مواضيع اليوم

دعارة المغربيات في الخليج بين الحقيقة والادعاء

شريف هزاع

2010-05-06 00:56:53

0



ولما كانت الدعارة ظاهرة عالمية وواقعا لا يمكن الترفع عنه، وموجود في أي منطقة من دول العالم، إلا أنها بات كالاستثناء في الصحافة المغربية، حيث شكل الحديث عن دعارة المغربيات في دول الخليج مادة إعلامية جد دسمة، حتى تحول كل امرأة مغربية متوجهة إلى دولة الخليج في أعين المغاربة كمومس. وهو تحامل لا موضوعي، في وقت أكدت فيها تصريحات رسمية مغربية أن النساء المغربيات يقمن بأعمال شريفة في دول الخليج، وأن حالات الدعارة تشكل الاستثناء، كما أن تعاطيها يشكل نساء أخريات من كل الجنسيات، واستغربت المصادر المغربية الرسمية إصرار عدد من المنابر الإعلامية على ادعاء ربط ظاهرة الدعارة بالمغربيات المتوجهات للخليج، وأن دول الخليج تعتبر من كبار مستهلكي الجنس، لكن هذه الادعاءات لا توجد إلا في مخيلة الناس".

وفي هذا الصدد جاء اتهام أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، للصحف المغربية بتهويل ظاهرة الدعارة والمبالغة في الحديث عنها، حيث قال "الصحف تفرد العناوين البارزة لمسألة "الدعارة" رغم انه لا يجوز فردها بهذا الشكل".

وكشف أحمد حرزني نية المغرب إرسال مسؤولين للقيام بزيارات ميدانية لبعض دول الخليج العربية للبحث في وقوع نساء مغربيات ضحايا اتجار بالبشر وممارسة ما اسماه "الدعارة"، وموضحا أنه تم الشروع في العمل على هذا الموضوع، بعد إنجاز زيارات ميدانية لبعض بلدان الخليج على وجه الخصوص للبحث في هذه المسألة".

وتابع "نحن متأكدون أن أغلب النساء اللائي يسافرن إلى الخليج مثلا يمارسن أعمالا شريفة". مضيفا "أما ظاهرة ما يسمى "الدعارة " فهي لم تتغير منذ بداية المجتمعات البشرية، وما حصل هو أن الأعداد قد زادت أما النسب الإحصائية فهي نفسها في كل مكان سواء في المغرب أو غيره".

وأضاف حرزني "أن أحد المواضيع التي سنولي لها أهمية كبرى في المرحلة المقبلة هي مسألة الاتجار بالبشر سواء تعلق الأمر بالاستغلال الجنسي للنساء والأطفال أو شبكات تنظيم الهجرة السرية".

وكانت اللغط الإعلامي قد تزايد بشكل مثير في الصحافة المغربية، التي داومت على تداول ظاهرة دعارة المغربيات في دول المشرق العربي بشكل مسهب، بعد تداول أخبار بشأن وجود تقارير سرية تعرضت لملف الدعارة المغربية بالوطن العربي وخاصة بدول الخليج.

وقد أشارت هذه التقارير إلى تنامي دعارة المغربيات في دول الخليج، وأرجعت ذلك إلى وجود شبكات تنظيم الدعارة تنشط داخليا وخارجيا، وهو ما ظل يحول ومجهودات الدولة في القضاء على الظاهرة.

وادعت هذه التقارير أن المردود المادي الذي تدره "تجارة" العمليات المشبوهة في مجال الدعارة على متعاطيها يصل إلى أزيد من سبعة مليارات سنتيم (نحو 2 مليون دولار)، ناتجة عن تعاملات بين أفراد الشبكة والمتاجرة في فتيات المغرب، في دول الإمارات والكويت وسوريا، التي أصبحت تعرف كذلك توافد الفتيات المغربيات بهدف العمل وفق عقود عمل محددة، لكنهن يفاجأن بسحب جواز سفرهن، وإجبارهن للعمل كمومسات في فنادق عالية التصنيف، أو راقصات في بعض المراقص.

وبحسب هذه التقارير المتحدثة عنها قامت مجموعة منظمة بتهجير أزيد من 1800 فتاة مغربية إلى مختلف دول الخليج العربي، وكذلك دولة سوريا، التي أصبحت تعرف كذلك توافد عددا من الفتيات المغربيات للعمل في ملاهي ليلية هناك. كان الهدف من وراء هذا التهجير الذي أخذ غطاء له، عقود عمل صورية تقضي بتشغيل الفتيات في وظائف مختلفة، كالعمل في الفنادق وصالات الحلاقة، أو كمساعدات طبيات، أو العمل في البيوت وبالخصوص لدى العائلات الراقية، قبل التحول نحو ممارسة مهام أخرى، هي في الحقيقة الغاية من تسفير الفتيات المغربيات.

وكانت عدة مصادر قد أعلنت أن السلطات الأمنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وحدها وخلال الفترة الممتدة من سنة 2001 إلى سنة 2004، تمكنت من تسجيل أزيد من 800 حالة اعتقال، لفتيات مغربيات ضبطن متلبسات في ممارسة الدعارة، تم ترحيلهن، وإلى جانب عمليات الاعتقال تلك، منع من الدخول عن أزيد من 460 فتاة مغربية، تم التأكد من أن عقود العمل التي حصلن من خلالها على التأشيرة، كانت مزورة، وذلك بغاية استثمارها للدخول للإمارة الخليجية، قصد العمل في مجال الدعارة. وكما سجلت دولة الإمارات العربية المتحدة عددا من حالات الاعتقال والطرد لفتيات مغربيات تورطن في ممارسة الدعارة هناك، فإن دولة الكويت لم تكن هي أيضا غريبة عن هذا "التواجد" المغربي، إذ سجلت سنة 2004، حوالي 126 حالة اعتقال لفتيات مغربيات ضبطن متلبسات بممارسة الرذيلة، حيث تبين أن أغلبهن منحدرات من مدن بني ملال والدار البيضاء وفاس وطنجة، تم ترحيل حوالي 100 فتاة من هذه المجموعة، في حين لازالت هناك فتيات مغربيات تقضين عقوبة الحبس في السجون الكويتية.

