درس تربوي تعلمته من مواطن بسيط لا يحمل شهادات عالية وأنا متأكد تمام التأكد انه لم يقرأ عن النظريات التربوية الحديثة والتي يصعب تطبيقها في مجتمع لم يتعود إلا على تطبيق نظرياته التربوية والتي منها ( طقه لين يعض الأرض ) ( اوطى على رقبته ) ( وسدها ظهره ) والنظرية التربوية التي يعتقدها اغلب أولياء الأمور ( نظرية المسحب) ( لكم اللحم ولنا العظم ) .
لنعود معاً إلى صاحبنا ، كان يجلس هو ومجموعة من أصحابه خلفنا غير بعيد عنا على شاطئ الفناتير في أجواء ربيعة رائعة ، كان معه طفلاه ( بنت وولد ) أعمارهم تقل عن الأربع سنوات ، اخذ الطفلان باللعب خلف والدهم وفي غفلة منه ابتعدوا شيئا فشيئا .
كانت جلستنا أنا واحد الجيران عامرة بكل مالذ وطاب من أنواع الحلويات والمعجنات والمكسرات التي تجذب ( حارة كاملة ) وليس مجرد طفلين ، اقترب الطفلان إلى جلستنا و شد نظرهم تلك
الأ لوان الزاهية لأغلفة الحلويات والتي كان من ضمنها على ما اذكر ( جالكسي ) وصحون المعمول والمكسرات المتنوعة والتي يعرفونها ويعرفون مذاقها ، وبما اننا تعودنا أن لا نأكل وذو عينين ينظر ( حتى لوكان بس ) وحتى ( لا تنكسر نفوسهم ) و( أغص ) أخذت حبتين من
( الجالكسي ) ومددت يدي إليهم وناولت كل واحد مهم ( حبة ) ارتسمت على شفاه الطفلين ابتسامة رضى بريئة فبادلتهم بابتسامة سعادة ، رجع الأطفال إلى والدهم ( ركضا ) مسرورين بهذه الهبة ، وعيناي وصاحبي ترقبهم مع ابتسامة فرح كأننا ننتظر أن يلوح لنا والدهم بيده
( شكرا وعرفانا ) وما أن لمس الولد بيده كتف والده نظر إليهم ثم وجه نظره إلى ( الحلاوة ) بيد اطفالة ثم رمقنا بنظرة ( استنكار ) فعلمت أنني( جبت الطعه ) أشحت بنظري إلى صاحبي وقد ارتسمت على محياي علامات ( الفشلة ) وهو يقول لي بصوت منخفض مع ابتسامة ( سخرية ) ( جاك الموت ياتارك الصلاة ) خل ( العاطفة تنفعك ) وهو يشاهد الأب ممسكا بأيدي أطفاله قادما إلينا ، كنت اجلس مقابلا لصاحبي وكانت تجاعيد وملامح وجهه تعكس لي مدى اقتراب الرجل مع كل خطوة يخطوها ، أطرقت برأسي إلى الأرض وأنا انظر و أتحسس كاسة الشاي التي أبت أن تبرد من حرارة الموقف ، كنت مع ذلك استرق النظر بطرف عيني إلى القادم المنتظر ثم أعود إلى كاستي ، وفجأة هب صاحبي واقفا ( مهايطا) قائلا ( مرحبا مليون )
( اتضح فيما بعد أنهم زملاء عمل ) وقفت واتجهت بكامل جسمي إلى الرجل الذي ارتسمت على وجهه علامات الاستنكار ومع ذلك كان مؤدبا في كلامه حيث ابتدأنا بالسلام وبعد السؤال عن الحال والأحوال بادرته قائلا ( الظاهر إني ازعلتك ) فأجاب المسألة ليست مسالة ( زعلت أو لا ) إنها ياخي تربية أنا ( معودهم ما يأخذون من احد لا بعيد ولا حتى قريب) ثم نزل إلى مستوى طفلته مواجها لها وقال ( حبيبتي قولي لعمو شكرا ورجعي له الحلاوة ) أعادت لي الطفلة الحلاوة مع كلمة ( شكرا عمو ) اعتدل واقفا ووضع يده على رأس ولده وهو يوجه لي كلامه ، بالنسبة للولد ( المره ) هذي إكراما لك ولفلان ( أبخليه يأخذها ) ثم التفت إلى ابنه وهو واقفا لم ينزل كما فعل مع ابنته وقرص إذنه قائلا بنبرة ونظرة حادة ( بس لا تعودها ) وقل شكرا لعمو ، اعتذر الأب عن قبول دعوتنا وعن تصرفه وكرر أن المسألة تربية ، رجع الأب مع طفليه ، جلسنا وأحسست أن كبريائي ( راحت فيها من الكسحه ) وأنا أتخيل الطفلة وهي تعيد لي الحلاوة ، استغربت هذا التصرف من الأب ، التفت لصاحبي قائلا ( خويك ذا سوالنا من الحبة قبة ) جاء رده سريعا ( تستاهل مسوي فيها كريم سبلا ) ( وش عليك من عيال الناس ) ، حاول صاحبي تغيير الموضوع علنا ( نتناسى ) الموقف ( البايخ ) الذي وضعت نفسي فيه ، لم استطع الجلوس ، فزيت واقفا من قهري ، وقلت لصاحبي ( أبروح أتمشى) قال أحسن عشان ترتاح وتهدئ نفسك ، لم ادري كم مرة درت في الكورنيش ذهابا وإيابا من قهري واستغرابي والفضول الذي كاد يقتلني ( لماذا تصرف هكذا الأب ) بعد تقريبا نصف ساعة هدئت نفسي وعلى قولتهم ( ذهبت السكرة واتت الفكرة ) فكرت في موقف الرجل وفي كلامه وتصرفه وفكرت لو أن الأطفال أطفالي والموقف حصل معي ، ضربت بباطن كفي جبهتي ( يالله كم أنا غبي ) فعلا لا يجب آن يتعود الطفل على أخذ شيئا من الغرباء أو يمد يده ويطلب ، قد يستدرج من ضعاف النفوس أو يتعود على ( الشحاذة ) ، عرفت السبب الآن وفهمت الدرس جيدا ، رجعت إلى صاحبي وقد تغيرت حالتي ونفسيتي جلست مبتسما قائلا ( تصدق هذا درس مجاني في التربية ) .
بقي أن تعلم أخي القارئ أن هذه الحادثة لها الآن ما يقارب من عشر سنوات ، وقد صادفت قبل عام الرجل في احد المجمعات التجارية وقد بدا طفله الصغير غلاما يافعا ، سلمت عليه وقلت له ممازحا ( أهلا بمعلمي وأستاذي ) تلعثم الرجل وقال أنا ؟ قلت نعم أنت ، قال ياخي أنا رجل عسكري ، قلت اعرف ، هز راسة قائلا ( طيب ) ذكرته بالموقف فلم يتذكر، قلت المهم أنني تعلمت منك درسا لا ولن أنساه ولن أنساك أيضا ، من ذلك الحين وأنا انقل لمعارفي وأحبتي هذا الدرس المجاني الذي أحببت أن انقله لكم .
التعليقات (0)