مواضيع اليوم

دستور الإنترنت... أو لعبة التشويش.

محمد مغوتي

2011-06-14 13:32:27

0

    تتداول مواقع إلكترونية مغربية على نطاق واسع هذه الأيام وثيقة تقدم للقراء بوصفها: " نص مسودة الدستور الجديد". و قد لقيت اهتماما واسعا لدى الرأي العام، كما خلقت جدلا حول بعض مضامينها. لكن المتمعن جيدا في الوثيقة يستنتج أن الأمر يتعلق بنص " مفبرك" يغير بعضا من مضامين الدستور الحالي بشكل يهدف إلى التشويش. و هو ما يطرح الكثير من الأسئلة حول دواعي هذا السلوك و القائمين عليه أيضا.
    في ديباجة " المسودة " المزعومة نقرأ ما يلي: "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية تليها اللغة الأمازيغية، وهي جزء من المغرب العربي الكبير...". و من الواضح أن الجديد في هذا النص هو دسترة الأمازيغية. لكن الطريقة التي وردت بها تجعل الموضوع مدار جدل حقيقي. فهذه الصيغة لا معنى لها، لأن النقاش الدستوري يتقاسمه موقفان أحدهما ينادي باعتبار الأمازيغية لغة رسمية، والآخر يحددها كلغة وطنية. و في الحالتين معا ينبغي أن تتضمن الصياغة إشارة واضحة إلى موقع الأمازيغية في الدستور المرتقب. أعني : أن تتم الإشارة إلى ذلك بوضوح باستخدام كلمة رسمية أو وطنية. أما الصيغة التي وردت في المسودة فلا تمت بأية صلة إلى اللغة " الدستورية" التي تفترض توظيف مصطلحات قانونية واضحة و لا لبس فيها. ثم إن الإبقاء على مفهوم " المغرب العربي الكبير " يتناقض مع الحديث الذي يروج حول التوجه إلى ترسيم الأمازيغية في الدستور الجديد، لأن الإبقاء على الإنتماء العرقي ( العروبة) لا ينسجم مع تعدد مكونات الشخصية المغربية التي ينبغي التأكيد عليها دستوريا.
    نقطة أخرى تثير الإنتباه، جاءت في الفصل الأول من الباب الأول ( أحكام عامة) و تتعلق بطبيعة النظام السياسي بالمغرب، حيث جاء في المسودة المذكورة أن " نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية برلمانية ديمقراطية واجتماعية." بينما ينص الدستور المعمول به حاليا على أن " نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديموقراطية و اجتماعية." و هذا يعني أننا انتقلنا من الملكية الدستورية إلى الملكية البرلمانية. و هذا مطلب أساسي في أجندة الحراك الشعبي الذي أفرزته حركة 20 فبراير. لكن الحديث عن ملكية برلمانية يقتضي تغييرات جذرية في الدستور الحالي تتناسب مع هذا الإنتقال، غير أننا لا نجد في مضامين المسودة ما ينسجم مع دلالات " الملكية البرلمانية" إلا ما يتعلق ببعض العبارات الفضفاضة التي تحمل تأويلات مختلفة، كما هو الحال في الفصل 19 مثلا. كما أن الفصول المندرجة ضمن البابين المتعلقين بالعلاقة بين البرلمان و الملك، و العلاقة بين البرلمان و الحكومة، وردت في المسودة حرفيا كما هي عليه في الدستور الحالي ( باستثناء تغيير كلمة " الوزير الأول "ب " رئيس الحكومة"). و ذلك ما يفرغ صيغة " ملكية برلمانية " من محتواها... أما المنزلق الحقيقي الذي وقع فيه من وضع هذه المسودة فيتجلى في الفصل السابع، حيث أصبح شعار المملكة هو: الله، الوطن، المساواة. و هذا الشعار يتناقض مع كون المغرب دولة ملكية، وهو ما يؤكده الفصل 106 من الدستور الحالي، والذي ورد بنفس الصيغة في المسودة المتداولة هذه الأيام في الفصل 100، حيث نقرأ: " النظام الملكي للدولة وكذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة.". فشعار الدولة يعبر عن ثوابتها التي لا تقبل المراجعة. و هي في الحالة المغربية تتعلق بالدين الإسلامي و الوحدة الترابية و الملكية. لذلك فإن الشعار الجديد مستبعد جدا، وهو ليس محط نقاش بين الفرقاء السياسيين المعنيين بالإصلاح الدستوري.
    و إذا كنا ندرك جميعا أن الخطوط العريضة للتعديل الدستوري قد حددها خطاب 09 مارس، فإنه يفترض في المسودة أن تتقيد بتلك المرتكزات التي تضمنها الخطاب الملكي. و في هذا المقام لا تحمل المسودة المذكورة التي يتم تداولها في كثير من المواقع الإلكترونية أية إشارة إلى الجهوية كأفق استراتيجي بدأ المغرب يستعد للانخراط فيه. كما لم تتم الإشارة فيها إلى توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة التي دعا الملك إلى دسترتها.... لذلك فإن دواعي التشكيك في مصداقية و حقيقة هذه " المسودة " كثيرة. و يبدو أن الغرض من نشرها بهذا الشكل هو محاولة جس نبض الشارع، و خصوصا في ما يتصل بالشأن الهوياتي الذي أثار جدلا واسعا منذ بداية الحديث عن التغيير الدستوري. و ربما كان الهدف أيضا هو توجيه النقاش إلى نقط محددة، و إغفال التفاصيل... و من تم فإن إصدار أي حكم على التعديل المرتقب لن يكتمل إلا بظهور النسخة الرسمية من المشروع ، والتي ستخضع للاستفتاء الشعبي.
        محمد مغوتي.14/06/2011.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !