لم يكن الرئيس أوباما مخطأً أو كاذباً حينما قال ، " أن الأخوان المسلمين لا يتمتعون بدعم أغلبية المصريين ولكنهم منظمون جيداً " ، وهو بالتأكيد كان يستند الى تقارير أستخبارية أعطته فكرة تكاد تكون صحيحة مئة بالمئة عن وضع الأخوان في مصر .
ولم يكن ظهور الأخوان المسلمين في ساحة التحرير بالقوة اللتي كان الجميع يتحدث عنها قبل 25 يناير ، وأذا كان البعض يتحدث عن تكتيك معين يتبعه الأخوان لعدم أثارة خوف الغرب في المرحلة الراهنة بأنتظار الأنتخابات النيابية القادمة واللتي يزعم الجميع بأنها ستكون شفافة ونزيهة ، فأن الكثير من المحللين والمراقبين يعتقدون أن الأخوان ، وأن تمتعوا بتنظيم جيد ، وتمرس في العمل السياسي نتيجة لعبة الكر والفر اللتي أتقنوها مع جميع الحكومات اللتي مرت على مصر منذ منتصف القرن الماضي ، فأنهم لن يحققوا أكثر من خمسة وعشرين بالمئة من مقاعد البرلمان "النزيه" القادم .
وهي نسبة وأن عدت كبيرة بكل المقاييس ، ألا أنها ليست بالنسبة اللتي تمكن الأخوان من الأنفراد بالساحة السياسية المصرية ، كما يحاول أظهاره الأعلام الحكومي وبعض الجهات اللتي يحزنها التغيير الديموقراطي في مصر .
من الواضح أن الأخوان ، كما باقي الأحزاب المصرية العتيقة ، قد تفاجؤا بثورة الشباب في 25 يناير ، الأمر اللذي لم يترك لهم المجال لأستغلال خبرتهم الطويلة في التنظيم والدعاية لأعداد عرض منظم يظهر التنظيم "اللذي فقد لقب المحظور ولو أعلامياً" وكأنه القوة الحزبية الأكبرفي ساحة التحرير ، وبالتالي في مصر .
ولم يستطع الأخوان بعد أسابيع من بدأ الثورة ، لاهم ولا غيرهم ، من وسم ثورة 25 يناير بشعارهم ، بينما وسمها الجميع بشعار الفيسبوك أكثر من أي شعار آخر . وأقوال المعتصمين الأبطال في ساحة التحرير اللتي نقلتها الصور والتقارير الصحفية الميدانية من خلال وسائل الأعلام المختلفة تؤكد على أن هذه الثورة هي ثورة الشعب بجميع طوائفه وتوجهاته السياسية والحزبية ، بضمنها الأخوان المسلمين اللذين هم جزء أصيل من الشعب المصري ، له كل الحق بالمشاركة في الحياة السياسية مادام ظل ملتزماً بالدستور القادم ، واللذي لابد وأن يحضى بموافقة الأغلبية الساحقة من المصريين ليكون حجة على الجميع ، ولا يترك لأحد اية فرصة للطعن ببنوده او تفسيره على هواه .
كل هذا السرد ، يعزز نسبة الدعم الشعبي للأخوان اللتي تكلم عنها أوباما والمراقبون . كما يعززها أي معرفة ناتجة عن تماس مباشر مع المصريين في الداخل والخراج ، ومن فعل ذلك لا بد وأن يلمس التنوع الفكري والثقافي للشعب المصري واللذي لايسمح مطلقاً بتلوينه بلون واحد او أثنين أو حتى بعشرة .
ألا أن هناك أمراً مهماً قد يجعل الأخوان يحصلون على تعاطف يفوق بكثير نسبة التعاطف الشعبي الموجودة الآن ، وأقصد بهذا الأمر هو الدعاية المجانية اللتي يقدمها الجميع للأخوان دون وعي أو أدراك .
