لعلي أقول : يهمني أن اسمع رأيك أنت بالذات .. فتبين صديقي علامات الدهشة في محياي ! فقال : لا تستغرب .. سأقول لك لماذا يهمني رأيك , أنت والدك هو الدكتور عبدا لله الرشيد رحمه الله نائب رئيس تعليم البنات , هل هذا صحيح ؟ قلت : نعم .. قال وعمك هو الشيخ عبدالعزيز الرشيد أول رئيس عام لتعليم البنات و الذي أصبح رئيسا لهيئة التمييز وعضو هيئة كبار العلماء ؟ قلت : نعم يا أخي وما دخل كل ذلك بكلام الدكتور ناصر العمر , هل قال شيء حولهما ؟ أو ذكرهما بخير أو بشر في كلامه ؟ لقد استفزيت فضولي بكلامك هذا .. هل حديث الشيخ العمر موجود على اليوتيوب ؟ قال : نعم .. فدخلت عن طريق الهاتف المحمول على اليوتيوب , وبحثت عن حديث الشيخ العمر عن وزير التربية فوجدته , فأخذت اسمع .. في البداية هالني كلام الشيخ , فقد توقعت انه صدر قرار بالاختلاط في جميع المراحل ,وأنني أخر من يعلم ! واستمعت حتى النهاية , وحينها فقط فهمت ماذا كان يقصد صاحبي , عندما ربط بين حديث الشيخ العمر بوالدي رحمه الله وعمه الشيخ العلامة الشيخ عبدالعزيز الرشيد .
لقد ارتبط تعليم البنات في المملكة العربية السعودية بوالدي المغفور له بإذن الله الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الرشيد , لعدة اعتبارات , أولهما : انه حين قرر الملك فيصل رحمه الله البدا بتعليم البنات في المملكة العربية السعودية , وجد معارضة كبيرة من علماء الدين , ولكنه بنظرة الثاقبة أصر وطمئن العلماء بان ذلك سيكون تحت إشراف مباشر منه رحمه الله , ومن مفتي المملكة في ذلك الوقت الشيخ محمد بن إبراهيم , وقد اختار لتلك المهمة الشيخ عبدالعزيز الرشيد رئيسا عاما لتعليم البنات , و والدي الدكتور عبدالله الرشيد مديرا عاما لتعليم البنات , وبدأت القصة بشقة صغيرة في شارع التلفزيون وسط مدينة الرياض , يداوم بها والدي وعمه وسكرتير .. سبحان الله .. ثم كبرت يوما بعد يوم , حتى أصبح تعليم البنات يضاهي تعليم البنين .. فعليا وليس من باب المبالغة ..وثاني هذه الاعتبارات : انه أصبح تغيير الرئيس في تعليم البنات روتينا , مع بقاء المهام الفعلية بيد نائب الرئيس الوالد رحمه الله طوال 40 عاما , تغير الشيخ عبدالعزيز الرشيد بالشيخ ناصر الراشد , حيث سلم الشيخ عبدالعزيز الرشيد رئاسة هيئة التمييز , وأصبح الوالد الدكتور عبدالله الرشيد رحمه الله نائبا للرئيس , وتوالى على الرئاسة مجموعة من العلماء الأفاضل ,الشيخ ابن خنين الشيخ ابن عودة .. وغيرهم , وقد كان التوقع بعد تغيير أي رئيس أن يكون الوالد رحمه الله هو الرئيس , ولكن ذلك لا يحدث , بسبب تخوف العلماء بان يخرج هذا القطاع عن سيطرتهم .
الشاهد من كل ما ذكرته هو , أن دراسة تعليم البنين و البنات إلي الصف الرابع من قبل المعلمات دراسة قديمة جدا , وكانت على وشك التطبيق , وقد كانت من المأخذ التي فوتت على الوالد رحمه الله أن يكون رئيسا , حيث كان بعض العلماء يقول إذا كان هذا الرجل بداء يفكر بجعل الاختلاط في الصفوف الأولى , فهذا باب يسبب الاختلاط في جميع المراحل , وشنت عليه رحمه الله حرب خفية , حتى انه كان يتلقى الاتصالات يوميا من المحتسبين , وقام رحمه الله بزيارات متكررة لمفتي المملكة في ذلك الحين الشيخ ابن باز رحمه الله , الذي قال له : اعلم يا بني ان ذلك ليس به شيء , ولكن هناك خوف أن يكون هذا باب لأمور أخرى , فسده واسترح ! , وتكرر ذلك حين تمت دراسة النشاط الرياضي في مدارس البنات .. سبحان الله ان كل ذلك يتكرر ألان , وبشكل كربوني مطابق على الأمير فيصل ابن عبدالله وزير التربية والتعليم .
