درس رسم
دخل المدرس
بابتسامة عريضة كقوس قزح
و معه ألواح
و كل ما يحتاج الفنان
فسلم على النشء وقال لهم :
اليوم سيرسم كلٌ منا صورة للقومندان
و رغبة منه في الإيضاح
سأل المدرس : ما هو القومندان ؟
أكائن حي أم جماد ؟ ! انس هو أم جان ؟!
تضاحك الصبيان
و علا لفترة الهرج و المرج
ثم عم الصمت المكان
على غير المألوف
و خاصة ممن هو مثلهم في هذا الزمان
تمعن في أعين تلامذته المعلم الفنان
لا تخف يا بني و لا يجب أن تخاف
أجب يا حسان
تشجع يا ولدي ، كن هُمام
أنا عندما كنت في سنكم
أيضًا خدعت في القومندان
لأني لم أحاول التعرف عليه
قالها المدرس و هو يشير لأحد الفتيان :
فأطمأن الأولاد
و وقف آخر غير حسان
دون أن ينتظر إذنًا بالكلام
قال دون تردد ٍ :
يا أستاذ يا أستاذ : القومندان حيوان
"حسنًا" قال الأستاذ :
وما هي صفاته يا صلاح ؟ !
من أي فصيلة هو ؟!
عاد الصبية للضحك و التهامس
و لأن المدرس يؤمن بالديموقراطية على أصولها
أسكت الأولاد ، ليعلمهم كيف يكون الحوار!
"ألم تدرسوها في العلوم فصائل الحيوان ؟!"
قالها المدرس
ثم أردف وهو يشير إلى صلاح :
أجب يا فهمان !
فوقف صلاح كأنه سيلقي بيان
وقال بصوت الواثق من معلوماته :
حجمه كبير كالديناصور
يوم فرحه أمن و أمان
يرقص كالقرد
وعندما ينزعج فهو غول أو أشد
يجتاح ما أمامه كالطوفان
وإذا أكل فهو كالثور
يحشُ الأخضر و اليابس
لا يشبع و لا يعرف لذلك سبيلا
له جلد مرقط أملس
كالأفعى
و لسانه طويل كخرطوم فيل
لا يسلم منه قصير أو طويل
إن لسعك فإلى الله المصير
أما ذيله فسميك كالبغال
و جلده كذلك
يصلح فقط لصناعة النعال
يعلو ظهره سنام مثل الجمال
و كغيره من الحيوانات
لا يعرف إلا شريعة الغاب
كل ما تطالُه يده حلال في حلال
لا يعرف شيخًا أو شاب
المهم رغباته
الكل كما يرى معاليه
يجب أن يكون في خدمته
ليس مهمًا أصاب أم جانبه الصواب!
لا يعرف ودًا أو حنان
فالعواطف عنده ليس لها ميزان
رغبات الآخرين عنده لا تهم
فباقي المخلوقات عنده
كالذباب أو أقل بكثير
لا يعرف القراءة و الكتابة
آه عفوًا يا أستاذ
لقد نسيت فلا يقرأ أو يكتب الحيوان
أعجب الأستاذ بالإجابة
وقال لطلابه :
هيا كلٌ منكم يرسم الصورة
التي تخيلها للقومندان
و في الحصة التالية
جمع المدرس رسمات الفتيان
فكانت مفاجآت
أهمها أن أحد الطلاب
و بالمناسبة أنجبهم
لم يرسم صورة للقومندان
لأنه كما قال لأستاذه
هذا الكائن لا يستحق شحطة قلم
أو فرشاة ألوان
بل لا يستحق أن يفكر فيه إنسان
فكان أوضح جواب
بل أبلغ بيان .
رأس الخيمة : 5 / 9 / 2004 م
أبو العبــــد
التعليقات (0)