لقد قاد الظلم والقهر الحكومي في مصر كما في غيرها من البلدان العربية الشعوب الى كره اعمى للأنظمة الحاكمة وعلى رأسها زعماء هذه الأنظمة ، وكذلك الى الكيان الصهيوني والغرب اللذي يساند هذه الدكتاتوريات .
وكان ولا يزال كرهها هذا يزداد يوما بعد يوم كلما رأت ثرواتها تنهب وكرامتها تمتهن من قبل فئة منتفعة من علاقتها بالأنظمة ، الأمر اللذي جعل الشعوب العربية تفكر ، " وأن كان خطئاً يرأينا المتواضع " ، بمنطق " عدو عدوي هو صديقي " .
هذا المنطق جعل الناس في جميع بلداننا تتعلق بأي قشة قد تنقذها من الغرق في بحر المهانة والجوع والتخلف والمرض .
وفي شبه غياب للأحزاب الليبرالية والعلمانية أحياناً ، وتماهي هذه الأحزاب مع الأنظمة في أحيان أخرى ، أو بسبب طبيعة خطاب بعض هذه الأحزاب اللذي ينادي بأستلهام تجارب العلمانيات الغربية كما هي دون أي أعتبار للخصوصية التأريخية والثقافية والدينية للمنطقة العربية ، التفتت الجماهير العربية وبضمنها المصرية يميناً ويسارً بحثاً عن هذه القشة فلم تجد الا الأخوان المسلمين والأحزاب الدينية الأسلامية و الكنائس المسيحية ، هي اللتي تصرخ الأنظمة المستبدة والحكومات الغربية محذرتاً الشعوب منها ، فطبعت في أذهان هذه الشعوب ، " اللتي رجعت الى دينها كملاذ اخير يحميها من جلاديها ، وبمنطق عدو عدوي هو صديقي " ، فكرة أن التيارات الدينية هي الوحيدة العدوة للأنظمة المستبدة ومن يقف ورائها من الصهاينة والغرب ، وهي المخلص الوحيد لها مما آل أليه واقعها المزري .
ونظرة واحدة الى جميع النتائج الأنتخابية الحقيقية اللتي جرت في العراق وفلسطين والجزائر من قبل ، ستبين الفكرة بشكل أوضح .
واليوم . وبالرغم من جميع الحقائق اللتي سردناها في بداية المقال عن تنوع أفكار الثوار المرابطين في ساحة التحرير ، وتعدد الوانهم اللذي بدا واضحاً بقوة في مشاهد أقامة بعضهم لصلوات الضهر والعصر والفجر، والى جانبهم أخوتهم من المسيحيين وهم يقيمون قداسهم في ذات المكان ، بينما أنغمس آخرون في نشاطاتهم دون المشاركة في هذه الصلوات . ألا أن الجميع مازال ينشر ذات الدعاية القوية والمؤثرة ، واللتي تزيد بقوة من رصيد الأخوان المسلمين في الشارع المصري . دون أن يدفع هؤلاء قرشاً واحداً مقابل هذه الدعاية الممتازة .
بالتأكيد أن كلما قال النظام المصري اوبعض الأصوات في الغرب ، أو من يؤله هذا الغرب ، بأن ثوار التحرير هم من الأخوان المسلمين والمتطرفين المسنودين من قوى خارجية مثل أيران ، أزداد رصيد الأخوان وأيران في قلوب الشعوب المقهورة .
وكلما نسب هؤلاء جهود الشباب الواعي اللذي قام وحيداً بثورة 25 يناير واللذي لاينتمي لأي تيار سياسي كما ثبت الى الأخوان ، كلما مهدوا من حيث لايدروا لأن يصبح الأخوان مستقبلاً القوة الأكبر على الساحة السياسية المصرية وربما العربية بدون منازع .
وكما حصلت شركة دجاج كنتاكي على دعاية مجانية قامت بها ذات القوى اللتي تحاول بأستماته ربط الثورة الشعبية المصرية بالخارج ، فسيحصل الأخوان على ذات المنفعة من هذه القوى ولذات الأسباب .
التعليقات (0)