وأصبح ملف ما بات يعرف في المغرب "ملف دعارة المغربيات في الخليج" قضية رأي عام في المغرب، لما نشرته الجرائد والصحف من تحقيقات جريئة في الموضوع وتصريحات الضحايا اللواتي ضاعت حياتهن داخل قصور الخليجيين. وغذت بذلك قضية دعارة المغربيات في دول الخليج مادة صحفية دسمة تناولتها الصحافة المغربية بكثير من التحليل، وتصدرت عناوين الصحف والمجلات المغربية على مختلف مشاربها واتجاهاتها.

وكانت هذه المتابعات كفلية بتوجيه الرأي العام المغربي، الذي بادر عبر جمعيات المجتمع المدني إلى مطالبة الحكومة المغربية إلى التدخل بحزم لضبط هجرة الفتيات المغربيات للعمل في ملاهي عمان وسوريا ودمشق، وباقي دول الخليج تحت يافطة شرعية ظاهرا وغير شرعية باطنا، وإيجاد ترسانة قانونية تحمي النساء ضحايا شبكات تنظيم الدعارة، ذلك أن العديد من النساء يسافرن إلى دول الخليج بهدف العمل وتحسين وضعهن الاجتماعي عبر حصولهن على عقود عمل قانونية، لكنهن يفاجأن بالسقوط في براثن شبكات للدعارة.

وكانت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن نزهة الصقلي، قد كشفت عن تفكيك المغرب، لما يزيد عن 220 شبكة سنة 2009 في إطار محاربة الاتجار في الأشخاص وخصوصا منهم النساء والأطفال، مما رفع عدد الشبكات التي تم تفكيكها منذ سنة 2003 إلى 2230 شبكة.

ومعلوم أن الحكومة المغربية كانت قد أعلنت على لسان وزيرها المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج أن الحديث عن الوضعية التي تعيشها بعض النساء والفتيات المغربيات في دول الخليج، في إشارة إلى استغلالهن في شبكات الدعارة، لم يعد من الطابوهات المحرم الحديث عنها دون الدخول في التفاصيل، معلنا أنه تم إحداث لجنة قطاعية مشتركة تضم وزارة الداخلية ومديرية الهجرة، ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون ووزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن ووزارة التشغيل والثقافة، للانكباب على وضعية النساء المغربيات بدول الخليج ووضع برنامج استعجالي لمعالجة مشاكلهن الآنية، لإيجاد حلول للمتعاطيات للدعارة مع سلطات بلدان الاستقبال وتحريرهن من قبضة مافيا الاتجار في البشر.

وستعمل هذه اللجنة على تسطير برنامج عمل يهدف إدماج النساء المهاجرات. ومن جملة تدابير هذا البرنامج رصد مبالغ مالية لصرفها لصالح النساء والفتيات اللاتي قررت الخروج من شبكات الدعارة.
وغدا الأمر جد مقلق بالنسبة للمغرب، حتى أنه كثيرا ما نوقشت القضية داخل قبة البرلمان، فشكل هذا الموضوع محور أسئلة الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، والذي شكك في نجاعة وجدية التدابير الحكومية المتخذة في الحد من هذه الظاهرة، بدليل تزايد شبكات المتاجرة في دعارة النساء المغربيات في دول الخليج العربي.

ويسجل المواطنون كما نواب البرلمان أن المملكة المغربية بتاريخها الحضاري والتاريخي تتعرض سمعتها لتشويه كبير على مستوى الخارج بسبب مجموعة من النساء اللواتي يقعن ضحايا شبكات للاستغلال في مجال الدعارة.

ويرى عدد من الدارسين أن المغرب أسيئ لصورته وسمعته من خلال ربط وسائل الإعلام موضوع الدعارة في الخليج بالمغربيات دون غيرهن من الوافدات على المنطقة. ويتأكد هذا الربط في سياق التفاعل مع ما تناقلته وسائل الإعلام المغربية والدولية بكثير من الإسهاب عن هجرة المغربيات إلى الخليج بغرض ممارسة الدعارة.

ولقد كان لهذه الحملات الإعلامية أن أساءت إلى صورة المرأة المغربية، حتى أن بعض الحركات الإسلامية أصدرت نداءات من أجل ما أسمته "نداء لسمعة المغرب وكرامة المرأة المغربية"، وتحدث هذا النداء عن أن المغرب أصبح مرتعا للمهووسين جنسيا والمفسدين من مختلف الجنسيات وأصبحت نساؤه مادة في تجارة البشر. ودعا إلى حماية المرأة المغربية العاملة بالخليج. ووجه هذا النداء أيضا إلى العلماء والدعاة والمفكرين والمسؤولين السياسيين والجمعويين ورجال الإعلام إلى تحمل مسؤولياتهم أمام انتشار شبكات الدعارة وعصابات الجنس التي تستغل بنات المغرب.

عبـد الفتـاح الفاتحـي
Elfathifattah@yahoo.fr




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات