قبل أيام وبالتحديد في 10 مايو 2010 م، قدم غوردون براون استقالته من زعامة حزب العمال البريطاني في أعقاب فشل الحزب في الحصول على أغلبية برلمانية تمكنه من تشكيل الحكومة.
هكذا بهدوء وبشجاعة تحمل براون مسؤولية إخفاق حزبه فاستقال، ولم يصر على الاستمرار بأي ثمن في منصبه، ولم يلقِ باللائمة على الظروف الإقليمية والدولية المحيطة، ولم يتشبث بالموقع بدعوى الخوف على مستقبل الحزب الذي يمر بمنعطفات خطيرة ومتغيرات دقيقة وحساسة تتطلب وقفة ( أي قعدة ) على الكرسي لفترة أطول.لم يستخدم براون هذه الكلمات وغيرها التي لا يخلو منها بيان عربي. وهذا هو الدرس الأول.
الدرس الثاني: بعد الانتخابات النيابية أجرى غوردون براون محادثات مع زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار للتفاوض حول برنامج لتشكيل حكومة ائتلاف، ولم تدم المفاوضات طويلا فالمسألة كلها تتلخص ببرنامج عمل، ولما لم يمكن التوصل لبرنامج مشترك، اختار براون إنهاء المحادثات وإعطاء الفرصة للحزب المنافس – حزب المحافظين – الذي نجح فعلا في إنجاز المهمة وبالتالي الوصول لسدة الحكم منهيا حقبة حكم حزب العمل التي استمرت 13 عاما.
كل ما فعله براون بعد ذلك أنه استقل سيارته بصحبة زوجته وولديه وتوجهوا لقصر باكنغهام لتقديم استقالته إلى الملكة إليزابيث الثانية.
هكذا بهدوء تام وسرعة قياسية انتهى عهد ليبدأ عهد جديد.
الدرس الثالث: في خطاب استقالته قال براون: "كنت أحب الوظيفة، ليس لهيبتها أو ألقابها أو مراسمها وهي ما لا أحب على الإطلاق"، وأضاف بأنه سيعود إلى وظيفته الأولى في الحياة، وهي أن يكون أبا وزوجا.
أقول: إن هذا الكلام لا يمكن أن يصدر إلا من شخص أكبر من الكرسي الذي يجلس عليه، يجلس على الكرسي لا ليضيف لنفسه شيئا، بل ليقدم ما يستطيع من جهد لخدمة شعبه، وبالتالي يضيف للكرسي أو للمنصب قيمة أخرى، وهو ما يجعله يشعر بأن مصيره ومستقبله غير مرتبطين بالمنصب، فيسهل عليه مغادرة الكرسي دون ضجيج.
أما الأمر الآخر فهو أنه شخص يعرف أولوياته بشكل دقيق، العائلة أولا ورئاسة الوزراء ثانيا. لا أدري كم مسؤول عربي بل كم مدير إدارة صغيرة يستطيع أن يقول بصدق كلاما مشابها؟!
لقد شكر براون زوجته وولديه الصغيرين على مساعدتهما له ووقوفهما إلى جانبه مما مكنه من أداء مهامه بنجاح. لم يقل إنه سوبرمان قام بكل شيء دون مساعدة أحد، بل أعطى لكل ذي حق حقه حتى لابنيه الصغيرين.
ترى هل سيأتي يوم نستوعب فيه هذه الدروس؟!
التعليقات (0)