اذا أردنا أن نتعامل مع الواقع المعاش ، على ضوء "جدل الإنسان" ، فإننا ، بداية ، نستخلص الدروس التالية :
الدرس الأول :
الذي نستخلصه ، من ( جدل الإنسان ) ، بصيغته الفردية ثم من " الجدل الاجتماعي " في صيغته الاجتماعية يمكن اختصاره بأن التطور الاجتماعي ، يبدأ من الواقع الاجتماعي كما هو بالمجتمع كما هو بالبشر ، في واقعهم المعين المشترك كما هم ويكون علينا أول ، ما علينا ونحن نحاول معرفة واقعنا لنطوره أن نعرف ، معرفة صحيحة ونحدد بدقة واقعنا الاجتماعي وأن نجيب على أول الأسئلة التي يطرحها التطور الاجتماعي ما هو مجتمعنا؟ وأن نحتفظ به كما هو وأن نحافظ عليه كما هو وأن نتعامل معه كما هو سواء أعجبنا أو كان منا ، من يتمنى لو ، لم يكن منتمياً إليه وهكذا ينذرنا " جدل الإنسان " بالفشل ، الذي تستحقه أية حركة تستهدف تطوير الواقع جاهلة ، أم متجاهلة أم رافضة التعامل مع حقيقته الاجتماعية كما هي .
الدرس الثاني :
أن التطور الاجتماعي ليس مجرد نمو خلال الإضافة بل أن كل إضافة ينمو بها المجتمع ويتطور هي حل لمشكلة اجتماعية واقعية فليس كل ما يحدث في الواقع الاجتماعي تطور ويكون علينا ونحن نحاول أن نفهم كيف تطور الواقع الاجتماعي مادياً ، أو فكرياً ، أو بشرياً .. إلخ حتى أصبح كما هو أن نضيف سؤالاً جديداً إلى الأسئلة التي عرفناها من قبل ، فبعد الجواب على ( ما هو ؟ ) الذي نعرف من الإجابة عليه ماهية الحدث التاريخي وبعد ( أين ؟ )الذي نعرف من الإجابة عليه حده المكاني وبعد ( متى .؟ ) الذي نعرف من الإجابة عليه حده الزماني ،نسال : لماذا .؟ ومن الإجابة على السؤال الأخير نعرف المشكلة الاجتماعية التي نعمل على حلها فنعرف قيمة الحقيقة كإضافة في حركة التحرر الاجتماعي وذلك بمعرفة ما إذا كانت المشكلة قد حلت وعلى أي مدى ويفيدنا هذا في أن نفرق في واقعنا الاجتماعي بين ما كان ثمرة تطور تاريخي وبين آثار التحولات التلقائية أو ميراث الفشل السابق فنتمسك ، ونحافظ ونطور الأول ونصحح في المستقبل الأخطاء التي وقعت في الماضي وهكذا ينذرنا "جدل الإنسان" ، بالفشل الذي تستحقه أي حركة تستهدف تطوير الواقع ، متجاهلة أو جاهلة تطوره التاريخي أو غير قادرة ، على التعرف في الواقع على ما هو ثمرة تطويره وما هو ، من بقايا مراحل تخلفه ..
الدرس الثالث :
أن التطور الاجتماعي هو حل مشكلات الناس في المجتمع لا أكثر ولا أقل .. ويكون علينا ونحن نحاول أن نعرف ما الذي يجب أن نفعله لنطور واقعنا الاجتماعي أن نعرف مشكلات الناس معرفة صحيحة مشكلات الناس بما فيهم نحن وليس مشكلاتنا نحن دون الناس ، ونحن نعرفها "المشكلات" بالمقارنة بين الواقع الاجتماعي كما هو وبين ما يريده الناس .. إن المشكلة ، هي الفرق بينهما في المضمون ،والمدى وبدون هذا لا يمكن أن نعرف المشكلات الاجتماعية فلا نستطيع أن نحلها وهكذا ينذرنا جدل الإنسان بالفشل الذي تستحقه أية حركة تستهدف تطوير الواقع .. متجاهلة مشكلات الناس أو جاهلة أو متجاهلة حقيقة الواقع الاجتماعي أو مدعية للناس مشكلات لا يشعرون بها ، في أنفسهم .