لقد وجدت كلام الدكتور ناصر العمر ضد سمو وزير التربية والتعليم في غير محله , فإذا لم تعد للدين مكانته في تطييب الخواطر وتهدئة النفوس , فسيبقى الناس متدابرين متحاقرين لا يجمع شملهم شيء ,و الشيخ العمر من العلماء الذين يقع عليهم واجب نصح الأمة في كل ما يعنيها من أمور دينها ودنياها.. وقد كان السلف إذا ارتادوا نصيحة أحد وعظوه سرا حتى قال بعضهم من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه.. وقد تكون نصيحة ولي الأمر أشد تأكيدا على سريتها والأدب في انتقاء كلماتها وأسلوبها حتى تكون أقرب للاستجابة، سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر فقال إن كانت فعلا ولابد ففيما بينك وبينه.. واجد ان الشيخ العمر قدم نصيحة لولي الأمر بأسلوب لا يليق إطلاقا , بل حمل نفس تحريضي غير مقبول , و الشيخ يعلم أن التظالم بين الناس لا يجوز , ومن العبث ان تحل مشكلة بصنع مشكلة أخرى , أو ان تعز طائفة من المجتمع – حتى وان كانت من طلبة العلم – بإذلال الطوائف الأخرى من المثقفين , والتربويين ونحوهم , فطريقة التلميح الدائم بتأييد ولي الأمر للعلماء الأفاضل , وان لهم مكانه عند ولي الأمر , وجعلها سيف على رقاب الناس هذا أمر لا يقبل من رجل فاضل مثل الشيخ العمر , أن موضوع تدريس الأطفال حتى الصف الرابع من قبل المعلمات أمر تربوي بحت , ولا يخالف تعاليم الإسلام بشيء , فلماذا تصويره بهذا الشكل المخيف من باب (سد الذرائع ) الذي سدت به البواب فيها خير كثير للأمة بتخوف لا مكان له , ولقد وجدت في كلام الشيخ العمر شيء من موقف رجال الدين الذين طالبوا بمنع المرأة من التعليم قبل عشرات السنين , فقد قالها هو بنفسه " أن رجال الدين حينما طالبوا بعدم السماح للمرأة بالتعليم , كانت لهم نظرة ثاقبة , وهي ما نراه ألان من دعوة وزير التربية للاختلاط " سبحان الله يا شيخنا الفاضل , هل كانت بحق نظرتهم ثاقبة بالوقوف ضد تعليم المرأة , هل تنكر تعليم بناتك وحفيداتك أنت شخصيا , ان هذه المواقف المنكرة هي التي صنعت الفكر الإسلامي في العصور الأخيرة , وفرضت الأمية و التخلف لا على المرأة وحدها , بل على نظام الأسرة وكيان مجتمع وطبيعة تشريع .
إننا في عصر شاركت المرأة الرجل غزو الفضاء فلا يجوز أن نترك القاصرين يثيرون على ديننا التهم , وينقلون للناس ما في أنفسهم من علل , أن الحد الأدنى للامية يرتفع بشكل سريع في العالم , فالمرأة التي تجهل التواصل الالكتروني و ألمعلوماتي و التقني الحديث , لن تستطيع مراقبة أبنائها , لن تستطيع معرفة ما يشاهدون وما يطالعون ومع من يتواصلون في كامل أرجاء العالم , ناهيك أن تعرف هي شخصيا ما يفيدها وينفعها في حياتها , وغدا لا نعلم ماذا يخبئ القدر لنا , شرف الأمة أن تحكمها تقاليد النبل أكثر مما تحكمها قوانين القمع و التضييق , أن سلطان الأخلاق أجدى وأرحب من سلطان التخويف وقفل الأبواب من باب " سد الذرائع " , والمتعة الحقيقة للأمم هي في سيادة الهدى و التقى والعفاف و الغنى , ومكمن الانهيار العلمي و الروحي الذي أصابنا , يعود ألي النظرة الحيوانية المجردة لوظيفة المرأة , يا شيخنا أن عليك وعلى أمثالك مهمة شريفة , ألا وهي أن تراعي البناء الإسلامي حجرا حجرا , وتعيد الجدة والرونق إليه بعد ما حوله "التزمت" إلي أنقاض في السنين التي خلت , و"التزمت" الذي اقصده هو العجز العلمي عند بعض المنتمين إلي الإسلام الذي يجعلهم يتصورن المباح حراما , وان النفل فرضا أو العادات عبادات أو تقاليد بعض البيئات هديا سماويا , والأدهى من ذلك كله الاشتباك مع الآخرين في أمور كان يمكن تطويعها لخدمة الإسلام وتحقيق أهدافه ومثله ,, والله من وراء القصد
عبدالعزيز بن عبدالله الرشيد
التعليقات (0)