الدرس الرابع :
إن التطور الاجتماعي لا يتم بمحاولة تحقيق ( كل ) ما يريده الناس بل بتحقيق ما يمكن تحقيقه فعلاً مما يريدونه في مجتمع معين وفي وقت معين ،وقمة النجاح هي ، تحقيق كل الممكن .
ا .
ويكون علينا أن نكتشف هذا الممكن موضوعياً في كل وقت ونحن نحاول أن نعرف الحلول الصحيحة مشكلات الناس في واقعنا الاجتماعي .
إن التخطيط لحل المشكلات الاجتماعية على مراحل واقعية يصبح لازماً لنجاحنا ومع هذا ففي كل الحالات ، يجب أن نكف أنفسنا عن محاولة تحقيق أي أمر ، في غير الوقت الذي يسمح الواقع الموضوعي تحقيقه ولا يجوز لنا مهما تكن الظروف أن نعد بأكثر مما يمكن تحقيقه ولا ينبغي لنا أبداً أن نخشى أن يرفض الناس وعودنا الواقعية ، فطال الزمن أو قصر سيتعلم الناس ولو من فشل الوعود الكاذبة كيف يقبلون ما هو صحيح وهكذا ينذرنا "جدل الإنسان" بالفشل الذي تستحقه أي حركة تستهدف تطوير الواقع جاهلة أو متجاهلة الحلول الصحيحة للمشكلات الاجتماعية ، كما هي محددة موضوعياً بالواقع الاجتماعي ذاته أو تنافق الناس ، فتعدهم بما لا تستطيع أن تحققه ..
الدرس الخامس :
أن الناس أداة التطور الاجتماعي ولا يتم التطور الاجتماعي إلا إذا وبقدر ما شارك الناس في طرح المشكلات الاجتماعية ،ومناقشتها ومحاولة معرفة ، حلولها الصحيحة والمساهمة في العمل اللازم والمناسب لحلها ويكون علينا أن نشترك مع الناس ونشركهم معنا ونحقق لهم ولنا أوسع مجالات المشاركة في طرح ، المشكلات الاجتماعية ومناقشتها ومحاولة معرفة حلولها الصحيحة والعمل لحلها وعندما نرى الناس أو بعضهم عاجزين عن معرفة حقيقة المشكلات الاجتماعية أو عن اكتشاف حلولها الصحيحة أو نراهم مفتقدين المهارة اللازمة لتنفيذ تلك الحلول في الواقع فلا نعزلهم عنا ولا ننعزل عنهم ولا نستعلي عليهم بل ننتبه إلى أننا ، نواجه فيهم ، أخطر مشكلات التطور الاجتماعي التي ، يطرحها واقعنا .. فلا ، نهرب منها ، أو نستهين بها بل ، نضعها فوراً في المرتبة الأولى من المشكلات الاجتماعية الملحة التي يجب أن تحل التوعية مفيدة ولكنها ، لا تغني عن تنمية الوعي من خلال دراسة المشكلات الاجتماعية مهما اقتضت من جهد والإرشاد مفيد ولكنه لا يغني عن تنمية المعرفة عن طريق النشاط الفكري مهما صاحبها من أخطاء والرقابة مفيدة ولكنها لا تغني عن تنمية المهارة عن طريق الممارسة مهما تطلبت من وقت . وهكذا ينذرنا "جدل الإنسان" بالفشل الذي تستحقه أية حركة تستهدف تطوير الواقع جاهلة أو متجاهلة أن مشاركة الناس في تحقيق التطور لازمة فتعزل نفسها عن الناس أو تعزلهم عنهاأو تستعلي على الناس في المجتمع فتفرض عليهم وصايتها بحجة أنهم لا يعرفون ( مصالحهم الحقيقية).
الدرس السادس :
عندما تقف مجموعة ما فتحول لأي سبب دون التطور الاجتماعي يصبح "الصراع الاجتماعي" حتمياً ، وتكون غايته مواجهة القوة المضادة للتطور ليستأنف "التطور الاجتماعي" مسيرته ويكون علينا ونحن نحاول أن نطور واقعنا أن نتمسك بقوة بالحلول الصحيحة لمشكلات التطور الاجتماعي وألا نتنازل عنها أو نساوم عليها مهما تكن القوى التي نواجهها وأن نحاول بكل وسيلة ممكنة الإقناع بصحة موقعنا وموقفنا ثم أن نكون مستعدين دائماً لدخول معركة الصراع الاجتماعي بكل أسلحته ضد كل القوى التي حتمّته بمواقفها المضادة للتطور الاجتماعي وأن ندخله بدون تردد ، في كل مجالاته .. واثقين من أنه مهما تكن موازين القوى في بداية الصراع أو في مراحله فإن النصر معقود لغايتنا في النهاية وهكذا ينذرنا "جدل الإنسان" بالفشل الذي تستحقه أي حركة تستهدف تطوير الواقع وتخشى أعداء تطوره فتتراجع أو تساوم أو لا تعدّ ، للصراع عدته فتشتري سلامتها الحاضرة بمستقبل الناس في المجتمع ..
الدرس السابع :
أن الديمقراطية نظاماً للحياة وليست نظاماً للاستفتاء والانتخاب والحكم والديمقراطية نظاماً حتمياً للتطور لأن "جدل الإنسان" في المجتمع أو "الجدل الاجتماعي" قانون حتمي يضبط حركة تطور المجتمعات وعلى ضوء هذا المضمون الحي للديمقراطية يتحدد الشكل الديمقراطي وعلاقته بمضمونه فالمضمون الديمقراطي هو الأصل والشكل تعبير عنه لا يجوز أن يضغط عليه أو يلغيه وإذا كنا قد عرفنا الديمقراطية بأنها ، أسلوب المجتمعات في حل مشكلاتها فإن شكل الأسلوب يجب أن يكون مقيداً بحل المشكلات : أن يضمن حرية الرأي والمناقشة للجميع ويضمن حرية العمل للأغلبية غير يمكن أن تكون ثمة ديمقراطية بدون شكل أو تنظيم لأن الشكل أي التعبير ، الظاهر المادي هو الدليل الوحيد على أن هناك ديمقراطية فبدون تنظيم ديمقراطي لا توجد ديمقراطية ولو كان الشعب كله من الفلاسفة الصالحين فإذا كان الأساس الأول للديمقراطية حرية تبادل المعرفة بالمشكلات فلا يمكن أن يتم تبادل تلك المعرفة أي التفاعل الجماعي للآراء الفردية إلا داخل نظام ، ييسر للناس أن يجتمعوا وأن يتبادلوا الرأي كتابة أو شفوياً وتعتبر التنظيمات الجماهيرية بكل ما تتضمنه من أجهزة في خدمة آراء أعضائها وبكل أنواعها واتساعها لكل الناس قمة الشكل الديمقراطي لحرية المعرفة كما تلعب وسائل التعبير والإعلام كالكتابة والخطابة والإذاعة والفنون دوراً أساسياً في الحياة الديمقراطية بقدر ما تكون في خدمة كل الآراء وبعد المعرفة بالمشكلات يأتي الحل كعنصر من عناصر ( أسلوب المجتمع في حل مشكلاته ) لهذا لا يمكن أن توجد ديمقراطية إلا إذا أعلنت الآراء والمبادئ وعرضت على الشعب ليتحدد الحل الذي يحل أغلب المشكلات ليتحدد حل الأغلبية لا يغني عن هذا الشكل أن يكون في جيب كل واحد منا برنامج كامل للعمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولا يغني عنه أن يتصدى فرد أو أفراد قلائل لتخطيط الحلول ادعاء بأنهم أقدر على هذا من الشعب ليس في هذا شيء من الديمقراطية وعلى من يعتقد أن لديه حلاً لمشكلات الشعب أن يقدم الدليل على صحة اعتقاده والدليل المقبول ديمقراطياً أن يكون الحل المقترح من قبله حلاً ، لمشكلات الناس كلهم أو أغلبهم ولا طريق إلى معرفة هذا إلا بالرجوع إلى الشعب نفسه ..
التعليقات (0)